"محطات في حياة رجل صناعة فوق العادة".. الدكتور نادر رياض

"محطات في حياة رجل صناعة فوق العادة".. الدكتور نادر رياضغلاف كتاب محطات في حياة رجل صناعة الدكتور نادر رياض

اقتصاد28-5-2024 | 17:04

عندما تحب أحدا تجد نفسك تأخذك لتغوص في أعماق تفاصيل حياته وهذا هو الشعور الذي انتابني عندما أهداني د.نادر رياض رئيس مجلس إدارة شركة بافاريا القابضة نسخة من كتابة محطات في حياة رجل صناعة ... الذي طبع بمطابع الأهرام.. فكم كنت متشوقاً للتعرف أكثر علي تفاصيل حياته، وبالرغم من أن الكتاب يحوي على ماتيسير من سيرته الشخصية ومراحل ومحطات نشأته وتكوين شخصيته وقليل من ذكريات الشباب والدراسة والعمل وبعضاً من مواقف النجاح والعثرات وكيف استطاع أن يعبرها بفضل العناية الإلهية ثم بفضل ما اكتسبه من حكمة رفيق العمر الوالد المهندس نصحي رياض "أبو السباع" كما كان يناديه، والذي كان له القدوة والمبادئ والمثل الأعلى، ثم بفضل احتكاكه بالمدارس المختلفة المصرية والألمانية وقدرته على الاستفادة من ذلك في مسيرة حياته العملية كرجل صناعة من طراز فريد.

هذا إلى جانب نبوغه من بين أقرانه ليس فقط في مراحل التعليم في مصر ولكن أيضاً في ألمانيا وقت أن كان متدرباً فيها واختراعه لثلاثة نماذج يصلح كل نموذج منها لأن يكون بديلاً للقطعة المرفوضة والتي كادت أن تعصف بالصفقة لهو خير دليل على ما كان يحمله بداخله هذا المهندس الشاب من نبوغ علمي وموهبة فذة أهلته لأن يكون رجل صناعة قدوة ورائد لصناعة تخصصية استطاع أن يُثبت جذورها محلياً ثم عالمياً وهو ما جعل السفير الألماني يطلق عليه مقولته الشهيرة خلال إحدي حفلات الشركة حيث قال: " ها نحن نري رجل صناعة مصر يأتي سابحاً ضد التيار ويصل لخط النهاية " في إشارة منه إلى أن الدكتور نادر هو الوحيد الذي استطاع أن يغير بوصلة الصادرات فبدلاً من أن كانت تأتي من دول الغرب أصبحنا نصدر للغرب وبخاصة ألمانيا.

ويحمل الدكتور مهندس نادر رياض من الصفات ما جعلته مختلفاً عن غيرة ولا يختلف عليه اثنان في ذلك ولذا اكتسب لقب "النادر.. نادر رياض".

وعندما قرأت محطات حياته التي رصدها لنا بكل صراحة وصدق ومحبة قدمها لنا في ٢١ فصلاً و ٥٠٧ صفحة تحوي ما تيسر من سيرته الشخصية والعلمية والعملية الحافلة بالعديد من المواقف كان للوالد المهندس نصحي رياض دوراً عظيماً في عبورها فهو لم يرافقة فقط خلال رحلة علاجه بألمانيا بل كان له دوماً بعد الله عزوجل خير معين في حل جميع المواقف التي عرضت عليه ليس هذا فحسب بل استطاع بخبرته وحنكته أن يجعل من كل موقف درساً غرس من خلالها المبادئ والقيم والخصال الحميدة في نفس الابن الذي لم يضيعها سدي وبذكاء متفرد وتفكر يسبق سنه حين ذاك، تعلم من كل موقف تعرض له.

