فى حالة النظر إلى الكتب الأدبية تجدها عبارة عن تجارب إنسانية، وهناك ما تسمى بالكتب البشرية، التى تلتحق فى ركاب المؤلفات الأدبية، وتنخرط بين الكتب المقروءة والمسموعة والمرئية والكتب الملموسة للمكفوفين، ودخلت المكتبة البشرية حيز التنفيذ منذ ربع قرن، واختلف الباحثون حول تاريخ نشأتها، أرجع بعضهم إلى أول مؤسس لها منظمة "أوقفوا العنف" الدنماركية فى عام 2000، وكان مقر مكتبة الإنسان كوبنهاجن، وذكر الدكتور أحمد سعد الدين بسيونى، كبير أخصائيى مكتبة الإسكندرية ، فى بحثه عن نشأتها أن أستراليا تعد المقر الأول لفكرة مكتبة الإنسانية فى مدينة ليسمور، وأبلغ القائمون عليها ب أستراليا المنظمة الدنماركية بالتعدى على حقوقهم.
وأصبح الإنسان كتابًا مفتوحًا، وجعل نفسه كتابًا للاستعارة وتصفح أوراقه، فكان جزاؤه اللوم والعتاب، بيد أن الكثير صفق لمكتبة الإنسان، ثم ذهب بكامل إرادته إلى المكتبة، يجلس يحكى عن تجربته الشخصية مع جليسه، لاقت الفكرة رواجًا لدى دول عدة، وانتشرت فى بلاد أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الإنسان كتابًا، يعنونه بنفسه.
وفى حقيقة الأمر المكتبة البشرية هى أقرب لمنتدى فكرى، لكنها تختلف عنه فى كيفية التناول، وانتقدها العديد بسبب انتهاكها حاجز الخصوصية، والأمر الثانى أنها تركز بشكل كبير على تقديم المثليين وذوى الاحتياجات الخاصة واللاجئين خاصة المسلمين منهم و المتحولين جنسيًا و ذوى الهمم ، ويرفض المعارضون على المكتبات اهتمامها بصورة ملفتة بالفئات المختلفة جسديًا وأخلاقيًا، ومحاولتها الجادة كى يتقبلهم المحيطون بهم، ويعتبرونها المعارضون أنها مجرد رؤية جديدة عن استعلاء الغرب للآخر، غير أن مكتبة الإنسان تسمح أيضًا بالتواصل المباشر مع مجرمين سابقين والتعرف على تجاربهم، وهنا تكمن الخطورة فى إمكانية محاكاة القارئ لتجاربهم سيئة السمعة والمرضية والوقوع فى شراكها.
ويرحب الفريق المؤيد للمكتبة البشرية، ويرى أنها غير تقليدية، وتذيب الفوارق بين الفئات التى تواجهها عقبات الانخراط داخل المجتمع أو على أقل تقدير تقليل الفجوة، إضافة إلى أنها تمكن من نقل خبرات بشرية ناجحة ومؤثرة إيجابيًا فى بيئتها، وتوفر من جانب آخر تعليم أساليب التنمية البشرية على أرض الواقع مباشرة.
وانتقلت المكتبة البشرية منذ وقت مبكر إلى عدد من الدول العربية، ولا تزال فى خطواتها الأولى، وتقتنى كتبًا بشرية من المدمنين والمطلقات والعوانس واللاجئين والسؤال لماذا الاهتمام بعرض نماذج الفشل والضعف؟! وأين التركيز على تقديم النماذج الأخرى المضيئة التى يحتاجها أفراد المجتمع لتنمية قدراتهم؟! والأفضل طرح مسمى جديد بديل عن المكتبة البشرية، وسيكون أكثر واقعيًا، وهو اسم منتديات نفسية ويلزمها تواجد طبيب نفسى، وفى ذات الوقت تحتاج للمزيد من الدراسات حتى تتوافق مع تقاليد المجتمع.