رؤية قائد.. وبناء دولة "2"

لم تكن الدولة المصرية تمتلك رفاهية الوقت بعد أن أصابتها حالة الترهل خلال العقد الأول من القرن الحالي، فالعديد من المؤسسات كانت تواجه المشكلات بمزيد من المسكنات، بل إن آلة الترهل تلك أعقبتها فترة كانت من أخطر فترات تاريخ الدولة المصرية الحديثة، المرحلة التي أعقبت ثورة 25 يناير، فقد شهدت مصر حالة من حالات اللادولة، فقد كان المخطط مدروسًا لإسقاط الدولة المصرية، ولعبت الحرب النفسية فيها دورًا محوريًا كان يعصف بها لولا ما تمتلكه مصر من تاريخ حضاري تظهر آثاره على أبنائها عندما يشعرون بخطر يهدد دولتهم الوطنية.

إلا أن تلك الحرب لم تتوقف حتى الساعة رغم خروج الدولة المصرية من براثن المخطط الشيطاني لإسقاطها، ونجاحها فى مواجهته وإسقاطه، والتصدي لأكبر عملية لنشر الفوضى فى المنطقة.

فما زالت عملية تسطيح العقول الممنهجة وتغييب الوعي المدروس تمارس ضد شعوب المنطقة العربية مستهدفة إعادة سيناريو وأطلق عليه من قبل الفوضى الخلاقة، مستهدفة التقليل من قيمة ما أنجزته الشعوب خلال الفترة الماضية خاصة الشعب المصري وخلق صورة ذهنية مغلوطة، ووعي غير دقيق، يقلص حجم الإنجاز فى كل القطاعات.. فلا يتحدث سوى عن قطاع واحد وكأن الدولة المصرية خلال العقد الأخير لم تفعل شيئًا سوى بناء الطرق، ليدفع بمصطلح تردده كتائبه الإلكترونية «كفاية طرق» مصدرة إياه للعقل الجمعي لخلق حالة مجتمعية، يغيب عنها ما تم إنجازه.

فتقدم تلك الصورة ويجري العمل عليها من قبل قوى الشر ويتم ترويجها بشكل ممنهج؛ فتقزيم ما تحقق فى كل القطاعات أو تغييبها بمرور الوقت على تلك الإنجازات.

إنها حرب وجود تستهدف الشعب المصري ودولته، لأنهم يدركون قوة تلك الدولة ووزنها الإقليمي والعالمي ومدى تأثيرها فى المنطقة.

لقد كانت ملحمة السنوات العشر الأخيرة تعتمد على الشعب المصري فهو بطلها الحقيقي، وجاءت رؤية القيادة السياسية متوافقة مع طموحات الشعب.

فكان العمل على اقتحام المشكلات والبحث عن حلول غير تقليدية لها يكون الوقت فيها له قيمة، والعمل الاحترافي هو أحد أهم سماتها، والاستفادة من قدرات الدولة، وتطويرها فى ظل ضعف فى الموارد ما لم يتم تنميتها والحفاظ عليها.

ففي الحلقة الماضية استعرضنا بعض نماذج مشروعات تم العمل عليها فى قطاع الطرق ومحاور بناء الدولة، ونواصل فى السطور التالية استعراض البعض الآخر منها ما تم فى القطاع الصحي من إنجاز كان أحد مرتكزات الدولة المصرية فى مواجهة الأزمات العالمية، وكذا نستعرض رؤية القائد فى قطاع الإسكان ومواجهة المشكلة المزمنة (العشوائيات) التي تعاقبت عليها العديد من الأنظمة فلم تواجهها بل تركتها تتضخم وتتضاعف لترسم أكثر صور القبح المقدمة على صفحات الصحف وأمام كاميرات الفضائيات وفى ملفات المنظمات الدولية عن القاهرة وغيرها من المدن المصرية.

وقبل التطرق لرؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي لمواجهة مشكلات القطاع الصحي وقطاع الإسكان، علينا أن ندرك حجم ما تحملته الدولة المصرية عقب ثورة 17 فبراير فى ليبيا والتي نتج عنها عودة 2 مليون مصري كان حجم تحويلاتهم السنوية يتجاوز
2 مليار دولار، ففقدت الدولة هذا القدر من العملة الأجنبية، وأصبح لزامًا عليها توفير فرص عمل لهؤلاء بعد أن تضخم حجم البطالة ليقترب من 14%.

