كنا قد تفاءلنا خيرًا بأن يستهل معرض القاهرة الدولي للكتاب أيامه الأولى للجمهور الخميس الماضي بعطلة رسمية متصلة بالراحة الأسبوعية المعتادة يومي الجمعة والسبت، ثلاثة أيام إجازة لابد وأن نتوقع معها حضورًا جماهيريًا يمثل دفعة قوية لدورة المعرض بالكامل، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، طقس الخميس كان باردًا إلى حدٍ كبير، وهو ما أثر سلبًا على توافد الجمهور إلى مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، ورغم تحسن الجو الملحوظ في اليوم التالي الجمعة، إلا أن حضوره لم يكن حضور الجمعة المألوف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ومن وقتها إقبال الجمهور ضعيف على غير المعتاد حتى كتابة هذه السطور.
معرض القاهرة الدولي للكتاب يستعيد توهجه المعتاد في دورته الحالية، التنظيم بكل تفاصيله على أعلى درجات الاستعداد، التجول فيما بين قاعات المعرض الخمس أو مختلف الأجنحة بداخلها سهل ولا يتطلب مجهودًا كبيرًا، الأنشطة الثقافية تملأ الصالات المخصصة لها على اختلاف أحجامها وسعة الحضور بها، ضيوف الندوات والصالونات ومختلف محاور النقاش يتنوعون ما بين وزراء ومفكرين وكُتاب وأدباء وفنانين ومثقفين، مصريون وعرب وأجانب من مختلف الجنسيات، أنشطة فنية في الهواء الطلق يلتف فيها الجمهور حول مواهب شابة واعدة، فريق الشباب المتطوع لدعم وتوجيه زوار المعرض ينتشر في كل مكان لا يدعك تبحث عنه ولو دقيقة، ومختلف تطبيقات التواصل الفعال حاضرة بقوة.
الإقبال الجماهيري الضعيف حتى الآن، نرصد أسبابه الموضوعية في أجواء لا تزال استثنائية في مجموعها، موجة فيروس كورونا أو أوميكرون الحالية تصاعدت مواكبة لافتتاح أبواب المعرض، طقس متقلب بارد في معظم الأحوال، موجة تضخم عالمية منحت الأولوية لاحتياجات الحياة الأساسية، وامتحانات نصف العام الممتدة حتى ما قبل انتهاء المعرض بيومين، والأخيرة تعود بنا إلى تكرار التأكيد، على ضرورة أن تواكب إجازة منتصف العام الدراسي، ولو أسبوع واحد من معرض القاهرة الدولي للكتاب، الطلاب من مختلف الأعمار والمراحل الدراسية، هم في واقع الأمر قوة تمثل الوزن الأكبر من جماهيرية المعرض كله، وامتحان طالب واحد يقيد أسرة بالكامل عن زيارة معرض الكتاب.
لا يحتاج معرض القاهرة الدولي للكتاب سوى الالتفاف حوله من الجميع، الكل مُطَالَب بأن يقدم قدر ما يستطيع جهدًا يمثل رسالة داعمة له، مدارس وجامعات وأندية ومراكز شباب، وسائل إعلام مقروءة ومسموعة ومرئية، مؤسسات الدولة الرسمية على اختلاف مستوياتها، مؤسسات المجتمع المدني، شركات ومؤسسات القطاع الخاص، وحتى على مستوى الأفراد والجهود الذاتية، أذكر أنه منذ عدة سنوات وكنت أعمل وقتها في إحدى المؤسسات الطبية الخاصة الكبرى، وضيق الوقت قد لا يسمح للعاملين بالقطاع الطبي بزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، أذكر أننا أقمنا معرضًا موازيًا للكتاب داخل المؤسسة لمدة أسبوع بالتنسيق مع إحدى المكتبات الكبرى، وكان صداه عظيمًا إلى أبعد الحدود.
معرض الكتاب حدث وطني، لا يخص فئات معينة، أو هكذا يجب أن يكون، الهدف منه تعظيم قيمة المعرفة، والتأكيد على أهمية أن تأخذ القراءة مكانها ضمن أنشطة الحياة اليومية، يخطئ من يظن أن القراءة موهبة أو استعداد أو غيره، القراءة عادة يمكن اكتسابها بالممارسة والتدريب والتوجيه، وهي بطبيعتها ساحرة تأخذ بالأرواح قبل العقول، والحقيقة أن دور النشر على اختلاف تصنيفها تقدم في معرض الكتاب هذا العام عروضًا وخصومات هائلة، تصل في معظم الأجنحة إلى أكثر من 40% على عناوين مختلفة شيقة وجذابة ومقروءة، وتواصل هيئات وزارة الثقافة والمؤسسات الصحفية القومية طرح مطبوعاتها المدعمة المميزة، معرض القاهرة الدولي للكتاب يستحق الزيارة.