شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. نظير عياد في فعاليات الجلسة الافتتاحية لمؤتمر كلية أصول الدين بالقاهرة والذي يعقد تحت عنوان: "التنمية المستدامة في الفكر الإسلامي"؛ وذلك بحضور د. محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، د. علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، د. شوقي علام مفتي الجمهورية، د. محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر، نواب رئيس الجامعة، د. أسامه العبد رئيس جامعة الأزهر الأسبق، د. احمد عمر هاشم، د. يوسف عامر، وعدد من أساتذة وعمداء كليات الجامعة.
وقال الأمين العام خلال كلمته التي ألقاها إن هذا المؤتمر له أهمية كبيرة حيث يتضمن العديد من المحاورِ والقضايا التي تجمع بين القديم والحديث، وتحتاج إلى جهود حثيثة لتنزيل الأحكام الشرعية على واقعنا بكلِّ مُعْطياته المعاصرة تنزيلًا يليق بقُدْسِيَّة هذه الأحكام، من غير إفراط يدفع إلى التشدُّد البغيض الذي يقود إلى التطرف والإرهاب، أو تفريط يؤدِّي إلى الاستهانة بأحكام هذا الدِّين.
أضاف الأمين العام أن أهمية هذا المؤتمر تزداد عندما يأتي متعلقًا بالتنمية المستدامة في فكرنا الإسلامي، باحثًا عن مفهومها ومجالاتها، كاشفًا عن أهدافها وعوامل نجاحها، مبرزًا لصلتها بالمقاصد الشرعية والقواعد الفقهية، متوقفًا أمام بعض جوانب شريعتنا الغراء ودورها في إنجاح عملية التنمية المستدامة، متعرضًا لمشاريع قومية وقضايا جدلية ومشكلات اجتماعية وأنظمة مختلفة قد تكون اقتصادية أو أخلاقية أو ثقافية أو تجديدية أو بيئية أو عقدية وصلتها بالتنمية المستدامة، متوقفًا أمام معضلات حقيقية تمنع من التقدم، وتحول بين التحضر.
أوضح عياد أن الأزهر الشريف مؤسسة تجديدية؛ حيث اكتسب هذه الطبيعة من شريعتنا الغراء التي يعد التجديد لازمة من لوازمها، مشيرا إلى أنه على الرغم من حداثة مصطلح (التنمية المستدامة) فإن مفهومه ليس بجديد على الإسلام والمسلمين، فقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالعديد من النصوص التي تمثل الركائز الأساسية للتنمية المستدامة، وتضع الضوابط التي تحكم علاقة الإنسان بالبيئة من أجل ضمان استمرارها صالحة للحياة إلى أن يأتي أمر الله عز وجل.
ولفت إلى الأمين العام إلى أن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، لأن هذه الضوابط هي التي تحول دون أية تجاوزات تفقد التنمية المستدامة مبررات استمرارها، كما تُعنى بالنواحي المادية، جنبا إلى جنب مع النواحي الروحية والخلقية، فلا تقتصر التنمية المستدامة على الأنشطة المرتبطة بالحياة الدنيا وحدها، وإنما تمتد إلى الحياة الآخرة، بشكل يضمن تحقيق التوافق بين الحياتين، وجعل صلاحية الأولى جسر عبور إلى النعيم في الحياة الأخروية التي هي الحيوان، أي الحياة الحقيقية المستمرة بلا انقطاع وبلا منغصات.
وأكد عياد أن غايات التنمية في المنظور الإسلامي تتجه نحو تحقيق العبادة لله وحده، بتعمير الأرض بمنهجه وتحقيق الحياة الطيبة للبشر في الدنيا من خلال حفظ المقاصد الخمسة – الدين والنفس والعقل والنسل والمال- والسعي للفوز بالجنة في الآخرة؛ حيث أن مفهوم التنمية في الإسلام ينطلق من مبدأ تسخير الكون للإنسان ليعمر الأرض وفق مبادئ الحكمة الإلهية بما يحقق الخلافة في الأرض مع الحفاظ على حسن أداء الأمانة فيها وهو مفهوم شامل لنواحي التعمير في الحياة كافة.
وختم الأمين العام كلمته بعدة توصيات أهمها: ضرورة أن تتبنى وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية والصحفية قضايا التنمية المستدامة وربطها بالإطار المرجعي المنسجم مع الثقافة الإسلامية والعربية، ومنسجم مع الأعراف والقيم الأخلاقية، وتخصيص البرامج القادرة على توعية الجمهور بتلك القضايا، وضرورة أن تتضافر كافة الجهود في بلدان العالم الإسلامي والعربي وتتوحد الرؤى للقضاء على معوقات التنمية المستدامة؛ ومن ثم ينبغي العمل على زيادة التعاون بين دول العالمين الإسلامي والعربي في القضاء على ظاهرة البطالة والفقر من خلال الآليات المتاحة على الصعيد السياسي والاقتصادي، وضرورة وجود كيان اقتصادي وحدوي يوحد راية الدول الإسلامية والعربية تحقق أهداف التنمية المستدامة تحت أهداف مستقبلية مشتركة، وضرورة العمل على زيادة الوعي بقضايا وموضوعات التنمية المستدامة من خلال جهود بحثية وشراكات علمية؛ مؤكدا على استعداد مجمع البحوث الإسلامية إقامة هذه المشاريع وتلك الشراكات مع المؤسسات العلمية المختلفة والهيئات البحثية المعنية بهذا الشأن؛ إسهامًا منه في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبسط ما يتعلق بها قيامًا بالواجب والرسالة، إضافة إلى زيادة الوعي المجتمعي بقضايا التنمية المستدامة في هذا الشأن؛ بالتعاون مع المؤسسات والهيئات البحثية من خلال وعاظه وواعظاته وإصداراته لبسط ما يتعلق بهذا الجانب بصورة واضحة تحقق المقصود وتسهم في بناء الدولة، وإعمار المجتمع من خلال منظومة متكاملة علمية وفكرية ودعوية ومجتمعية.