حملوا السحاب إلى الأرض البوار

حملوا السحاب إلى الأرض البوارحسين خيري

الرأى14-7-2024 | 15:06

العزيمة لا يكتسبها سوى أصحاب الهمم العالية، إذا تعثروا مرة أو ثلاثة لا تخور قواهم، ينهضون واقفين بثبات، لا تهتز فرائصهم خوفا أو فزعا، ثباتهم بناء على دراسات علمية وتدريب جيد استمر عدة سنوات على أيدي أكفاء من الخبراء، وفوق ذلك لديهم عقيدة راسخة على التفوق وإعادة البناء ورفع شأن الأوطان.

حمل العظماء على مدار التاريخ السحاب إلى الأرض البور ، برغم أن الألم أوجع الكثير منهم، و توماس أديسون صاحب الألف اختراع، عانى من مشاكل فى الحفظ والتركيز وفى السمع عند سن مبكرة وقهرها، وكانت لاختراعاته فضل كبير على البشرية، فضلا عن مشقة وفقدان بصر عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، ولن يغيب عنا معجزة الأدب العربى مصطفى صادق الرافعى الذى أصابه مرض التيفود منذ صغره وأفقده سمعه، مما حجبه عن مواصلة التعليم النظامى ولم يصبه الإحباط، وعكف على التعلم مستخدما إمكانياته الذاتية، وتحتوى المكتبة العربية على العديد من المؤلفات الهامة، وأشهرها حديث القمر ووحى القلم، وكتب النشيد الوطنى لتونس المعروف بحماة الحمى.
وأجرى رب العزة سلسلة من الامتحانات شديدة المشقة على الرسل وكثير من عباده الصالحين، يخرج أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم من النار سالما ليتحدى النمرود ويناظره، ويلقى الشيطان الروع فى نفس إبراهيم حتى يثنيه عن إتمام ذبح ابنه ويرجمه بالحجارة، ثم يواصل هو وابنه عملية بناء الكعبة المشرفة فى ظل ظروف قاحلة واليوم يأتى أكل ثمار دعوته، ويهوى إليها الملايين من أفئدة المسلمين، ولم يفزع قطز من ذبح الآلاف على أيدى المغول والتتار، ويصر على محاربتهم وينتصر عليهم فى موقعة عين جالوت ، وكانت الدولة فى أهون حالاتها، بعد انهيار الأسرة الأيوبية وحين نعيد ساعات الزمن إلى ما قبل ألف عام، نرصد رواد تحملوا عبء توصيل رسالة الإسلام وترسيخها فى النفوس، ولم تمنعهم الإعاقة عن المضى فى مسيرتهم الشاقة، فكان معاذ بن جبل أعرج وعبد الله بن أم مكتوم ضرير وغيرهم من أعلام شهد الله ورسوله على صلابة همتهم وأثبتوا أن ضعف الهمة نتاج إعاقة نفسية وفكرية.
وفى جولة حول العالم، نراقب رجال أعمال حول العالم نشأوا وسط أسرة فقيرة، استطاعوا الإصرار على تحديد مسار مختلف، ووضعوا خطتهم للصعود، وحلوا قيود الفشل، وصرفوا آذانهم عن أصوات اليأس، ودولا نهجت نفس نهج هؤلاء الأفراد، وارتقت سلم المجد، وطوعت مشاكلها البيئية وكوارثها الطبيعية لخدمة مشروعاتها، وجلسوا بجوار الدول الصناعية الكبرى ، واليابان أصدق مثال على ذلك, وهي عبارة عن مجموعة جزر، الزلازل لا تسكت عن ضربها، لكن أبنائها أعادوا بنائها من جديد على أسس علمية، وأخيرًا لابد أن نؤمن بالحكمة القائلة: إن من رحم الألم يولد التحدى، وإنه لفوز عظيم لمن يذوقه، وأشخاص حرمت نفسها من لذته، وخارت قواها بسرعة، وامتنعت عن محاولة الوقوف مرة ثانية للتغلب على الألم، فقد نلتمس العذر لقلة منهم أقعدها الألم وشل حركتها، لكننا عهدنا عن أصحاب العزيمة عدم استسلامهم بسهولة للألم.

أضف تعليق

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2