كما أدت الثورة فى سوريا إلى استقبال مصر لأكثر من 4 ملايين سوري، بالإضافة إلى حجم النمو السكاني المتزايد، الأمر الذي زاد من ضرورة توفير الدولة لفرص عمل والعمل على زيادة مواردها.

وجاء تحرك الدولة لمواجهة أكثر من أزمة ومشكلة فى آنٍ واحد فقطاع المقاولات هو الأكثر كثافة وقدرة على استيعاب العمالة المصرية العائدة من الخارج (ليبيا) نظرًا لأن معظمها كان يعمل فى المعمار، فتم العمل على مواجهة وحل مشكلة الإسكان التي خلّفت العديد من المناطق العشوائية والتي بلغت 1750 منطقة عشوائية عام 2014 وبلغ عدد السكان بها 15 مليون نسمة، فى حين أن عدد السكان فى المناطق العشوائية فى 2007 بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغ 6.2 مليون نسمة وبلغ حجم المناطق غير الآمنة 351 منطقة.

ورغم إنشاء صندوق تطوير العشوائيات بالقرار الجمهوري رقم 305 لسنة 2008 عقب حادث صخرة الدويقة الشهير، إلا أن حجم ما تم إنجازه فى مواجهة تلك الأزمة كان مجرد عمليات حصر ودراسات ووضع خطط ومتابعة توفير أماكن إيواء والتخطيط للإزالة.

ولم يتعد حجم ما تم رصده لتطوير 68 منطقة عشوائية عام 2012/2013 أكثر من 300 مليون جنيه.

ومع تولي الرئيس زمام المسئولية كان ملف تطوير العشوائيات سواء المناطق غير الآمنة أو المناطق غير المخططة على رأس الملفات، ولأول مرة تتخذ الدولة قرارًا بأن تصبح مصر خالية من العشوائيات وتحدد سقفًا زمنيًا لذلك من أجل توفير سكن كريم لتلك الأسر وحياة أفضل، بعد أن عانت لسنوات من عدم تحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية.

ففي نوفمبر 2014 بدأ العمل فى أول مشروع للقضاء على العشوائيات بإنشاء مدينة الأسمرات على ثلاث مراحل بتكلفة تجاوزت 3 مليارات جنيه بمساهمة من صندوق تحيا مصر، لينطلق قطار تطوير العشوائيات ويمتد إلى كل المحافظات المصرية فمن القاهرة إلى الإسكندرية إلى باقي محافظات الوادي والدلتا، وخلال 6 سنوات من تاريخ البدء تم تطوير المناطق غير الآمنة والتي بلغ عددها 357 منطقة بـ 25 محافظة، بإجمالي 246 ألف وحدة سكنية، وبتكلفة بلغت 63 مليار جنيه.

تم تحقيق الحلم بأن تصبح مصر خالية من المناطق العشوائية غير الآمنة، ويتحول التحدي الذي اتخذه الرئيس السيسي عهدًا فى افتتاح المرحلة الأولى من مشروع الأسمرات، عند مشاهدة أحد المقاطع التسجيلية فى الافتتاح لمدينة الأسمرات، وقد ظهر بها حجم العشش فى مناطق منشية ناصر و بطن البقرة و تل العقارب والخيالة وغيرها.

حيث قال الرئيس: «بيعيرونا بفقرنا.. بس أنا مش هسكت» ليصدق الرئيس فى وعده عندما علق على صورة لعدد من الأطفال فى المناطق العشوائية غير الآمنة، قائلاً: «لن نتركهم يعيشون بهذا الشكل».

ليتحول الحلم إلى واقع وتتحقق العدالة الاجتماعية لأكثر من 1.2 مليون مواطن كانوا يقطنون المناطق العشوائية غير الآمنة، فمن الأسمرات بمراحلها الثلاث إلى روضة السيدة وأهالينا بمراحلها المختلفة إلى المحروسة وغيط العنب وغيرها من المناطق على مستوى الجمهورية.

ويجري استكمال الحلم بتكلفة بلغت حتى الآن 350 مليار جنيه لتطوير المناطق العشوائية غير المخططة لتعلن مصر فى 2030 خالية تمامًا من العشوائيات غير المخططة بعد أن أعلنت خالية من المناطق غير الآمنة.

إنها رؤية قائد لبناء دولة قوية تدرك قيمة المواطن وتعمل جاهدة على رفع مستوى معيشته.

