عام الخراب فى فرنسا.. «السترات الصفراء» تعود من جديد

عام الخراب فى فرنسا.. «السترات الصفراء» تعود من جديدعام الخراب فى فرنسا.. «السترات الصفراء» تعود من جديد

* عاجل16-7-2019 | 22:16

كتب: أحمد محمد فى مايو 2018 اندلعت حركة السترات الصفراء " Mouvement des gilets jaunes" فى فرنسا، لتشعل فتيل التظاهرات والتوتر فى فرنسا وزادت شهرتها وقوتها كحركة معارضة للحكومة وإجراءات الإصلاح الفرنسية فى نوفمبر من نفس العام. وعلى مدار النصف الثانى من 2018، والنصف الأول من 2019، كانت السترات الصفراء تعلن عام الخراب فى فرنسا، فبعد أسابيع من خفوت نجم الحركة الاحتجاجية وترنحها، عادت من جديد وفى ثياب جديدة نسبيًا، إذ ظهر ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحًا امتداد السترات الصفراء، وهم مجموعات السترات السوداء.

وقبل يوم واحد من الاحتفال باليوم الوطنى للأمة الفرنسية، والمعروف بـ"يوم الباستيل"، كان العشرات من أتباع حركة أطلقت على نفسها "السترات السوداء" يتظاهرون فى شوارع العاصمة باريس، يوم السبت الماضى، مطالبين هذه المرة بتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، ما أسفر عن اشتباكات مع الشرطة واعتقال أكثر من 150 متظاهرًا.

ووفقًا لقناة "يورو نيوز"، فإن المتظاهرين تجمعوا أمام مبنى مقبرة العظماء "البانثيون" فى العاصمة الفرنسية، ونظموا اعتصامًا ضخمًا طالبوا خلاله الحكومة بالتحرك واتخاذ التدابير اللازمة لتسوية وضعية الأشخاص الذين لا يملكون وثائق إقامة، وبهذا لم يكن غريبًا أن يكون 700 مهاجر بين المحتجين.

ويبدو أن المحتجين قرروا انتهاج العنف هذه المرة، وهو ما حرصت الشرطة الفرنسية على تأكيده، لافتة إلى أنهم اقتحموا مبنى "مقبرة العظماء"، البانثيون، فى وسط باريس احتجاجا على ظروف "العاملين دون وثائق" فى فرنسا، وطالبوا الحكومة بمنحهم الوضع الشرعى وبتوفير السكن لهم، وهو ما حرصت الشرطة الفرنسية على التأكيد عليه فى بياناتها المتتالية.

هذه المرة يبدو أن الحكومة الفرنسية وجدت ضالتها فى الاحتجاجات، إذ بات بإمكانها ربط ملفى السترات الصفراء بالهجرة غير الشرعية، وهو الملف الذى يؤرق الفرنسيين ويرونه سببًا فى تضييق العيش عليهم، ما يعنى نفور الفرنسيين من الاحتجاجات ووأدها بأسلوب سياسى ناعم.

بل امتد الأمر إلى أن الحكومة الفرنسية نقلت بنفسها بيانًا استفزازيًا لأحد المحتجين، الذى لم تذكر اسمه، وبحسب السلطات الفرنسية، قال هذا المحتج: "نحن أصحاب السترات السوداء وينبغى عليهم ترتيب أوراقنا، نريد نفس الحقوق التى يتمتع بها الشعب الفرنسى، وأن يحصل الجميع على مستندات، ونرغب بمقابلة رئيس الوزراء، هو يقول إنه لم يتلق خطابنا، لكن حتى لو لم يحدث هذا، لقد رآنا، يمكنه أن يرانا ويأتى إلى هنا، تعالى إلى هنا".

وفى السياق ذاته، ساعدت منظمة "لا شابيل دوبو كوليكتيف" التى تدعم المهاجرين واللاجئين، فى تنظيم الاحتجاج، وطالبت بتوفير ظروف إقامة ودعم أفضل للمهاجرين المعزولين، ودعت الحكومة لتوفير أوراق ثبوتية للمهاجرين وإغلاق كل مراكز الاحتجاز.

