ثلاثة أسباب لا تجعل من نتنياهو رجل سلام

ثلاثة أسباب لا تجعل من نتنياهو رجل سلاممحمد الناصر

الرأى28-11-2023 | 11:11

فوجئ العالم بالخريطة، التي اختفت منها فلسطين، عندما أظهرها " بنيامين نتنياهو " رئيس الوزراء الإسرائيلي ، أثناء كلمته في الأمم المتحدة قبل السابع من اكتوبر الماضي، وهو يحدد نجاحات الدولة الاسرائيلية، في خلق شرق أوسط جديد، بعد اتفاقات سلام جديدة مع دول عربية، الامارات والبحرين والسودان والمغرب.

لم تكن هذه الخريطة التي حذفت منها دولة ف لسطين ، إلا محصلة لشخصية سياسية إسرائيلية ، توافر فيها ثلاثة أسباب، تبعدها دائما عن أن تكون صانعة سلام في الشرق الأوسط.

أولا : النشأة والتربية
الخريطة التي فاجأ بها "نتينياهو" العالم، في اجتماع الجمعية العمومية في الاأمم المتحدة ، في الحقيقة لم تكن سوي ميراث ثلاثة أجيال من " آل نتنياهو "، الجد والأب والحفيد ــ الشقيق .

الجد: الكاتب والناشط الصهيوني " نتان ميلابكوفسكي " الذي اعتاد توقيع مقالاته باسم "نتنياهو" ، ويعني المقطع الأول من اسمه عطية الرب.

الأب: " بن صهيون نتنياهو" ، ولد في وارسو 1920، بولندا ، عندما كانت جزء من الامبراطورية الروسية، ثم هاجر الي فلسطين، لتستقر العائلة في القدس، وأثناء دراسته، أصبح "بن صهيون" ناشطا في دوائر الصهيونية التحريفية، وتقدم في المناصب بعد أن حصل على الدكتوراه في أمريكا، حيث كان المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية الجديدة في أمريكا، نيويورك 1940–1948، المنافس السياسي للمنظمة الصهيونية في أمريكا K ، الي أن عاد الي ف لسطين عام 1949، فحاول بدأ عمله السياسي لكنه فشل.

كان "نتنياهو" الأب مؤمناً بإسرائيل الكبرى، فعندما نشرت خطة الأمم المتحدة، لتقسيم ف لسطين في 29 نوفمبر 1947، انضم للآخرين، في التوقيع على عريضة ضد خطة التقسيم ، والتي نشرت في صحيفة " نيويورك تايمز".

الحفيد ــ الشقيق: الكولونيل "يونتان نتنياهو"، الذي قتل أثناء قيام مجموعة كوماندز إسرائيلية، إنقاذ رهائن يهود في طائرة فرنسية، اختطفتها مجموعة فلسطينية، وهبطت بها في أوغندا، عرفت بعملية " عنتيبي " لذا لا يمكن استبعاد وجود كراهية شخصية متمكنة في نفس "بنيامين نتنياهو" ، تجاه الفلسطينين بسبب قتلهم شقيقه.

في هذه البيئة المتطرفة ــ تتمثل ذروتها الإيمان بإسرائيل الكبري ـــ ، تلك البيئة التي شكلها الجد والأب والشقيق، نشأ رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي "بنيامين نتنياهو"، متشربا بأفكارها الراديكالية شديدة التطرف، مؤمنا بإسرائيل الكبري، التي لن تتحقق الا بالحرب، التي ستجبر العرب علي القبول بها .

ثانيا: الليكود
هو تكتل من عدد من الأحزاب، تم تأسيسه عام 1973، قبل حرب اكتوبر بشهر، بقيادة "مناحم بيغين"، يعتبر" الليكود " وريثا لحزب "حيروت" الذي يؤمن بوحدة أرض اسرائيل، وكان قد أسسه “فلاديمير جابوتنسكي” استاذ مناحم بيغين، المعروف بتعصبه القومي ، وكان بيغن قبلها قد أسس حركة " اتسل " المنظمة العسكرية القومية في عام 1937 ، والتي تم حلها إثر قيام دولة إسرائيل ، وإنشاء " جيش الدفاع الاسرائيلي " ، وتعد حركة " اتسل " نتاج حل حركة "بيتار" اليهودية الإرهابية ، التي تأسست في بولندا .

يبدو لنا واضحا من هذا السر ، أن "تكتل الليكود"، نشأ من خلفية فكرية قومية متعصبة، وأسسه عدد من القادة، الذين عرفوا بتعصبهم وتطرفهم القومي الشديد، وأن هذا التكتل يعد المؤسس لجيش الدفاع الإسرائيلي، لكن " الليكود " لم يتمكن من الفوز علي حزب العمل، الذي كان يحتكر رئاسة الوزارة الاسرائيلية منذ تأسيس اسرائيل 1948، حتي فاز "مناحم بيجين" رئيس "الليكود " برئاسة الوزارة .

استطاع "الليكود" أن يرسّخ في أذهان الإسرائيليين, ولا سيما المستوطنين والمهاجرين الجدد, صورة الحزب الأشد اندفاعاً في التصدي للعرب, خصوصاً الفلسطينيين, ومواجهة المشكلات الداخلية.

