د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: استثمار من نوع آخر

د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: استثمار من نوع آخرد. داليا مجدي عبد الغني تكتب: استثمار من نوع آخر

*سلايد رئيسى8-5-2019 | 17:07

دائمًا ما نتحدث عن الاستثمارات بشتى أنواعها، سواء الاستثمارات الأجنبية، أو الاستثمار المباشر وغير المباشر، وأيضًا الاستثمار القومي والمحلي والعالمي، حتى استثمارات المشروعات الصغيرة المحدودة، وكل هذه بالفعل استثمارات لو تمت بالشكل الصحيح والفعال، ستُدِرُّ دخلاً كبيرًا للوطن وللمستثمرين، سواء على المدى القريب أو البعيد، علاوة على قيام المُشَرِّع بسنِّ الكثير من التشريعات، وإدخال العديد من التعديلات على القوانين؛ بهدف جذب الاستثمار الأجنبي، وتنشيط الاقتصاد القومي، إلا استثمار واحد، لم نتطرق إليه، سواء بتشريعاتنا أو نُصوصنا، أو حتى حواراتنا ومُناقشاتنا، رغم أنه يكاد يكون أهم استثمار، وبدونه لا يُمكن تفعيل أو استمرار كل الاستثمارات التي نهدف إليها ونبتغيها، وربما لم نتطرق لهذا الاستثمار؛ لأنه مُرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإرادة والضمير والعقل، وهذا الاستثمار هو استثمار الوقت.

 وللأسف الشديد، نحن نتفنَّن في مضيعة الوقت أحيانًا، دون قصد، وأحيانًا أخرى كثيرة عن عمد، فكم مرة نُردد جملة بقتل الوقت، أو عايز أضيع الوقت، وآه لو علمنا أننا نقتل أهم عنصر في حياتنا، فالوقت يا سادة هو حياتنا، فما هي الحياة سوى الثواني والدقائق والساعات، التي تصنع الأيام والشهور والسنين، وهي في مُجملها عُمرنا وحياتنا، فعندما نسعى لقتل الوقت، ففي الواقع نحن نقتل عُمرنا دون أن ندري، وكم من وسيلة نقتل بها وقتنا دون أن نشعر، مثل الجلوس على الكافيهات بالساعات، والأوقات التي نقضيها على مواقع التواصل الاجتماعي، والدردشة وأحاديث النميمة، وترويج الإشاعات على الآخرين، وغيرها من الوسائل والطرق التي نبتكرها بإتقان لا مثيل له؛ للتخلص من حياتنا تدريجيًا.

وكل شاب أو فتاة لو فكر قليلاً في عدد الساعات التي يُضيعها يوميًا في الأحاديث الفارغة، ومُصادقته لجهازه الجوال، الذي يعزله عن العالم كله تقريبًا، وحاول أن يستثمر هذا الوقت في تعلم لغة جديدة، أو دراسة علم، يجعله يحصل على شهادة، تُضاف إلى مُؤهلاته الدراسية، أو عمل دراسة جدوى لمشروع صغير، يبدأ به أول مرحلة في حياته العملية، حتى لو كان غير متماشيًا تمامًا مع مؤهلاته، ولكنه قطعًا سيجعله يشعر أنه يفعل شيئًا مُفيدًا لنفسه وللآخرين، ، ولم نكن لنجد الكثيرين ممن يشكون من البطالة والملل، والرغبة في الهجرة.

 والمُضحك أن من يعيشون على حُلم السفر للخارج والهجرة، عندما تسألهم ماذا ستعملون بالخارج؟ تأتي إجابتهم سريعة جدًا وبدون تفكير، وهي: "سوف أعمل في أي حاجة وأي حرفة أو مهنة"، أي أنهم لن يعملوا في تخصصاتهم ومُؤهلاتهم، فلماذا إذن لا يفكرون بذات النهج في بلادهم؟!

 والأغرب من كل هذا، أننا لو حسبنا مقدار مصاريفهم على الكافيهات، والتنزه، والألوف المُؤلفة التي يُلقونها؛ بُغْيَة شراء أحدث الموبايلات واللاب توب، والتاب، وغيرها من الأجهزة التُّكنولوجية، سنكتشف أنهم لو وفروا كل هذا من أجل عمل مشروع صغير، أو تعلم شيء جديد ومُفيد، سيتحولون إلى أشخاص آخرين في وقت قريب، ولكن للأسف، هم يُفكرون فقط في قتل الوقت.

 ويا ليت نُصوص قانون العُقوبات كانت تُجَرِّم قتل الوقت؛ لأنه من وجهة نظري لا يقل بشاعة عن قتل النفس، فمن يقتل وقته ووقت غيره، هو في الواقع يقتل نفسه، كما أن يحرم وطنه ومُجتمعه من الاستفادة بطاقته وقُدراته، وما يُحْزِن بصدق أن كل هؤلاء لديهم قُدرات عقلية رهيبة، وطاقة جُسْمَانية خارقة، ولكن للأسف، كل هذا يُهْدَر مع الوقت الذي يُقْتَل، أليست هذه الأفعال جرائم في حق الإنسانية، فلو استثمرنا وقتنا، بالإضافة لقُدراتنا العقلية، وكثافة عددنا، فمما لا شك فيه، سنكون من أوائل الدول المتقدمة.

أضف تعليق

إعلان آراك 2