وفى الوقت الذى يتصاعد فيه تيار اليمين السياسى فى فرنسا، وهو صاحب موقف متشدد من قضية المهاجرين غير الشرعيين، تأتى حركة "السترات" بتظاهراتها وأعمال العنف، لتصبح بمثابة الشرك الذى سيقع فيه المحتجين ضد الحكومة، إذ يمكن أن تتحول المسألة إلى استقطابات سياسية بين اليمين واليسار الفرنسى حول ملف الهجرة غير الشرعية تحديدًا، وليس مجرد الأداء السياسى والاقتصادى لإدارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.

ويبدو أن "السترات الصفراء" وقعت فى ذلك الفخ، يوم الأحد، ففى إعلان جديد عن وجودها  اختارت الحركة "يوم الباستيل" لترفع شعاراتها وتطلق صافرات الاحتجاج أثناء مرور الرئيس الفرنسى، ووسط حضور زعماء العالم، وبالرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، ظهر محتجو "السترات الصفراء" من جديد، وكسروا الحواجز التى وضعتها الشرطة بالقرب من ساحة الإليزية، ما دفع الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المجموعات المحتجة.

اللافت هنا أن الشرطة الفرنسية كانت قد شددت إجراءاتها الأمنية، الأحد، كما قامت بتفتيش حقائب الراغبين فى مشاهدة العرض العسكرى بمناسبة احتفالات ذكرى "الباستيل".

وبهذا تحولت حركة السترات من مجرد حركة احتجاجية كانت تحظى بتأييد من غالبية الفرنسيين فى بداياتها إلى حركة احتجاجية تربك احتفالات العيد الوطنى ويعترضون موكب الرئيس ماكرون أمام الحضور من زعماء العالم الأوروبى المشاركين فى الاحتفال، ما سيظهر أثره فى استطلاعات الرأى حول الحركة خلال الأيام المقبلة.

هذه المرة اكتفى محتجو "السترات الصفراء" بالبالونات الصفراء التى لوحوا بها للإعلان عن أنفسهم، مستقبلين الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بالصفير والهتافات الغاضبة خلال عبوره جادة الشانزليزيه على متن "آلية للقيادة العسكرية"، قبل العرض التقليدى فى العيد الوطنى الفرنسى فى 14 يوليو.

ووفقًا لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، حاول أعضاء "السترات الصفراء" احتلال جادة الإليزيه، فانتهى الأمر بتدخلى أمنى ضدهم، وتوقيف 152 شخصا على خلفية الواقعة.

وكانت وتيرة احتجاجات أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا تراجعت بشكل ملحوظ فى الأشهر القليلة الماضية، لدرجة أثنت الحركة عن تُنظم تظاهرات كل سبت التى لم يعد تحظى بإقبال بين المواطنين.

كانت السترات الصفراء فى أوجها كحركة احتجاجية فى نوفمبر وديسمبر الماضى، ففى 24 نوفمبر نزل 106 ألف محتج متظاهر إلى الشوارع، وتحولت الحركة الاحتجاجية إلى أعمال عنف وشعب، حيث أشعل المتظاهرون النيران فى بعض السيارات ومزقوا اللافتات ودمروا الحواجز، وتراشقوا الحجارة على قوات الأمن، والتى لجأت بدورها إلى الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفر يق المتظاهرين، وفى اليوم التالى لهذا الشغب كانت الحكومة الفرنسية تعلن أن تكلفة الشغب فى باريس وحدها تجاوز المليون ونصف المليون يورو، وتم تعيين 200 عامل لإصلاح ما أفسدته أيدى المتظاهرين.

واستمرت الاحتجاجات التى حددت الخروج يوم السبت من كل أسبوع، وفى كل يوم جديد أعمال شغب وعنف متبادل بين الشرطة والمحتجين، وما بين إحراق السيارات ووتخريب جدران قوس النصر، قدرت عمودية باريس الخسائر بين 3 و4 ملايين يورو.

وبمرور الأيام وفتح الحوار بين الحكومة والمحتجين وبدء موجة من الاستطلاعات الشعبية، تراجعت وتيرة السترات الصفراء، وترنحت حد الذبول، إلا أنها لم تكن انتهت، وهو ما أعلنت عنه الاحتجاجات الأخيرة.

أضف تعليق

إعلان آراك 2