الصراع الإثني في مجتمعات حوض النيل

الصراع الإثني في مجتمعات حوض النيلد. عبدالعزيز شاهين

الرأى22-3-2022 | 09:45

يهدف هذا المقال إلي تحليل الصراع الإثني بين جماعات إثنية متعددة في كل من بورندي و السودان شماله وجنوبه وأثيوبيا وتحليل محدداته في هذه المجتمعات. وتعرف الجماعة الإثنية بأنها جماعة اجتماعية تتميز بسماتها البيولوجية وخصائصها الثقافية خاصة اللغة والدين والقبلية عن غيرها من الجماعات الإجتماعية الأخرى ، وتعد مجتمعات بوروندى ، و السودان الشمالي والجنوبي ، وأثيوبيا من أكثر مجتمعات حوض النيل تفاوتا من حيث العرق والثقافة حيث يسودها قدر أكبر من التباينات العرقية والثقافية.

فالواقع الإجتماعى الثقافى لهذه المجتمعات يشير إلى أنها ليس لها حد أدنى من الاتفاق على الأهداف العامة أو الجماعية وليست هناك مؤسسات أو مبادئ أو قيم عامة يتبناها كل أفراد المجتمع وإنما هناك جماعات إثنية ذات أصول مختلفة ، وتحتفظ كل جماعة بدينها ولغتها وقيمها وأساليب حياتها الخاصة والعلاقات بين هذه الجماعات على هذا الشكل ليست علاقات تفاعل وإنما علاقات تماس فحسب.

وتتفق الإثنية فى بوروندى ، مع الإثنية فى كل من السودان الشمالي والجنوبي وأثيوبيا فى أنها تقترن بالتمايز الإجتماعى الطبقى بين التوتسى والهوتو، ويتمثل فى السودان بين الجماعات الإثنية فى شمال السودان وتلك التى فى جنوبه، ويتمثل فى أثيوبيا خاصة بين الجماعات الإثنية الكبرى المتمثلة فى الأمهرة والتيجراى والأورومو أو الجالا.

وبالدراسة المقارنة لهذه الجماعات الإثنية فى كل من بوروندى و السودان وأثيوبيا ، أمكن التوصل إلى ثلاثة نماذج مجتمعية نتعرف من خلال كل نموذج على طبيعة هذه المجتمعات من الناحية الإثنية وعلى طبيعة اللاتجانس الإثنى داخل كل نموذج من هذه النماذج المجتمعية.

فبالنسبة للنموذج الأول ، المتمثل فى مجتمع بوروندى فنجده ينتمى إلى المجتمع ذات الثنائية الإثنية حيث أنه يتكون من جماعتين إثنيتين هما الأغلبية المحكومة وتتمثل فى قبيلة "الهوتو" والأقلية الحاكمة وتتمثل فى قبيلة "التوتسى" . ويختلف الوضع الإثنى لهذا المجتمع الصغير عن الوضع الإثنى فى كل من السودان وأثيوبيا ، فى أنه لا يعانى من مشكلة ذات طابع لغوى أو دينى ، لأن جميع سكان بوروندى ، يتكلمون لغة محلية واحدة وهى لغة Kirundi ، وهى لغة وثيقة الصلة بلغة Kinyarwanda المنتشرة فى رواندا شمال بوروندى. وكونــها لا تعانى من مشكلة ذات طابع دينى ، لأن التوزيع الدينى فى بوروندى لا يتوافق مع التقسيم القبلى أو الإقليمى ، كما أنه لا يوجد دين رسمى للدولة.
أما النموذج الثانى المتمثل فى مجتمع السودان الشمالي والجنوبي نجده ينتمى إلى المجتمع ذات التعددية الإثنية تلك التى تنطوى على إنقسامات ذات طبيعة عرقية و دينية و ثقافية ، كما تقترن الإثنية فى السودان بالتمايز الإجتماعى أو الطبقى الذى أدى إلى إهتمام كل جماعة إثنية بمطالبها الخاصة الأمر الذى منع تكون أية إرادة جماعية بل منح كلا من الجماعات الإثنية فى الشمال والجنوب هيئة الأبنية الإجتماعية المستقلة فمجتمع السودان الجنوبي ليس له مطلب إجتماعى مشترك لتعدد ثقافاته .