ينظر حزب " الليكود " الي الأراضي الفلسطينية، علي أنها الهدف الرئيسي للضم، لذا يمكنه التخلي عن أي أراض أخري، من أجل أن يضم أراض فلسطينية، وهذا ما جعل "الليكود" بزعامة "مناحم بيجين"، أن يوقع اتفاقية "كامب ديفيد" مع مصر، ويتنازل عن سيناء ،إذ كان يري أن الهدف هو أرض ف لسطين .

في عام 1992 بعد هزيمة الليكود أمام حزب العمل بقيادة رابين، بدأ نجم " بنيامين نتنياهو " في البزوغ ، فتولي رئاسة الحزب، وكان الحزب قد تحول في آخر حقبة "شامير" الى حزب, أقرب ما يكون الى الوسط في الخريطة الحزبية السياسية في إسرائيل, منه الى حزب يميني قومي. وحاول "نتنياهو" تبني سياسة معارضة متشددة، تستطيع أن تكتل حوله الأحزاب اليمينية والدينية الأصولية، مما جعله يحظى بتأييد الجمهور القومي المتشدد، ولا سيما جمهور المستوطنين ، واستطاع أن يتوج جهوده بفوزه برئاسة الوزارة 1996 .

تكمن خطورة تاثير" نتنياهو " في الحالة السياسية الإسرائيلي، في أنه استطاع، ان يوقف تحول حزب يميني متطرف هو "الليكود" ، إلى حزب معتدل داخل الخريطة السياسية الاسرائيلية، ولم يقتصر على إيقاف هذا التحول، بل استطاع، أن يضم اليه أحزاب أخرى متطرفة، تتيح له طوال فترات رئاسته للوزارات المتعاقبة، أن يوغل في السلوك المتطرف تجاه الفلسطينين .

في لحظة تاريخية، تؤرخ ببداية التسعينات، التقي شاب متشبع بالأفكار الصهيونية المتطرفة، بحزب سياسي إسرائيلي يميني قومي، وكأن كل منهما كان ينتظر هذا اللقاء، فقد حدث الانسجام العميق بينهما، لينتج عنه حالة في السياسة الإسرائيلة، حالة شديدة الكره للفلسطينين .

يعرف "نتيناهو" بين مؤيديه بالملك بيبي، وتفسر الإذاعة البريطانية BBC، السبب في ضربه الرقم القياسي كرئيس وزراء اسرائيل، ترجعه الي الصورة التي استطاع ان يرسمها عن نفسه، بأنه الشخص الأفضل لحماية إسرائيل، من أي عدوان من قوى معادية في الشرق الأوسط .

ثالثا: السياسي الفاسد
في 2019، ضمت لائحة اتهام رئيس وزراء إسرائيل "بنيامين نتنياهو"، بشأن ثلاث قضايا فساد، ضمت أكثر من 300 شاهد إثبات، من بينهم أصدقاء أثرياء ومساعدون سابقون.

التهم الثلاث التي نسبها الإدعاء إلى "نتنياهو"، هي الرشوة وخيانة الأمانة، والاحتيال ، وتواصلت التحقيقات حتي يونيه الماضي، عندما أدلي، أحد أقطاب صناعة السينما في هوليوود " ارنون ميلشان"، بشهادته كشاهد إثبات رئيسي في المحاكمة، إحدى القضايا يشتبه بأن " نتنياهو" طلب بصورة غير مشروعة هدايا ثمينة وقبلها من بينها شمبانيا وسيجار من ميلشان وباكر، ولم يتم اتهام أي منهما بشيء.

وتركز قضية أخرى على مزاعم بأن نتنياهو وعد مالك الصحيفة الإسرائيلية الأكثر انتشارا بأن يضغط من أجل لوائح تطبق على الصحيفة المنافسة والتي يملكها أديلسون.

و نتنياهو متهم أيضا بمنح مزايا تنظيمية قيمتها نحو 1.8 مليار شيقل (500 مليون دولار) لشركة بيزيك الإسرائيلية للاتصالات في مقابل تغطية إيجابية لرئيس الوزراء في موقع إخباري يملكه رئيس الشركة السابق.

السلام موقف أخلاقي يمثل الأساس في العلاقات الدولية، والحرب استثناء، لذا لا يستطيع ان ينجز السلا ، إلا شخصية تتبني منظومة قيمة، في صدراتها النزاه ، وهذا لا يتوفر في " الملك بيبي " ، الذي ريما يلجأ في نهاية الأمر إلي الاستقالة من البرلمان، لكي يحاكم محاكمة مواطن عادي، تجعله يحصل علي حكم اقصر من ثلاثة اشهر، ربما يتيح له العودة الي العمل السياسي مرة أخري .

هذه الأسباب الثلاثة ، التنشئة الاجتماعية، وتكتل الليكود، وفساده الشخصي، تجعل من " نتنياهو" شخصية سياسية، لا تؤمن بالسلام مع الفلسطينين، وانما هي الحرب حتي التهام آخر شبر من أرض ف لسطين .

أضف تعليق