سهل فى الجامعة.. سهل فى الحضانة: أىّ مقعد!
فى معرض الحديث عن ضرورة الاهتمام بتعليم اللغات الأجنبية لمواجهة عهد الانفتاح، ينادى وزير التعليم العالى بضرورة الاهتمام ب اللغة العربية قبل غيرها من اللغات، بعد أن أصبحت لغة علمية حضارية.
مع بداية كل عام دراسى تطفو على السطح، سواء على صعيد التعليم العام أو العالى، قضايا معروفة ومشاكل متجددة، رسخت فى أذهان رجل الشارع أو ولى الأمر، بصورة يعتقد معها أنها أصبحت مستعصية أو مستحيلة الحل..
التعليم الجامعى: الإسكان الطلابى وضيق إمكانيات المدن الجامعية عن قبول كل الأعداد المتقدمة.. قلة الرعاية الاجتماعية للطلاب.. عدم استكمال الأجهزة المعملية أو إعداد المعامل والمدرجات، لتتسع لكل الطلاب.. الكتاب الجامعى وارتفاع سعره وتأخر وصول الملازم للطلبة فى وقت معقول، تعقيدات التحويل بين الكليات.. أزمة الرياضة فى الجامعات.. إلى آخر هذه القضايا..
التعليم العام: نقص أو اختفاء الكراريس والكشاكيل من السوق، العجز الزائد فى المدرسين وخاصة بين مدرسى اللغات والرياضيات والعلوم، تكدس المناهج وشبح الخوف والرعب لدى طلاب الثانوية العامة من طول المقررات والحشو الزائد فيها.. وعشرات أخرى من المشاكل التعليمية المتكررة سنويا..
هذه تكاد تكون حقائق معروفة لدى كل المتصلين ب التعليم والمهتمين بشئون التربية..
ولكن فى هذا العام الجديد.. أستطيع أن أؤكد أن شيئا ما قد تغير، وأن عملا جادا قد تم.. وأنا لا أدعى أن عصا سحرية قد دخلت المدرسة أو الجامعة، فحلت كل المشاكل فى يوم وليلة، ولكنى أدعوك على سبيل المثال لأن تذهب إلى جامعة القاهرة لتتبين حقيقة الموقف..
ستجد أيضا تغيرا كبيرا فى مفهوم الرعاية الاجتماعية للطلاب، بعد أن تلقت الجامعات نصيبها من مبلغ 800 ألف جنيه، خصصتها جمعية رعاية الطلاب برئاسة سيدة مصر الأولى جيهان السادات، للمساهمة فى الإسكان الطلابى والرعاية الاجتماية لهم، لقد أعدت كل جامعة استمارات وزعتها على الكليات المختلفة لصرف الإعانات والمساعدات المطلوبة، إن نصيب جامعة القاهرة مثلا مبلغ 80 ألف جنيه، وزعتها على الكليات فعلا، ويستطيع الطالب أو الطالبة فى أية كلية أن يتقدم لمكتب رعاية الطلاب بالكلية، لسحب الاستمارة وملئها حتى يمكن صرف المبلغ المطلوب فورا.. وهذا طبعا بخلاف المبالغ التى يمكن لنفس الطالب، أن يقترضها من بنك الطلبة (بنك ناصر).
تشعيب الثانوية العامة نتيجة عصر التكنولوجيا
ويمكن للطلبة الغرباء أيضا المقيمين خارج المدن الجامعية، أن يتناولوا وجبة غداء ساخنة وكاملة بمبلغ 6 قروش، وهو سعر رمزى إذا قورن بأية أسعار خارجية، وذلك فى المطعم الجديد الذى تم بناؤه خلال إجازة الصيف ليتسع لتغذية 15 ألف طالب وطالبة يوميا، ستتحمل جمعية رعاية الطلاب فروق الأسعار، وقد أعدت فروع للمطعم الجديد، بالكليات البعيدة عن الحرم الجامعى ككليات الزراعة والطب البيطرى والبشرى، لتقديم وجبات مماثلة لطلابها الغرباء بنفس السعر..
