يحل رمضان هذا العام فيما يعيش العالم أزمة لم يشهدها منذ سنوات أعادت للأذهان زمن الحرب الباردة وربما أسوأ
لذا يتبادر إلى أذهان الجميع كيف يعيش مسلمو أوكرانيا رمضانهم في ظل الحرب.
ربما لا يكون مظهر "فانوس رمضان" كعادة مرتبطة بالشهر الفضيل ببعض الدول الإسلامية خاصة العربية موجودا في أوساط مسلمي أوكرانيا لكنه رمزيا بات مهددا أن تطفأه الحرب التي أطلق شرارتها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي.
"فانوس رمضان" عادة قديمة بدأت في الدولة العباسية (الخلافة الإسلامية قديما وكان مركزها بغداد) وكان هدفها إنارة الشوارع ليلا للمصلين لصلاة العشاء والقيام والتراويح، وتحولت في العصر الحديث مع وجود الكهرباء إلى لعبة للأطفال ترتبط بهذا الشهر تحديدا.
هناك الكثير من المساجد والحسينيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا
مسلمو أوكرانيا و رمضان الحرب
رغم أعدادهم القليلة قياسا بعدد السكان يمارس المسلمون في أوكرانيا العادات والفروض الرمضانية من الصيام والصلاة الجماعية ومساعدة المحتاجين والتهنئة والتزاور.
ويعتنق الإسلام في أوكرانيا (وفق المعلومات القليلة المتاحة) عدد قليل، ووفقا لإحصائيات عام 2016؛ يشكل المسلمون ما يقارب 0.9% فقط من مجموع السكان الكلي.
ووجود الإسلام في أوكرانيا قديم، يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر، وينتمي أغلب مسلمو أوكرانيا للمذهب الحنفي السني ويعد الإسلام أكبر ديانة غير مسيحية في أوكرانيا، ومعظم المسلمين الأوكرانيين هم من القرم.
الشعوب التركية الأخرى الأصلية في أوكرانيا تتواجد في الغالب في جنوب وجنوب شرق أوكرانيا وتمارس طقوسا أخرى من تعاليم الإسلام وتشمل الفولجا والأذريون وشعوب القوقاز والأوزبك.
وفي فبراير 2016 أحصى الشيخ سعيد إسماعيلوف (مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا) وجود مليون مسلم في أوكرانيا.
لكن مصادر أخرى ذكرت أن دخول الدين الإسلامي الى أوكرانيا يعود إلى بدايات القرن العاشر للميلاد عندما كان يأتي تجار مسلمون من الدول العربية، تركيا والقوقاز إلى أوكرانيا بغرض التجارة.
وقالت المصادر ذاتها وفقا لتقديراتها وهي غير رسمية إن هناك أكثر من مليوني مسلم في أوكرانيا، بحسب مركز إدارة شئون المسلمين في أوكرانيا ولدی هؤلاء المسلمين مساجد ومؤسسات دينية كثيرة أهمها أربعة مساجد وهي: مسجد "الجمعة" في شبه جزيرة القرم، ومسجد "كاخ خان"، ومسجد "الرحمن"، و مسجد "سلطان سليمان".
وفي حين أن المسلمين في أوكرانيا ليس لديهم هيكل حكومي أساسي فإن المجتمعات المسلمة المقيمة في المناطق متعددة الأعراق تخدمها مؤسساتها العرقية الإسلامية.
كما توجد المؤسسات الإسلامية الرئيسية التي تدعم المجتمعات في كييف وشبه جزيرة القرم وسيمفيروبول ودونيتسك (اعترفت بها روسيا خلال ال أزمة الحالية جمهورية مستقلة كما اعترفت بمقاطعة لوهانسك أيضا كجمهورية مستقلة)، كما توجد المجتمعات السلفية المستقلة في كييف وشبه جزيرة القرم، وكذلك المجتمعات الشيعية في كييف وخاركيف ولوهانسك.
رمضان في أوكرانيا
كان آخر تعامل للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي مع مسلمي أوكرانيا في رمضان العام الماضي حين هنأهم بنهاية شهر رمضان وإقبال عيد الفطر قائلا: "أعزائي المواطنين المسلمين، أخلص التهاني بمناسبة نهاية شهر رمضان والعيد، احتفال المسلمين في هذا الوقت المبارك بالأعمال الصالحة يمنح الدف إلى قلوبهم وقلوب الاقارب والأصدقاء والمحتاجين. أتمنى لكم عيدا سعيدا مليئا بالأمل نحو الأفضل. أتمنى لكم الصحة والسلامة والازدهار".
ولكن رمضان 2022 قد لا يكون لدى زيلينسكي متسعا لتهنئة المسلمين في بلاده ب رمضان في ظل حرب أوقعت مئات القتلى والمصابين ودمرت البنية التحتية للبلاد بشكل جزئي وخلفت قرابة 4 ملايين أوكراني ما بين نازح ولاجئ.
رمضان الفائت احتلت حملات توزيع الطرود الغذائية رأس قائمة النشاطات الرمضانية في أوكرانيا، بحكم الواقع الذي فرضته جائحة كورونا، وأدى إلى إلغاء كثير من الإفطارات الجماعية، التي كانت قبلة الصائمين مع أسرهم قبل الجائحة.
حملات توزيع الطرود جاءت بدعم من قبل سفارات ومنظمات خيرية ألمانية وتركية وإندونيسية وماليزية، إضافة إلى تبرعات جاليات وتجار وطلاب عرب ومسلمين، بعضهم يقيم في أوكرانيا، وبعضهم الآخر تخرج منها قبل أعوام طويلة، وفق القائمين على العمل الإسلامي في البلاد.
لكن العلم الحالي تتجاوز ال أزمة الأوكرانية حدود المساعدة الرمضانية لإغاثة ملايين النازحين واللاجئين من كل الأديان وليس المسلمين فقط.
وبمناسبة زابوريجيا الأوكرانية التي أثارت هلع العالم بعد أن تعرض مفاعلها النووي (أكبر مفاعل نووي في أوروبا) لإصابة طفيفة جراء الحرب فاثار مخاوف التسرب النووي وأعاد للأذهان كارثة تشيرنوبل النووية عام 1985 فقد شهدت العام الماضي نشاطا لمساعدة المحتاجين من المسلمين خلال شهر رمضان وقال حينها حمزة عيسى مدير مكتب "الرائد" في شرق أوكرانيا: "وزعنا أكثر من 12000 وجبة في زابوريجيا وحدها، وأعتقد أن الأرقام بالمئات أيضا في مدن لفيف وسومي".
وأضاف حينها: "اقترب رمضان من نهايته...، نسأل الله أن نكون قد وفقنا لصيامه وقيامه وخدمة المسلمين فيه على أفضل صورة ممكنة، وأن يبارك ويوفق كل من نظر إلى مسلمي أوكرانيا بعين الحرص والرحمة خلال هذا الشهر الفضيل، ويعوضهم جميعا خيرا كثيرا".