مادونا جمال: أحببت سعاد حسني دون أن أسمعها

مادونا جمال: أحببت سعاد حسني دون أن أسمعهامادونا جمال

ثقافة وفنون19-12-2021 | 15:57

منذ فقدت سمعها وهي طفلة، لم تشعر بأن العالم توقف بها هناك.. أو هكذا ساعدها والداها بكل ما أوتيا من قوة، رسما لها الطريق بألوان البهجة والمثابرة .. كبرت مادونا جمال تتحسس في طريقها كل ما له علاقة بالفن.

تشاهد الأفلام الأبيض والأسود وتراقب سعاد حسني وهي ترقص وتهيم بها حبا وتعلقا. فتتمنى أن تصبح مثلها، وهي التي كانت لا تسمع وقتها ما تغنيه أو تقوله.. درست في مدرسة صلاح الدين للصم.. والتحقت بعدها بمعهد الألسن الذي اعتبرته مجرد محطة مؤقتة.. فغايتها دائما كانت المسرح والتمثيل.. ولما كبرت طالها الإحباط قليلا، كيف ستفعل ذلك وهي لا تسمع.. ولأنها صدقت حلمها، أصبحت أول طالبة صماء (بمعين سمعي) تلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتقف على خشبة المسرح تمثل وتملأ الدنيا مرحا وانطلاقا.

مادونا شاركت في أعمال سينمائية ودرامية أيضا.. ووقفت على السجادة الحمراء منذ ثلاثة أعوام - للمرة الأولى بين أقرانها- بفستان أزرق يشبه جمال روحها من تصميم هاني البحيري تبتسم بثقة في أن الحلم لم ينته بعد.. لم يكن للملف أن يزيد بهجة من دونها.

أصبحت الفتاة، البالغ عمرها الآن نحو 26 عاما، أول فتاة من ذوي الإعاقة السمعية في مصر والعالم العربي تلتحق بمعهد الفنون المسرحية ولم يكن ذلك سهلا أبدا، تحكي مادونا وتقول: أحب الفن منذ صغري، كنت أشاهد أفلام إسماعيل ياسين و سعاد حسني وأضحك بالرغم من عدم سماعي لما يقولون لكنني كنت أفهم.

في دراسة مادونا كان أصعب ما تواجهه المواد الأكاديمية التي تحتاج إلى مذاكرة، اللغة العربية على وجه الخصوص، لأنها لا تُدرس بشكل جيد في مدارس الصم كأغلب الذين أكدوا ذلك قبلها، لكن أهلها ساعدوها كثيرا.

تكمل مادونا كلامها عن بداياتها وتقول: كانت الخطوة الأولى لي بعد ذلك لبدء حلمي، التحاقي بمعسكر الإعلامي مع (الدكتور محمد سعيد محفوظ)، تعلمت فيه كثيرًا عن مجال الإعلام الذي اكتشفت حبي له أيضا وقتها.. فقد كنت من عشاق متابعة برنامج البيت بيتك مع أمي، كانت تترجم لي ما يقوله محمود سعد، تماما كما كانت تترجم لي الأفلام التي أحب، فحلمت أيضا بأن أكون مذيعة مع حلم التمثيل.. ولما جاءتني الفرصة من خلال المعسكر تمسكت بالحلم من جديد فتعلمت الكثير من الدكتور محمد سعيد محفوظ – و لديه دكتوراه في الإعلام وفي صناعة الأفلام من جامعة لندن – وقال لي وقتها إنه لربما وفر لي فرصة مع زملائي في أقرب برنامج يقدمه.. ونسيت الفكرة مؤقتا.. وبعد عدة سنوات، فاجأني الأستاذ هشام سليمان رئيس شبكة dmc بطلب مقابلتي في مدينة الإنتاج الإعلامي. ولما جلست معه قال لي: «سمعت إن نفسك تبقي مذيعة» كان الرد من ثلاث كلمات بالعمر كله «مبروك هاتبقي مذيعة»، لم أتمالك نفسي وبكيت من الفرحة ومن يومها وأنا أعمل مذيعة في القناة بلغة الإشارة