3 ورديات
ويستطيع الطالب الآن أن يستمع لأستاذه فى المدرج مستريحا، ويمكنه أن يجلس على المقعد دون حاجة إلى إحضار أو تأجير كرسى بلاج من أحد السعاة بمبلغ 15 قرشا فى اليوم، لقد استعدت الجامعة خلال الصيف لمواجهة الأعداد الهائلة من الطلاب سواء فى المدرج أو المعمل، قسم طلاب كل كلية إلى 3 ورديات، تبدأ فى الثامنة صباحا حتى العاشرة مساء يوميا، وهكذا يستطيع الطالب أن يدخل المعمل ليقوم بالتجربة العلمية بنفسه أمام جهازه لأول مرة، بعد أن تعود فى السنوات السابقة أن يسأل زميله الذى حضر مبكرا أو زاحم ليجد مكانا له فى المعمل!
وإذا اكتفينا بهذا القدر من التعليم الجامعى، وانتقلنا إلى عينات من مشاكل التعليم العام.. سادنا التفاؤل أيضا، الكراريس فعلا موجودة فى الأسواق، والكتب وزعت فى اليوم الأول، والشكوى الآن هى من تكدس بعض الكتب فى مخازن كل منطقة تعليمية، لعدم وصول مندوب من المدرسة ليتسلم حصتها!
على الطبيعة:
مثلا.. اكتشف صلاح الدين حسن وكيل وزارة التربية و التعليم بمحافظة الشرقية ذلك عند زيارته لمدرسة بندف الإعدادية المشتركة يوم 18 أكتوبر الحالى، شكا له الناظر من نقص كتب القراءة والنحو للصف الأول، وكتب التربية الدينية والجغرافيا ومعالم التاريخ والجبر والقصة والعلوم للصف الثالث.. بعد أن عاد وكيل الوزارة إلى مكتبه فى نفس اليوم، وبدأ التحقيق، وجد أن كل الكتب موجودة فعلا فى مخازن المنطقة تنتظر من يتسلمها من المدرسة، فأرسل على الفور خطابا بذلك إلى الناظر، وتسلمت المدرسة الكتب فى اليوم التالى مباشرة.
حتى النقص أو العجز فى المدرسين، هذه الظاهرة فى طريقها إلى الحل السليم.
مثلا.. اكتشف وكيل وزارة التربية للشرقية فى زيارته للمدرسة نفسها أيضا، غياب فؤاد عبد الرؤوف مصطفى مدرس المواد الاجتماعية، وأحمد خلف مدرس اللغة العربية، وأثناء السؤال عنهما وصل المدرسان فعلا، وقد تبين أنهما يحضران يوميا من القاهرة، فوجه الوكيل إليهما اللوم!
والغريب أن وكيل الوزارة اكتشف كذلك، أن ناظر المدرسة يتأخر يوميا نصف ساعة عن الموعد المحدد، بسبب سكنه فى القاهرة، فأمر بالتحقيق، وكتب خطابا بعد عودته إلى مكتبه مباشرة، لمدير منطقة منيا القمح التعليمية التابعة لها المدرسة، يقول فيه بالحرف الواحد "إن مدرسة فى الشرقية، تلاميذها فيما بين الاثنى عشر والخمسة عشر عاما، ويديرها ناظر يسكن فى القاهرة، لا يطمأن له ولا يرجى منه، ولا يوثق فيه!".
وعندما علم الناظر بذلك، اعتذر وفضل السكن فى الزقازيق فورا.. وهكذا حلت المشكلة بطريقة تربوية سليمة..
وإذا كنا متفائلين بإيجابيات العام الدراسى الجديد، فهناك قضايا تربوية وتعليمية واردة، قضايا أساسية لا يمكن السكوت عنها، وباعتبار أن قضية التعليم هى قضية كل بيت، كل أسرة، كل أب وأم، كل تلميذ وتلميذة، فقد التقيت بالدكتور مصطفى كمال حلمى وزير التعليم، باعتباره المسئول الأول عن التعليم العام والعالى فى مصر، أناقشه فى حوار طويل استغرق عدة ساعات بمكتبه حول هذه القضايا..
