ظهرت فى الآونة الأخيرة مؤشرات تدل على أن التطور فى تكنولوجيا التسليح على وشك أن يشهد ثورة هائلة قد تؤدى إلى حدوث تغير كبير فى موازين القوى الدولية.
فخلال السنوات القليلة الماضية، تناثرت المعلومات عن بزوغ جيل جديد من الأسلحة تتميز بالسرعات الكبيرة جدا فى الوصول إلى أهدافها مع تمتعها بقدرات فائقة على المناورة حتى أنه يصعب اكتشافها ومن ثم التعامل معها وتدميرها يطلق عليها الأسلحة الفرط صوتية " hypersonic weapons"
وتشير المعلومات المتاحة إلى كلاً من الصين وروسيا قد قطعا شوطا طويلاً فى مجال تطوير الأسلحة الفرط صوتية إلا أن هذا الأمر ظل فى مرحلة عدم اليقين إلى أن فاجأت روسيا العالم فى 20 / 3 / 2022 أثناء عملياتها الحالية فى أوكرانيا وأعلنت رسميا عن أنها أطلقت أول صاروخ فرط صوتى من طراز "كينجال" فى أوكرانيا استهدفت بها مستودعات للوقود وأهداف عسكرية أوكرانية أخرى لم تصفح عنها.
قبل الدخول فى تفاصيل هذا الإنجاز علينا أن نشير إلى أن مصطلح السرعة الفرط صوتية يطلق عندما تتجاوز سرعة الهدف الجوى سرعة الصوت خمس مرات بمعنى أن تكون سرعته تتجاوز ( 5 ماخ ) وهو ما يعادل 2800 ميل /الساعة تقريبا ..
تكمن خطورة الأسلحة الفرط صوتية كون أن معظم الأسلحة الحالية المخصصة لمجابهة الأهداف الجوية لا تستطيع التعامل مع السرعات غير التقليدية للأسلحة الفرط صوتية فضلاً عن صعوبة اكتشافها رادارياً إلا قبل وصولها لأهدافها بلحظات قليلة مع الوضع فى الاعتبار أن قدرات الأسلحة الفرط صوتية عالية جداً على المناورة فضلاً عن إمكانية تحميلها بأسلحة نووية.
أصبح من الواضح أن القوى العظمى الحالية "روسيا – أمريكا – الصين " تخوض سباق للتسلح غير المعلن بغرض الحصول على أسبقية إنتاج وتطوير هذه التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة فى الأسلحة الفرط صوتية وتطبيقاتها المختلفة، حيث سبق وأعلنت الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الفضاء فى 6 / 8 / 2019 أنها قد حققت نجاحاً هائلاً عند إجراء تجربة لإطلاق صاروخ فرط صوتى أطلق عليه اسم ( starry sky-2) بلغت سرعته (6 ماخ) وأن هذا الصاروخ قادر على اختراق أى دفاعات جوية مضادة للصواريخ متاحة حالياً.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أدركت أن إمتلاك كلا من روسيا والصين لهذه التكنولوجيا يعد تهديدا مباشراً لأمنها القومى وعلى هذا الأساس، فقد تبنت أمريكا العديد من البرامج و المشروعات لتطوير قدراتها التسليحية فى هذا المجال إلا أن معظم هذه البرامج مازالت فى حيز التجارب وليس من المحتمل الوصول إلى نتائج ملموسه قبل نهاية 2022 وهو ما يعنى أن روسيا والصين قد حققتا تفوقا نوعيا على الولايات المتحدة فى هذا المجال حتى هذه اللحظة على الأقل.
من شأن الأسلحة الفرط صوتية "فائقة السرعة" أن تغير من التكتيكات العسكرية المستخدمة حاليا، حيث أصبحت بمقتضاها جميع الأهداف الاستراتيجية والقواعد العسكرية والأساطيل البحرية تحت التهديد المباشر للأسلحة الفرط صوتية، خاصة فى ظل عدم وجود نظام دفاعى مضاد لها حتى الآن ومن ثم فإن من يمتلك هذه التكنولوجيا أصبح يمتلك القدرة على الحسم لأى صراع عسكرى بنسب كبيرة للغاية لاسيما فى ظل تمتعها بالدقة الشديدة فى إصابة أهدافها ومدايات عملها الضخمة
و هو الأمر، الذى يدعو القوى العظمى صاحبة الأحلاف الاستراتيجية الكبرى إلى دراسة جدوى وجود قواعد عسكرية متقدمة فى دول الجوار الجغرافى للعدو المحتمل كذلك ضرورة وجود أساطيل تجوب البحار والمحيطات بغرض أن تكون قريبة من مسار الأحداث ومناطق التوتر والنفوذ، فالأمر أصبح أكثر سهولة، حيث يمكن للأسلحة الفرط صوتية أن تصل إلى أى مكان على وجه الكرة الأرضية فى لحظات معدودة ودون اعتراض.
ومن ثم يمكن توفير نفقات ومشقة عمل تلك القواعد والأساطيل المتقدمة خارج أراضى الوطن الأم.
الخلاصة أن تكنولوجيا الأسلحة الفرط صوتية من شأنها أن تعيد العلاقات بين القوى العظمى إلى أوائل القرن العشرين، حيث يتسابق الجميع على امتلاك وتطوير تلك التكنولوجيا باهظة التكاليف وهو ما يعنى البدء فى سباق تسلح جديد وهو ما بدأت ارهاصاته حاليا بالفعل، خاصة فى مرحلة ما بعد غزو أوكرانيا.
أصبحت التكتيكات العسكرية التقليدية فى حاجة إلى المراجعة الشاملة فى ظل المدايات الضخمة ودقة الإصابة والقدرات التدميرية غير المحدودة، التى تتمتع بها الأسلحة الفرط صوتية فى ظل أنها ذات طبيعة مزدوجة فى حمل رؤوس تدميرية تقليدية أو نووية طبقا للحاجة.
إن تسرب هذه التكنولوجيا أو الأسلحة الفرط صوتية إلى مناطق الصراعات الإقليمية من شأنه أن يغير من موازين القوى فى تلك المناطق بعيدا عن المقارنات العسكرية المعتادة، التى تعتمد فى مجملها على الأعداد المتاحة فى المعتاد ومستويات التدريب وهو أمر بالغ الخطورة ويدق ناقوس الخطر للجميع دون استثناء.