قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ

قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌرجب البنا

الرأى22-10-2021 | 14:35

الاحتفال ب مولد الرسول له فى مصر طابع خاص، المصريون يحتفلون ب النبى فى كل أيام السنة، ولا يغيب ذكره والصلاة عليه لحظة، فإذا جاء شهر ربيع أول ظهرت معالم جديدة للتعبير عن الاحتفال بهذه المناسبة، وهو «النور» الذى بعثه الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، «قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ» (المائدة 15)، وهو الإنسان الكامل الذى يجب على كل مسلم أن يهتدى به «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (الحشر 7)، وهو الصادق الأمين «وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى» ( النجم 5:3).

محمد y هدية الله للبشرية، ومن فضل الله علينا أن بعثه ليرشدنا إلى طريق الهداية «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (آل عمران 164) وفرض الله علينا طاعته «وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً» ( النساء 69) و«وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» ( النساء 13) و«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» ( النساء 14) و«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً» (الجن 23).

طاعة الرسول y هى طاعة لله «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (الحشر 7). وهذه مكانة لنبينا لم يصل إليها أحد من البشر، فضلًا عما منحه الله له من صفات الكمال حتى أن حسان بن ثابت كان يقول عن النبى: «خلقت مبرأ من كل عيب، كأنك قد خلقت كما تشاء»، فهو المثل الأعلى للإنسان، اختصه الله بمكانة لم ولن يصل إليها غيره حين أسرى به من مكة إلى القدس وعُرج به حتى وصل إلى سدرة المنتهى، ورأى ما لا عين رأت «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (الإسراء 1) ماذا رأى من آيات ربه عندما صعد إلى أعلى العليين؟ «أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى» (الإسراء 18:12). سبحان الله.. إن الإنسان يشعر بقشعريرة فى بدنه وهو يقرأ أو يسمع هذه الآيات.. لقد صعد محمد إلى سدرة المنتهى ورأى من آيات ربه الكبرى وتأكد من مكانته عند ربه، وتلقى الأمر بالصلاة خمس مرات فى اليوم.. هو الرسول «المصطفى» أى الذى اختاره الله وأعده لتحمل رسالة عظمى بما صحبها من آلام وتكذيب وهجرة.. هو «المصطفى» الذى جمع الله فيه كل صفات الكمال الأخلاقى وكل صفات الإنسانية وقال سبحانه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم 4)، وكرر الله هذا الوصف مرتين فى سورة واحدة. سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها عن خلق النبى فقالت «كان خلقه القرآن» قيل فى تفسير «خلق عظيم» إن الرسول جمع صفات وفضائل الأنبياء جميعًا، أخذ التوبة من آدم، وأخذ الشكر من نوح، وأخذ الوفاء من إبراهيم، وأخذ التسليم لله من إسماعيل، وأخذ الحلم والرحمة من إسحاق، وأخذ الثقة فى نصر الله مهما اشتدت عليه الشدائد من أيوب، وأخذ قوة الاحتمال من يوسف، وأخذ الصبر من أيوب، وأخذ من أمر ربه الإحسان إلى الناس ومعاملتهم بالرفق واللين «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (النحل 125)، وحقق ما بعثه الله به كما قال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وكانت دعوته «يسروا ولا تعسروا» قالت السيدة عائشة: «ما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرها ما لم يكن إثما» وهذا تنفيذًا لأمر الله «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ» (البقرة 85).

جاء ليكون رحمة للعالمين كما قال الله تعالى «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء 107) وهو كما وصفه الله «حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» 0التوبة 128).. وهو السراج المنير الذى أرسله الله إلى البشرية «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً».

نبى عاش كل ما فى الحياة من آلام. مات أبوه وهو فى بطن أمه، وماتت أمه وهو فى الرابعة، وكفله عمه أبو طالب، وخاض المعارك مع أعداء الدين وشجت رأسه فى غزوة أحد، وتحمل تكذيب قومه وإهاناتهم ومؤامراتهم، إلى أن جاء نصر الله والفتح. فهو يعطينا أعظم الدروس فى الصبر وتحمل الشدائد مهما بلغت قسوتها، لأن الأمر كما قال ربنا «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» (الشرح 5-6) والتكرار للتأكيد، وحين يكرر الله سبحانه وتعالى القول فإن ذلك يبلغ منا مرحلة اليقين الذى لا يحتمل الشك أبدًا.

هو الفقير الذى جاء إليه عتبة بن ربيعة مفوضًا من سادة قريش ليقول له: «يا بن أخى، أنت من خيارنا حسبا ونسبا، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وعبت آلهتهم. يابن أخى، إن كنت تريد مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا سودناك علينا حتى لانقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان الذى يأتيك رئيا الجن طلبنا لك الطب وبذلنا أموالنا حتى نبرئك منه، أمام هذا العرض الذى يضعف أمامه أقوى الرجال كان رد الرسول: والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته».. رفض الثروة والسيادة والملك وتحمل الإيذاء وظل قابضًا على الجمر بعمق إيمانه، وصدق دعوته، وباليقين فى نصر الله له.

فى البداية لم يؤمن ولم يصدقه إلا أربعة فقط: زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، وابن عمه على بن أبى طالب رضى الله عنه، وخادمه زيد بن حارثة، ثم صديقه أبو بكر الصديق الذى صدقه وضحى من أجله وهاجر وأنفق ثروته فى سبيل الله إيمانًا ويقينًا بأن هذه الدعوة حق، وإنه رسول الله حقًا، عندما مات ابنه الوحيد «إبراهيم» فى طفولته غابت الشمس فقال الناس: «غابت الشمس حزنًا على إبراهيم وكرامة للنبى» فكان رده: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاتغيبان لموت أحد».. ألم تكن هذه فرصته ليقدم للناس دليلًا على صدق نبوته وقد طلبوا منه أن يأتى بمعجزة؟ لكنه، وهو رسول الله حقا، لا ينسب لنفسه ما ليس له وهو لا يحتاج إلى معجزات كونية لإثبات أنه نبى، ولا يسعى إلى انتهاز فرصته كما يفعل ذوو النفوس الضعيفة.. هو رسول الله حقا، وهو نور، وسراج منير، عليه y فى ذكرى مولده، وفى كل لحظة.

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2