تعليم اللغات
وكانت أول قضية حول تعليم اللغات وخاصة الأجنبية، لماذا لا تهتم الدولة بتعليم اللغات الأجنبية بعد أن دخلنا عهد الانفتاح من جميع زواياه السياسية والثقافية والسياسية، مما يتطلب مواطنين يجيدون التحدث والكتابة باللغات الأجنبية!..
وكان رد الدكتور مصطفى كمال حلمى: ولماذا لا تسأل عن تعليم اللغة العربية أولا؟ وهى اللغة القومية التى تربطنا بتراثنا وعقائدنا، وإذا كان هناك من يقولون إن اللغة العربية ليست لغة علمية حضارية فهم مخطئون مغالطون، فهى لغة علمية حضارية أصيلة، وقد ثبت ذلك فعلا فى الماضى فى كثير من ميادين التخصص والعلوم، وإننى كوزير للتعليم لا أنسى ذلك السؤال الذى طرحه على أحد طلاب الثانوية العامة بمدرسة النقراشى الثانوية.. سأل الطالب:
"نحن ندرس اللغة العربية بمعدل يتراوح بين 5 و6 ساعات أسبوعيا لمدة 12 سنة متصلة من أول السنة الأولى الابتدائية حتى الثالثة الثانوية، وعدد الساعات المخصصة للغة العربية فى الصف الثالث الثانوى تزيد على عدد الساعات المخصصة لبعض مواد التخصص.. مثل الطبيعة أو الكيمياء أو الأحياء فما هو السبب فى أننا لا نقدر بعد هذا الكم من الدراسة.. أن نكون جملة صحيحة مفيدة؟ هل الخطأ هو خطأ الطالب أو خطأ الوزارة؟
وكان رد الوزير: أصلا الخطأ ليس خطأ الطالب، وعلى الوزارة أن تراجع نفسها وأن تقوم هذه الظاهرة الحقيقية، وأن تسعى جاهدة إلى الحل، تراجع الخطة والمنهج والكتاب وطريقة التدريس وطريقة الامتحان، وفى المقام الأول.. المعلم وإعداده وتدريبه، وهذه مسئولية قومية، يجب أن تشترك فيها كل الأجهزة القومية، ابتداء من مجمع اللغة العربية إلى الجامعات إلى رجال الفكر إلى رجال الدين إلى الأزهر.
وأكد وزير التعليم أن الاهتمام ب اللغة العربية لا يقلل من أهمية تدريس اللغات الأجنبية، لحاجتنا القصوى إليها فى عهد الانفتاح.. ولكى لا يمكن تصور توفير الإمكانيات لتقرر تدريس اللغة الأجنبية فى المرحلة الابتدائية كأيام زمان، لأنه توجد الآن 10 آلاف مدرسة ابتدائية، يتعلم فيها 4.5 مليون طفل، والمسألة ليست مجرد وضع حصة أو حصتين فى جدول الدراسة، وإنما هل سيكون هناك عائد حقيقى، وهل يوجد العدد المناسب والمؤهل من المدرسين القادرين على أداء هذه المهمة، وهل فى المقام الأول من الضرورى والحتمية أن يتعلم الطفل فى هذه السن (6 – 12 سنة) لغة أجنبية؟
هناك مدارس فكرية تربوية مختلفة.. منها من يرى ضرورة التركيز على اللغة القومية وحدها، فى البداية من سن 6 إلى 10 أو 11 سنة، وهذا الأمر متبع فى معظم الدول المتقدمة.
فالطفل فى فرنسا، فى السنوات الخمس الأولى من الدراسة لا يدرس سوى اللغة الفرنسية.. لغته القومية.
