د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: حدوتة مُرَّة حُلوة للغاية

د. داليا مجدي عبد الغني تكتب: حدوتة مُرَّة حُلوة للغايةد. داليا مجدي عبد الغني تكتب: حدوتة مُرَّة حُلوة للغاية

*سلايد رئيسى13-6-2019 | 13:35

كم أعجبني بشدة مسلسل " حدوتة مُرَّة"، الذي عُرِضَ في شهر رمضان الكريم، للفنانة " غادة عبد الرازق"، فرغم أن قصة المسلسل فيها شيء من القسوة غير المألوفة بالنسبة للنساء، إلا أن الخط الدرامي كان عبقريًا، فأعجبني قُدرة الكاتب على خلق حالة من العنف النفسي، والقسوة غير التقليدية، والقوة غير المدروسة في شخصية البطلة، التي اختارت أن تبيع أبناءها، وهم ما زالوا أطفالاً صغارًا، لا يعون أي شيء في الحياة؛ لكي تحصل على الأموال، التي تجعلها ترى الحياة وتعيش، وقرارها بموت قلبها بمجرد أن قررت بيع أبنائها، فهي لم تشعر بعاطفة الحب حيال أي إنسان، حتى كل من التقى بها، ووقع في غرامها، كانت تستفيد منه قدر المستطاع، وربما تُوهمه بالحب والغرام، ولكنها في النهاية تبيعه لكي تستفيد من ورائه، ومبدأها أنها باعت أبناءها، فأصبح كل شيء هين وقابل للبيع والمقايضة والمساومة. وما لفت انتباهي هو أن أغلب الأعمال الدرامية التي عالجت قضية بيع الأم لأبنائها أو لأحدهم، كانت دائمًا تتلمس الأعذار لهذه الأم، وتُحيي بداخلها غريزة الأمومة؛ حتى تستثير شفقة وتعاطف الجمهور معها، أما في هذا المسلسل، فلم يُحرك المؤلف أي غرائز عاطفية بداخل الأم " مُرَّة"، لدرجة أنها عاشت مع إحدى بناتها في منزل واحد، لمدة عشرين عامًا، وكانت معها فتاة أخرى، فلم نكن نعرف أيًا منهما ابنتها، من شدة قسوتها مع الاثنين، وفرط إهمالها لهما، وعدم ضعفها مع أيهما، فهي إحساسها مات تمامًا، وتلاشى معه لحظة اتخاذها قرارها ببيعهم. وهذه القوة امتدت حتى آخر مشهد في المسلسل، عندما ذهبت على قدميها لتنفيذ حكم الإعدام الصادر ضدها، وهي مُمسكة بعكازيها، ولم تحاول الاستناد على أي شخص، ولم تهتز ساقيها، أو تنزل دموعها، أو يرتجف قلبها؛ لأنه باختصار مات، فكم أعجبني قُدرة الكاتب والبطلة والمُخرجة، على التعامل مع طبيعة النفس البشرية، التي إذا دفنت إحساسًا معينًا، ربما لا يصحو إلى الوجود مرة أخرى. فهذه الحبكة الدرامية، نادرًا ما تحدث أو تكتمل، ففي الغالب الأعم، يبحث الكاتب عن وسيلة لجلب عطف الجمهور مع البطل أو البطلة، ولكن في هذا العمل الدرامي، أراد المؤلف أن يشجب هذا السلوك، ويصف مرتكبيه بأنهم سيتحولون إلى أصنام، أو دُمى متحركة، لا تحس أو تشعر أو تخاف أو تهتز، لدرجة أن البطلة كانت لا تهاب التهديد، فهي دائمًا صامدة، وكأن مراكز الإحساس قد ماتت تمامًا بداخلها، وهذا درس سيكولوجي لكل إنسان يفكر أن يُخالف الطبيعة أو يُعاندها، فسيتغير معها، وستموت معها إنسانيته، فحقًا حدوتة مُرَّة حُلوة للغاية.
أضف تعليق

إعلان آراك 2