نادية صبره تكتب: الصفقة

نادية صبره تكتب: الصفقةنادية صبره تكتب: الصفقة

* عاجل26-3-2020 | 21:10

جدل واسع شهدته الساحة السياسية اللبنانية على مدار الأسبوعين الماضيين بعد قرار المحكمة العسكرية اللبنانية الصادر بوقف التعقب بحق أمر معتقل الخيام السابق والمتعامل مع إسرائيل (عامر الفاخوري) وسط شكوك وتلميحات بأن صفقة ما قد أبرمت بين لبنان والولايات المتحدة الأمريكية للإفراج عن الفاخوري بفعل مرور الزمن على الجرائم المنسوبة إليه والتي من بينها القتل والتعذيب من فترة الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قبل عشرين عاماً... ولأن لبنان هو دولة حزب الله بكامل المواصفات بإعتراف مؤيديه وخصومه فهو يسيطر على الدولة وممتلك القرار في المؤسسات الدستورية الثلاثة سواء في إدارة مفاصل الدولة أو القضاء فغالبية الأطراف تدرك تماماً قبل إتخاذ اي قرار ماذا سيكون موقف حزب الله؟ لذلك فالأقاويل ترددت عن أن البراءة التي حصل عليها الفاخوري وما تلاها من خروج كامل له من لبنان جاء بأوامر من حزب الله لتفادي عقوبات أمريكية ستطال حلفاء لحزب الله من خارج الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) وأيضاً مقابل إعطاء أمريكا الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي لتقديم مساعدات نقدية للبنان... وقد ظل الطلب الأمريكي من لبنان يتكرر خلال الأشهر الماضية بالإفراج عن الفاخوري الذي يحمل الجنسية الأمريكية خلال لقاءات مسئولين أمريكين ولبنانيين من بينهم السفير (ديفيدهيل) والسفيرة الأمريكية السابقة في لبنان (إليزابيث ريتشارد) التي لم تتردد بطرح الطلب عدة مرات واستمر الإلحاح الأمريكي حتى مع تولي السفيرة الأمريكية الجديدة في لبنان (دورثي شيا). وعامر الفاخوري لمن لا يعرفه هو أحد زبانية جيش جنوب لبنان الموالي لإسرائيل ويلقبه اللبنانيون بجزار الخيام لأنه كان مسئولاً عن معتقل الخيام الذي كانت تديره ميليشيا الجيش ووجهت له تهم مقتل اثنين من السجناء لإخماد الإنتفاضة في المعتقل والتسبب في قتل وتعذيب وإخفاء جثة السجين (علي عبد الله حمزة) في عام 1986 حيث قتله ونقل جثمانه إلى مكان مجهول لكن القضية نفسها مر عليها 30 عاماً وبالتالي تسقط دعوى الحق العام بمرور الزمن العشري وهو ما استندت عليه المحكمة... في الواقع الموضوع ليس موضوع حكم قضائي وإنما هو قرار سياسي بإمتياز اتخذ في ظروف مشبوهة والدليل على ذلك أن المحكمة العسكرية بأوامر من حزب الله بالطبع انعقدت ليل الأحد وهو يوم عطلة وفي ظل أزمة الكورونا ولا يمكن للقاصي والداني تجاهل المحاصصة الطائفية في لبنان إذ يستحيل إصدار قرار قضائي مخالف لسلطة حزب الله دون النظر لحقوق سجناء معتقل الخيام وآلامهم التي لا تسقط مهما مر الزمن... الطريف في الأمر والذي اعتبره توزيع أدوار هو تصعيد حزب الله ضد قرار المحكمة العسكرية ووصفه بالقرار الخاطئ الذي يدعو للأسف والغضب والإستنكار... وإصداره بيان قال فيه إن الضغوط الأمريكية وللأسف أثمرت اليوم واعتبر أن هذا اليوم هو يوم حزين للبنان وتناسى أن كل يوم يمر على لبنان والسلطة في يد حزب الله هو يوم حزين عموماً هذا البيان الذي أصدره الحزب لا يبرءه ولا ينطلي لا على صغير أو كبير في لبنان أو خارجه وهو لا يدين المحكمة العسكرية التي يتهمها الحزب بالرضوخ للضغوط الأمريكية وإذا فرضاً ذلك جدلاً أين كان هو؟ وأين كانت الحكومة اللبنانية؟ والحزب يمتلك آلة إعلامية وميليشيا إلكترونية لم تنطق بحرف عن هذه الصفقة وولاءات كانت تصف كل ما يخالفه في الرأي بأنه عميل صهيوني.. هناك العديد من الأسئلة الغامضة  التي بلا إجابة أولها كيف دخل عامر الفاخوري إلى لبنان في سبتمبر الماضي عبر مطار بيروت عائداً من الولايات المتحدة حيث أقام سنوات طويلة وكيف تم الدفاع عنه ومن ثم تبرئته والمدهش هو استدعاء وزير الخارجية اللبناني (ناصيف حتى) السفيرة الأمريكية ليستفسر منها عن ملابسات نقل الفاخوري من السفارة الأمريكية في عوكر إلى خارج لبنان...! جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر والحليف القوي لحزب الله تبرء هو الآخر في بيان أصدره مكتبه من معرفته بالفاخوري أصلاً وأنه لا علاقة له به إطلاقاً وأن كل كلام عن تعهد باسيل بمساعدته هو محض إفتراء وكذب... وهو يعتقد أنه بهذا البيان يستطيع طمس أي دور له في هذه الصفقة ولكن إحقاقاً للحق هي كبيرة على إمكانيات باسيل لذلك إستعان بحزب الله والمصلحة في النهاية واحدة فباسيل سيرد له اعتباره على الساحة الدولية وحزب الله سيتجنب المزيد من العقوبات الأمريكية ولا عزاء للمصلحة الوطنية والأخلاقية وحزب الله منذ سنوات يعتمد على باسيل كغطاء مسيحي للحزب حيث أنه يتمتع بعلاقات قوية مع الغرب والولايات المتحدة ولذلك يعتبر سلاح الحزب الخارجي... وهذا ما يعانيه لبنان الشقيق فساد الطبقة السياسية المتحالفة مع حزب الله فهي تغض الطرف عن سلاحه مقابل أن يغض الطرف عن فسادها.. ولذلك كان الحزب يشوه الحراك الشعبي ويشكك في الأهداف النبيلة للشباب اللبناني حماية لهذه الطبقة الفاسدة... وأود أن أحيي القاضي النزيه العميد الركن (حسين عبد الله) رئيس المحكمة العسكرية التي أفرجت عن عامر الفاخوري الذي تقدم بإستقالته إحتراماً لشرفه العسكري رغم أنه ليس مسئول وحده فهم خمسة قضاة إتخذوا القرار بالإجماع إن حسن نصر الله وحده هو من يمتلك القرار الرئيسي في الدولة اللبنانية بكل أسى وأسف والقرار النهائي والحقيقي عنده وكان يرفض مطالب صندوق النقد الدولي بحجة أنها تمس عزة لبنان وكرامته وهو في الواقع يتخوف أن تطال سلاحه ولكنه قبل بالصفقة لتكون طوق نجاة ورسالة لعل أمريكا تسمح لصندوق النقد بإنقاذ لبنان من عثرته المادية دون المساس بسلاح الحزب وهو تصور خاطئ لأن الولايات المتحدة لن تغض الطرف على هيمنة حزب الله على القرار اللبناني وسوف تستمر الضغوطات الأمريكية على الدولة اللبنانية للحد من دور حزب الله السيء فلا يمكن التفرقة بين حزب الله وإيران. ولبنان في موقع استراتيجي هام ولن تتركه أمريكا لقمة سائغة لإيران والتهديد بفرض عقوبات سوف يستمر ما من شك في ذلك حتى لو أفرج حزب الله عن 100 فاخوري.. فقط هذه الصفقة أسقطت كل أوراق التوت التي يتحصن خلفها حزب الله ومحور المقاومة فالحقيقة أن شعارات المقاومة هي مقاولة ومقايضة والتهديد والوعيد هي جوفاء وفارغة وإذا كان الفاخوري أفلت إلى أمريكا ولا أحد يطاله فإن حقوق الشهداء والأسرى المحررين لا تسقط في عدالة السماء بمرور الزمن..
    أضف تعليق

    إعلان آراك 2