الثقافة والوطن والخارج

الثقافة والوطن والخارجد. عادل السيد

الرأى4-1-2024 | 12:32

الثقافة هي مجموعة الخبرات التي جمعتها جماعة البشر في منطقة محددة من الأرض خلال فترة محددة من الزمن معًا وقد اصطلح على تسمية هذه العناصر الثلاث متوالية بالشعب والوطن والتاريخ، وعليها فمنطقتنا الواقعة فيما بين الرافدين والنيل، أو قلب العالم القديم والحديث، كانت مؤهلة من البداية لتمثل (فجر الضمير)، كما قال عنها العالم هنري بريستد في كتابه الحامل لنفس العنوان، وهذا ما يزال العالم يراه فينا، ونجهل منه الكثير عن أنفسنا.

وكان العالم الغربي قد ساعدنا كثيرًا مع مطلع القرن التاسع عشر في اكتشاف (مصرنا القديمة) التي كنا نحتفظ بها تحت أقدامنا أو بجوار محال إقامتنا ولكنا لم نكن نعرف عنها سوى القليل المتوارث، فقام بإعادتها لنا وللعالم أجمع إلى الحياة بفك طلاسم اللغات القديمة والمشاركة في ترميم معابدها ومقابرها ودور حياتها على شكل أعاد إليها بهجتها من جديد وها نحن نحتفظ بها ونحتفي بها، ولكنهم يحتفون ويهتمون بها أكثر منا والدليل على ذلك ما تضمه المتاحف كقصور عظيمة ومهمة للثقافة في الولايات المتحدة الأمريكية (حيث متحف الميتروبوليتان) والمتاحف الأوربية في مدن روما وتورين في إيطالية علاوة على متحف الفاتيكان وفي متحف اللوفر في فرنسا ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن ومتحف الفنون في فيينا ومتحف برلين - ذكرًا لبعضها فقط، وكلها تضم مجموعات ضخمة من التحف المصرية القديمة تملئ أقسام كبيرة منها وتعد أعظم دعاية للحضارة المصرية القديمة والبلد الذي تمثله – مصر - ولا تضاهيها أي وسيلة أخرى للتأثير على جمهور روادها.

وأعود لأذكر هنا أن تلك الثقافة تُصدر إما مقروءة أو مسموعة أو مرئية وفي حالة تقديمها على هذه الصورة في المتاحف فهي تشتمل على الثلاث معًا، فالنماذج المعروضة مرئية، والنص المصاحب والشارح لها مقروء أو مسموع، والكتيب الضام والشامل لها هو مقروء ومرئي وهذا يشكل جانبًا من أهمية تصدير الثقافة في تصدير صورة الوطن إلى العالم، ولكن هذه الصورة لا تشتمل على الحاضر قد ما تعكس الماضي، فالأوربي يعنيه الماضي الحضاري أكثر مما يعنيه الحاضر المليء بالأزمات والصراعات التي تنقلها له وسائل الإعلام كل ساعة بانتظام وتجعل منه أسيرًا للحيرة بين رغبته في السفر لزيارة أماكن تاريخية في مناطق يراها مضطربة وبين الاكتفاء بما تقدمه له المتاحف من عروض.

ومن جهة أخرى فالعالم المثقف يعطي أهمية للتراجم عن اللغات الأجنبية ولكنها في حالة العربية تجد كثير من الصعوبات لعدم رغبة دور النشر في المغامرة بنشر تراجم قد لا يقبل عليها الجمهور. وتعد كتب نجيب محفوظ- وهو الحاصل على جائزة نوبل للأدب عام ١٩٨٨ - من أبرز ما نشر له بين العرب في أوروبا وهذا يمثل عنصرًا من عناصر القوة في تصدير صورة إيجابية للوطن. وكثيرًا ما كنت أقدم لطلابي في الجامعة نصوص شيقة لـ طه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهم ليسمعوا ويروا ويفهموا أن لدينا الكثير لنقدمه.

ومن المعروف أنه ومنذ منتصف القرن الماضي توجد جاليات مصرية وعربية كبيرة منتشرة في كافة أنحاء الأرض، وهي تمثل عنصر ثقافي حي ومتواصل مع محيطه بشكل إيجابي ويومي ويؤثر على هذا المحيط بالسلب أو بالإيجاب كما هو حال التعامل البشري، ولكنه في نهاية الأمر يعتبر إثراء لمحيطه ولنفسه أيضًا.

وأخيرًا فإن ما ينقص عالمنا المحلي لجذب الزائرين إلينا هو ثقافة السياحة وهي تتمثل في كيفية التعامل مع الزائرين -وخاصة الزائرت- لا كسلعة للابتزاز بل كأصدقاء جدد - وهذا ما نراه بأعيننا ونسمعه للأسف من كثير من الأصدقاء الذين زاروا بلادنا خلال العقود السابقة وحتى وقت قريب، وتسهيل وصولهم إلى المرافق الضرورية لخدمتهم بسهولة ودون عناء- ولك أن تتخيل سيدة مسنة تزور بلدًا تمنت كل حياتها أن تزوره مرة لتجد أن ثمن بطاقتها للمتحف يختلف عن ثمن بطاقة المواطن المحلي، وتجد أن عداد التاكسي لا يعمل، وإنه لا توجد دورات للمياه عند زيارتها للمواقع الأثرية وعليها أن تقوم بما يريحها في الخلاء أو خلف سيارة من السيارات، وتجد أيضًا أن عليها أن تمضي نصف يوم في البحث حتى تجد مكتبًا للبريد تحصل منه لا على طابع بريد تضعه على بطاقة لا تجد لها مظروفًا لدي أي بائع للأدوات الكتابية- كما حدث معي. ولك أن تتخيل أن هذه السيدة المسنة ستحصل من أحد مكاتب البريد على ستة عشر طابعًا دفعة واحدة وبحجم كبير لتضعهم جميعًا على بطاقة واحدة لا تسع إلا لطابعين إثنين، والله الموفق والمستعان.

أضف تعليق

إعلان آراك 2