أما النموذج الثالث المتمثل فى أثيوبيا نجده ينتمى إلى المجتمع ذات الجماعات الإثنية المتشرذمة ، ذلك المجتمع الذى يفتقر إلى الاتفاق حول القيم الأساسية ، نقص الحوار المفتوح بين الجماعات الإثنية ، الولاء يكون للجماعة الإثنية الفرعية على حساب الولاء للمجتمع ككل ، تعدد النظم التشريعية والتعليمية بمعنى إختلاف وتنوع الإطارات المرجعية. الأمر الذى أدى إلى غياب التفاعل بين هذه الجماعات ، وولد حالة من عدم الاستقرار السياسى، فأثيوبيا تعد نموذجا واضحا على التشرذم الإثنى وعدم التجانس وذلك من خلال وجود خليط إثنى واسع متناحر ومتصارع مع تعدد متباين فى الثقافات .

أن البعد الإثنى والثقافى يلعبان دوراً أساسياً فى تحديد هوية أى جماعة اجتماعية. ففى مجتمعات البحث يلاحظ أن الأشكال التقليدية "للهوية" تتراوح ما بين الجماعة الإثنية والقبلية وهى بذلك تتناقض وتتعارض مع الشعور أو الإحساس بالهوية القومية، فى حين أن بناء مجتمع متماسك يتطلب ـ كخطوة أولى وأساسية ـ تجاوز أطر الجماعات الإثنية والمحلية والقبلية لصالح بناء مؤسسات وأطر قومية شاملة أى إقامة جهاز سياسى وإدارى على مستوى الوحدة السياسية للدولة ككل بما يسمح بإشباع الحاجات المتزايدة للسكان وبما يمكن من القيام بتعبئة الموارد دون القضاء على خصوصية الجماعات الإثنية بل إبقاءها ضمن إطار المجتمع ككل.

كما أنه فى الوقت الذى فشلت النظم العسكرية ذات الحزب الواحد أن توفق بين الجماعات العرقية نجدها لم تشبع سعيهم من أجل العدالة الاجتماعية ، ولقد كان لكل من القسر الداخلى والتورطات العسكرية الحدودية أثرهما على برامج التنمية الاجتماعية ومن ثم استمرت العدالة الاجتماعية تزداد سوءاً وتدهوراً بالنسبة لكل الجماعات الإثنية وخاصة غير الحاكمة. فالتوزيع غير العادل لنواتج التنمية المشوهة أو الغير متوازنة زاد من حساسية التكوين الإثنى مما أدى إلى الانفجار الإثنى بين القوى المحرومة اقتصاديا واجتماعيا فى هذه الدول وبين القوى التى نمت شوكتها فى هذه الفترة. وعلى هذا النحو تعاظم الانقسام العرقى وإزداد كثافة بإنقسام طبقى يقوم بين أقلية حاكمة وأغلبية محكومة كما هو الوضع فى بوروندى .
وكان الحرمان الذى يجمع بين الطبقية والعرقية فى حاجة إلى عنصر خارجى آخر ليتحول إلى صراع مسلح علنى ومكشوف ، ألا وهو الحليف الخارجى سواء كان الحليف الإثنى فى الدول المجاورة ، وهو أن يكون للجماعة العرقية المتصارعة عشيرة عرقية فى بلدان مجاورة ، أو الحليف الأيديولوجى الخارجى الذى يجد فى الصراع العرقى فرصة لتوسيع نفوذه وتدعيم أيديولوجيته.

ومن محددات الصراع أيضاً ، ضعف العلاقة بين الصفوة العرقية والجماهير وغياب المواطن عن ميادين الحوار والصراع . فجنحت الصفوة العرقية القبلية عن واقع الحيــاة وكانت أبعد ما تكون عن الفريق المتجانس ؛ إذ أن المطامع الشخصية هى التى توجه تحركاتها علاوة على صراع الصفوات القبلية نفسها ، فهذا الصراع شبيه بصراع الأفيال الخاسر الأول هو العشب الذى تتصارع عليه ، وموضع الوطن فى هذه القضية هو موضع العشب.
وبجانب تشويه الاستعمار تركيبة البنية الإثنية لمجتمعات الدراسة من أجل خدمة أنماط الإنتاج ، نجد أنه قام بتغذية مشاعر العداء الإثنى بين الجماعات الإثنية المتعددة فى مجتمعات البحث ، وقد نتج عن هذا التشويه بنية صراعية اصطدمت بالحدود الاصطناعية التى وضعت بين الإدارات الاستعمارية ، والتى أُعتبرت كأساس لقيام الدولة الحديثة دون مراعاة للتركيبة الإثنية .

أضف تعليق