إن ادراك الابن نادر لأهمية نشأته وتعلقه وحبه الشديد لوالده وتسليمه بقدرته على حل أي مشكلة تواجهه جعله يتعمق في أسلوبه ويستفيد منه في تكوين شخصيته مما وسع بالتالي مداركه، ساعد في ذلك حكمة الأب الذي جمع بين العلم والثقافة والفن ولعل سفرة لعاصمة الفن "فينا" كان لها عظيم الأثر على طريقة وأسلوب معالجته للمواقف وهذا إلي جانب علمه وتدينه ونشأته بأسرة تؤمن بأهمية التعليم.

ومن أبرز المواقف التي ذكرها الدكتور نادر رياض موقف التلميذ الذي اعتدى عليه وكيف كانت معالجة الوالد لهذا الموقف ليغرس في نفسه ونفوس الحاضرين بفناء المدرسة قيم التسامح والعفو عند المقدرة لينال الابن والوالد تقدير وأعجاب الجميع، أما الموقف الثاني عندما أحس بالذنب لأنه أخطأ في حق أستاذه وعندما علم والده بفعلته لم يتدخل هذه المرة ليس إلا ليربي في ابنه خصال حميدة ويجعله يأخذ بنفسه زمام المبادرة ويكون هو من أوجد حلاً يخرج بها من هذا الموقف ليرتاح ضميرة فهداه تفكيره إلى شراء "خرازنة" ليعطيها للمدرس ويقول له اضربني بها فيتعجب المدرس ويقول له لماذا؟.. فيحكي له ما فعله فلا يجد المدرس إلا أن يحتضنه ولا نغفل هنا دور الأم التي كانت تسهر على راحته.

ومن المواقف التي استفاد منها أيضاً موقف إختلاف الإخوة على مضرب التنس، وهو الموقف الذي جعله لايتسرع في إصدار الأحكام وأن يفكر جيداً في كل أمر قبل أن يتخذ أي قرار، هذا إلي جانب العديد من المواقف التي حدثت أثناء السفر ورحلة العلاج بألمانيا وتخطي العديد من العثرات.

يتمتع الدكتور مهندس نادر رياض بأسلوب رائع في الكتابة ويتميز بطريقتة السلسلة في السرد ما جعلني أنغمس في محطات حياته وأتذوق معه لذة نجاحاته وانتصاراته وهي كثيرة ورائعة وأتجرع معه مرارة التعثر والحمد لله لم تدم طويلاً ليحولها بخبرته وحنكته إلى نجاحات بطعم أخر، ولعل من أفضل لحظات النجاح والانتصار عندما نجح بمنتج شركته في إختبار القدرة والكفاءة على أطفاء مادة حارقة "النابالم" الذي نظمته إدارة الإطفاء بالقوات المسلحة المصرية وكانت المنافسة بين ثلاث شركات الأولى سورية بأجهزة إطفاء فرنسية الصنع، والثانية ليبية بأجهزة إطفاء إيطالية الصنع، والثالثة شركة بافاريا مصر بقيادة المهندس نادر رياض، والذي حرص على أن يقوم بالمهمة بنفسه وينجح في القضاء على الحريق بعد فشل المنافسين ليكبر الجنود بالمدرجات الله أكبر، لتنتصر شركة بافاريا وتبدأ بعدها للتوريد للقوات المسلحة وتعتمد أجهزة إطفاء بافاريا ضمن تسليح القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣ .

وقامت إدارة الإطفاء للقوات المسلحة بزيارة تفتيشية للتحقق من أن الإنتاج سيفي بمعدلات الوفاء في مواعيدها في الأسابيع السابقة لموعد العبور في معركة الكرامة ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ، رأس وفد الزيارة اللواء يكن محرز رئيس فرع الإطفاء للقوات المسلحة ونائبه العميد مصطفي فريد ولفيف من المسئولين، وهو ما مثل بداية انطلاقه كبرى لأجهزة إطفاء شركة بافاريا بالسوق المصري واعتماد التوريد للأجهزة السيادية.