أول التمثيل.. مشهد وكلمة مبروك من جلال الشرقاوي

لما صار التمثيل يشغلها، لم تكن تعرف من أين تبدأ، حتى فوجئت مرة باتصال من المخرج محمد علام؛ لأنه كان يستعد لمسرحية جديدة باسم (العطر) وهى دمج بين الصم وضعاف السمع والمتكلمين - حصلت على أفضل مسرحية في الوطن العربي في عام ٢٠١٦- تحكي مادونا عن هذا اليوم وتقول: عندما دخلت الاختبارات قال لى: أنت ممثلة متميزة، رغم أنها كانت المرة الأولى التي أقوم فيها ب التمثيل فحمسنى هذا ألا أتوقف أبدا، وبعدما انتهيت من المسرحية مع المخرج محمد علام، طلب منى تقديم ملفى فى الاختبارات الخاصة بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وعلى الرغم من أننى تمنيت هذه الخطوة لكننى كنت خائفة، لكن المخرج محمد علام طمأننى بأننى موهوبة ومن الضرورى أن أصر على تحقيق حلمى، وبالفعل تقدمت وبعد الاختبارات وجدت الدكتور جلال الشرقاوي – وكان من أعضاء لجنة التحكيم - يقول لي أنت نجحت، لكنى لم أستوعب أننى نجحت بالفعل واعتقدت أنهم يشيدون فقط بأدائى كنوع من التشجيع، لكن بعد خروجي فوجئت بأن الجميع يهنئونني ويقولون لى مبروك، واستغرب بعضهم قبولى بالأكاديمية مع إعاقتي السمعية، خصوصا مع رفض عدد كبير من المتقدمين المتكلمين للدراسة.

مادونا قالت إنها تذهب من وقتها لحضور المحاضرات فى موعدها، في حضور مترجمها الخاص بيشوى عماد الذى يجلس إلى جوارها ويترجم لها المحاضرات بلغة الإشارة بشكل فوري، فيسهل عليها الدراسة كثيرا، مثلت بعد ذلك مادونا في أعمال درامية مختلفة، كان أولها مسلسل (عزمي وأشجان).. وشاركت بعدها فى فيلم خطيب مراتى، الذي حكت عنه تقول: كلمني المخرج أحمد عفيفى وطلب منى المشاركة فى الفيلم حيث كان يستعد لعمل نسختين من الفيلم إحداهما للمتكلمين والأخرى للصم وضعاف السمع، وكنت سعيدة بهذه التجربة؛ لأنها أتاحت للصم مشاهدته.

صعوبات ومعافرة وفي حلمي مكملة

أواجه كمثلي من ذوي الإعاقات السمعية صعوبات وتحديات بسبب تعامل المتكلمين معي فى الكثير من المواقف، كأنني مهمشة ويصعب علي فهم كلامهم، خصوصا عند حضور المؤتمرات أو الذهاب إلى الطبيب، لذلك أي مكان أريد الذهاب إليه لا بد أن يكون معى مترجم، أتمنى لو كانت هناك ثقافة ووعى بكيفية التعامل مع الصم وتوفير مترجمين إلى لغة الإشارة فى أى مكان حتى يتيحوا التواصل بشكل أفضل، هكذا حكت مادونا عن التحديات التي تقابلها يوميا رغم كل ماتحققه من نجاح وتلقاه من دعم.

مادونا تمنت في نهاية حواري معها أن يخوض المعاقون تجربة التمثيل مثلها وألا يجلسوا في المنزل يبكون حالهم، وتخبرهم بقوة وحب: أنتم أقوياء، وتمنت من الأهالي الذين لديهم طفل أصم، أن يعطوه الفرص كي يرى الحياة وأن يعلموه التخاطب ويذهبوا به إلى الأندية والحدائق وجميع الأماكن ولا يخجلوا منه أبدًا.

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2