وقد رصد تصنيف البنك الدولي لمصر فى مؤشر «سكان العشوائيات كنسبة من سكان الحضر»، أنها الأقل إقليميًا ومن أقل 13 دولة عالميًا، مستعرضًا تطور مصر فى هذا المؤشر منذ إصداره، حيث سجلت 5.2% عام 2018، و50.2% عام 1990.

وأكد برنامج الأمم المتحدة UNHABITAT، أن الدولة المصرية أظهرت التزامًا جادًا من أجل تطوير المناطق العشوائية خلال الأعوام السابقة، حيث طبقت استراتيجيات شاملة وناجحة نجم عنها نتائج جيدة.

وقد وفرت تلك المشروعات أكثر من 1.5 مليون فرصة عمل ساهمت بشكل كبير فى رفع مستوى معيشة أسرهم وساهمت فى الحد من مشكلة البطالة.

هذا بالإضافة لما حدث فى قطاع الإسكان من مشروعات بدءًا من الإسكان الاجتماعي لتوفير سكن كريم يليق بالمواطن المصري، وكذا تطوير المدن وإنشاء مدن الجيل الرابع للارتقاء بمستوى السكن الذي يعد أحد مبادئ حقوق الإنسان.

ولم يكن تطوير العشوائيات مستهدفًا الإنشاءات فقط بل استهدف الإنسان من خلال توفير الخدمات فى كل القطاعات له؛ إنها أكبر عملية لبناء الإنسان بشكل حقيقي.

واكب ذلك عملية الاستفادة من موارد الدولة فاستطاعت هيئة المجتمعات العمرانية الاستفادة من مواردها لدعم الإسكان الاجتماعي وكذا تطوير العشوائيات.

ولولا تلك الرؤية والإرادة السياسية الصادقة والجادة، لكانت مصر تواجه أكبر أزمة بسبب العشوائيات بعد أن بلغت فى مرحلة من مراحلها 50% من حجم الدولة.

ومن هذا الملف الذي توقفنا عند جزء بسيط منه إلى ملف آخر نتعرض لأحد أهم المشكلات المزمنة به، وهو الملف الصحي والذي كانت مشكلة فيروس الكبد الوبائي «سي» أكبر أزماته، فعمل الرئيس على مواجهة تلك المشكلة واستطاعت الدولة المصرية أن تنتقل من قمة الدول الأكثر إصابة على مستوى العالم إلى دولة خالية من فيروس سي بشهادة منظمة الصحة العالمية.

لم يكن الطريق مفروشًا بالورود فى التفاوض مع الشركة المصنعة للدواء، فى ظل ارتفاع غير عادي فى سعر العلاج الأمر الذي عجزت معه منظومة التأمين الصحي الأمريكية أن تضع علاج فيروس الكبد الوبائي «سي» ضمن التغطية التأمينية.

لتنجح الدولة المصرية فى الحصول على موافقة الشركة المصنعة للدواء على تصنيعه فى مصر، وأن تحصل مصر على العلاج بسعر أقل من السعر العالمي وتوفره الدولة للمواطنين بالمجان.

ثم تطلق مصر أكبر مبادرة صحية رئاسية غير مسبوقة على مستوى العالم لوضع خريطة صحية للمصريين (100 مليون صحة) التي كانت بمثابة الداعم القوي للدولة المصرية فى مواجهة أزمة كورونا بعد أن تم فحص 70 مليون مواطن، فقد استطاعت مصر حصر أعداد المصابين بالأمراض المزمنة وهم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كوفيد 19، الأمر الذي جعلها قادرة على تحديد احتياجاتها من الأمصال وتوفيرها للمواطنين بالمجان.

بالإضافة إلى ما تم من تطوير وتحديث للمنظومة الصحية ومنظومة التأمين الصحي الشامل ومبادرة القضاء على قوائم الانتظار التي بلغت تكلفتها منفردة 17 مليار جنيه، ساهمت فى تخفيف آلام أكثر من مليون
و٥٦٧ مريضًا والعديد من المبادرات الصحية الأخرى التي لا تزال تعمل ومنها 100 يوم صحة.

تلك المسارات التي اتخذها الرئيس لتنفيذ رؤيته لبناء الإنسان ضمن عملية بناء الدولة المصرية ووفق رؤيته للجمهورية الجديدة.

ونواصل فى العدد القادم استكمال رصد عدد آخر من مسارات رؤية الرئيس لبناء الجمهورية الجديدة، جمهورية تليق بهذا الشعب العظيم وتاريخه الحضاري العريق.

جمهورية قوية قادرة على مواجهة التحديات.

أضف تعليق