وحقيقة الأمر وكما تبين لي من قراءة ما بين السطور أن النجاح الحقيقي لم يكن لمجرد الانتصار على المنافسين أو لبداية انطلاقة كبري لشركته بقدر ما كانت سعادته لمشاركته في عمل وطني ضخم وعظيم وهو ما أدركه عندما تم طلب منه حل لغز المادة الحارقة "النابالم " وإمكانية صنع مادة يكون لها القدرة على إطفائها ليدرك بحسه الوطني أننا بصدد أمر جلل فلم يفكر كثيراً لياخذ قراره مخاطراً بحياته بالسفر لألمانيا على متن طائرة حاملاً معه جركن كل معلوماته عنه أنه يحوي بداخله مواد متفجرة ليأخذ على عاتقه حل لغز مكونها الكيمائي ويصل بعد عدد من التجارب للمادة القادرة على إطفائها ويعود من ألمانيا بالخبر اليقين ويرفع بذلك عبئاً كبيراً وتكون أجهزة إطفاء بافاريا ضمن تسليح قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر المجيدة.

ودائماً ما كنت أتسأل مع نفسي عن سر حرص الدكتور نادر رياض المشاركة بتهنئة الشعب المصري والقوات المسلحة بذكري انتصار أكتوبر من كل عام وكنت أبرر ذلك بالدافع الوطني وكنت أشعر أن إجابتي غير شافية ذلك لأننا كمصريين نعتز جميعاً بهذة المناسبة ونحتفل بها ولكن ليس كما يحتفل بها النادر.. دكتور نادر رياض والآن توصلت لإجابة شافية وافية، وهو أنه لايشعر بقيمة الحدث ولايستطعم لذة النصر الحقيقي إلا من تجرع مرارة الهزيمة وساهم وشارك بشكل أو بأخر في النصر وهو ما كتب وقدر له فهنياً له.

ومن الانتصارات المهمة في مسيرة د. نادر والشركة هي مواجهة التحدي بدخول شركاء جدد بالشركة الأم بألمانيا وطعنه في الظهر من دخيل مصري إلى جانب كسب الجوالات القانونية لإقامة معرض الشركة والذي كان قد دعا إليه شخصيات ووفود رسمية من مصر وكانوا قد وصلوا بالفعل لألمانيا ليستطيع وبفضل الله أن يتخطي هذة العثرات ويستفيد من معطياتها ونتائجها ويبني عليها إلى أن نجحت بافاريا مصر كمؤسسة صناعية مصرية في الاستحواذ على كامل أصول الشركة الألمانية بمصانعها الممتدة على الأراضي الألمانية تحت علم مصر تلا ذلك التوسع في إنشاء العديد من الشركات ليتجه بعدها للبحث الأكاديمي والدراسات العليا إلى أن حصل على درجة الدكتوراة في الهندسة الصناعية عام ١٩٨٩ من جامعة باسفيك ويسترن بأمريكا ونظراً لجهوده فى النهوض بالصناعة الألمانية من خلال شركته حصل على وسام الاستحقاق الألماني من الطبقة الأولي وهو أرفع وسام ألماني .

وبعد أن نجح في أن تصبح شركة بافاريا مصر فخراً للصناعة الوطنية وتخرج من المحلية إلى العالمية توالت بعدها المواقف المضيئة فحصلت الشركة على العديد من شهادات التقدير من عدد من الجهات الكبرى نتيجة للكفاءة الفائقة لأجهزة إطفاء بافاريا في إخماد الكثير من الحرائق ومنها حريق الطائرة الأوكرانية الذي اندلع في مجموعة عجلاتها مساء السبت ٩ نوفمبر٢٠١٩بمطار شرم الشيخ وذلك في غضون ٤٥ ثانية الأمر الذي أنقذ أرواح الركاب وأنقذ سمعة مصر وأثبت قدرتها على مواجهة الأخطار.

