قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق ، لقد كان نوح -عليه السلام- يحب أهله، وكان قد منع شرعًا من الدعاء لزوجته الكافرة، فقال تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) ولما جاء الطوفان دعا ربه من أجل ابنه وقال : (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ) إنه الشعور الطبعي بين الوالد وولده حتى ولو كان عاصيا أو كافراً.
واضاف «جمعة» عبر صفحته الرسمية: «لم يكن نوح -عليه السلام- يجهل كفر ابنه ولا عصيانه، ولكنه يحاول في حدود المسموح له في الشريعة، وكان الرد عليه: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ) وهنا يلتزم نوح -عليه السلام- بالشريعة بالرغم مما ألم به من الألم على ابنه، وعلى مقاومة نفسه وكبح ما تدعوه إليه فطرته التي فطر الناس جميعا عليها من حب الولد، ولكن الشريعة جعلته يقول : (قَالَ رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ).
وتابع أن دراسة قصص الأنبياء -وهي كثيرة- بما نحاول أن نكشف عنه هنا، وتدبر ما في القرآن كله بهذا الشأن يبين لنا ملامح التعايش، ويكشف لنا عن صدق مقولة العلماء، وحكمة منهجهم في مقابلة هشاشة فكر التطرف والإرهاب، وفي مقابلة -أيضا- هشاشة موقف العلمانيين من الدين، وهذا كله واضح في التجربة المصرية.
وأضاف: «ويحلو لبعض الناس عن طريق استخدام قضية النسخ أن يلغي كل هداية قصص الأنبياء، بل أن يلغي كثيرًا من أحكام القرآن الكريم وهدايته، ولقد أثر ذلك تأثيرًا كبيرًا في قضايا مهمة تحتاج إلى مراجعة، وسنفرد لها أيضا مناقشات فيما بعد».
وأشار: «هذا المعنى - معنى الحياة والعقيدة- موجود أيضا في شريعة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فلو تأملنا آخر سورة المطففين، والله يتكلم عن جماعة من المجرمين يسخرون ويستهزءون بالدين، لوجدنا نفس المعنى، وهو ترحيل الأمر إلى الآخرة، مع النشاط الاجتماعي، والمحاورة، والجوار، ووصف الأمور بأوصافها الصحيحة و التعايش له معالم أخرى يحتاج إلى عمل ميثاق شرف يعمل به، قد يؤخذ من التجربة المصرية التي يجب أن نتوقف عندها حتى ندرسها كنموذج لهذا التعايش».