ومن المحطات المضيئة التعاقد عام ٢٠٢٢ مع سكك حديد ألمانيا لاستيفاء احتياجاتها لفترة ٤ سنوات قادمة من أجهزة الإطفاء اللازمة للقطارات ومحطات السكك الحديدية والفنادق التابعة لها على امتداد شبكة السكك الحديدية الألمانية والتي تعتبر الأكبر عالمياً وتتصل بجميع العواصم الأوروبية وذلك بموجب دراسات تحليلية للمستوي الفني لأجهزة الإطفاء إنتاجاً وكذا المفاضلة السعرية في مواجهة نسب تحقيق الجودة بمختلف عناصرها.

ومن الفخر أنه تم تزويد القطار الألماني المورد لمصر بأجهزة إطفاء موردة من شركة بافاريا المصرية كما تم توريد أجهزة إطفاء بافاريا مصر للقوات المسلحة الألمانية لثلاث سنوات متتالية من عام ٢٠٠٩ وحتي عام ٢٠١٣ .

الدكتور نادر رياض صاحب صناعة ظلت خير سفير لبلدة بالمحافل الدولية ولاقت احترام العالم لرفعة شعار الكفاءة والجودة فإستجاب له السوق المحلي والعالمي ومنحه الثقة الكاملة من أوسع أبوابها، كما احتفل الدكتور نادر والعاملين بمصانع شركة بافاريا ألمانيا بمناسبة مرور مائة عام على إنشائها احتفل أيضاً منذ عامين ومعه أبناءة أمير وماجي وساندرا والعاملين بشركة بافاريا مصر الأم باليوبيل الذهبي للشركة ومرور ٥٠ عاماً من النجاح والتفاني والإخلاص.

واهتم د.م نادر رياض بمجال الخدمة العامة حيث شغل العديد من المناصب العامة كما أنه لم يبخل يوما في تقديم خبراته في جميع المجالات فأسهم في تطوير التعليم الهندسي الفني وقدم خبراته في مجال الصناعة من خلال شغله لمنصب رئيس لجنة تنمية الإنتاج وتعميق الصناعة المحلية باتحاد الصناعات المصرية وتقلد رياض العديد من المناصب إلي جانب عضويته للعديد من الهيئات.

وأشار د. نادر في كتابة "محطات في حياة رجل صناعة " للمقامات والأدبيات والأقوال المأثورة التي أثرت في حياته والمقالات التي نشرت عنه في الصحافة بالإضافة لمقالات بقلمه، واستعرض المكان المميز الذي خصصه وأسماه "في محبة الخالدين" يضم صوراً لنجوم جيله من الروساء وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما استعرض بعض مقتنياته التاريخية والتراثية النادرة .

ولقد أدهشني الدكتور مهندس نادر رياض بكلمته التي اختتم بها كتابه بقوله:" وها أنا وقد بلغت الثمانين من سنوات العمر في أبريل ٢٠٢٣ وفي هذه المرحلة العمرية يكتسب العقل صفات جديدة من الرؤى والحكم على الأشياء والأحداث تختلف تماماً عن سابقتها في عهود مضت لقد أصبحت لا أرى أى خصومات أو عداءات دائمة مع خصوم الأمس، وأمسيت أسعي لأجد لكل منهم عذرة ومبرراته التي لم تتوافر بالشكل الكافي في حينه لتبرير انفلات المواقف وخروجها عن المألوف ،وبذلك أمست تلك الخصومات كاملة في طي النسيان وحل محلها رغبة قد يتحقق بعض منها في أن ألتقي بأي منهم على فنجان شاي أو قهوة لنستعيد الذكريات ونتصافي ونسخر من سلوكنا في الماضي تأكيداً على أنه قد أصبح نسياً منسياً وحلت محله روح الصفاء والرؤي ذات الأفاق التي لاترى الصغائر ".. هذة الكلمات الصادقة وما تحمله من تسامح وعفو وسمو أخلاق توكد مدى تصالحه مع نفسه ومع الأخرين.

أضف تعليق

إعلان آراك 2