وفى انجلترا: يركز الطفل فى السنوات الأربع الأولى على اللغة القومية (الإنجليزية)، وحينما فكروا فى تدريس اللغة الفرنسية بعد 5 سنوات من بدء الدراسة، جربوا ذلك فى تلك المدارس، ولا يزال الأمر موضع تقويم.
وفلسفة التعليم الابتدائى فى أى مجتمع بدأت تتطور وتسمى ب التعليم الأساسى، بمعنى ما هى الأساسيات الواجب توافرها للطفل كضرورة لصحة المواطنة؟ فى المقام الأول اللغة القومية وبعض العمليات الحسابية ثم مواد اجتماعية، ومواد علمية، ثم قيم وسلوكيات روحية وأخلاقية ورياضية وفنية.. وبعد ذلك تأتى اللغة الأجنبية فى مرحلة تالية.. غالبا ما تبدأ فى كثير من دول العالم فى سن 12 أو أكثر، بعد أن يكون الطفل قد استوعب لغته القومية والمقومات الأساسية الأخرى..
مدارس الحضانة
وكانت القضية الثانية.. وهى بالغة الأهمية، حول مدارس الحضانة، لماذا يصبح قبول طفل عمره من 3 إلى 6 سنوات فى أية مدرسة أو حضانة أو روضة مشكلة المشاكل أو عقدة العقد؟ لماذا وجد كل طالب نجح فى الثانوية العامة مكانا فى الجامعة أو فى المعاهد، ولا نجد مكانا للطفل فى مدرسة أو حضانة؟ لماذا لا تهتم الدولة بالطفل وهو عماد التربية السليمة؟ لماذا لا توجد فى القاهرة عاصمة مصر – وتعدادها 8 ملايين نسمة – 20 مدرسة أو حضانة على الأكثر؟
وتكلم الدكتور حلمى بصراحة فقال: إن الوزارة لا ترفض بل توافق وتشجع على قيام هذه المدارس فورا، إننى أدعو الهيئات والمؤسسات لإنشاء فصول حضانة فيها، إن كل ما ترجوه الوزارة بالاتفاق مع وزارة الشئون الاجتماعية، أن تتوافر فى هذه الدور الإمكانيات الضرورية والرعاية الاجتماية والصحية.
وأثار وزير التعليم نقطة هامة حول الفصول غير التقليدية.. لابد أن تكون فى المؤسسات والمصانع وفى الشركات وفى التجمعات السكانية، بعد أن خرجت المرأة المصرية للعمل فى جميع هذه الجهات.. لابد أن تنشأ فصول غير تقليدية للحضانة، لحماية الأطفال فى هذه السن المبكرة من الضياع أو من العادات السيئة.. بتوفير مكان مناسب ورعاية اجتماية وصحية مناسبة، إننى أقصد بالفصول غير التقليدية تخصيص أية حجرة أو حجرتين كما يحدث فى دول العالم المتقدمة، فبعض هذه الدول يخصص بضع حجرات أو شقة أو شقتين كمدرسة للحضانة لأطفال العمارة نفسها، ويكون فيها نوع من الإشراف الدورى للأمهات، أو بعض المشرفات الاجتماعيات، وهذه تجربة موجودة فعلا فى مدرسة بمصر الجديدة..
وأعلن وزير التعليم أنه سيبدأ تجربة تخصيص غرفتين أو 3 حجرات من ديوان وزارته كفصول حضانة، ستستطيع كل أم من العاملات فى الوزارة أن تصحب معها أطفالها فى الصباح إلى حضانة الوزارة التى ستزود بمشرفة اجتماعية وأخرى صحية.
ولعل الوزارات الأخرى – وهى طبعا تضم مئات من السيدات العاملات – تقوم بتخصيص بضع حجرات فيها كدار حضانة، بل إنه من الضرورى أن تقوم المصانع الكبرى والشركات بتطيق هذه التجربة، التى ستؤدى حتما إلى زيادة الإنتاج الذى أصبح مطلبا قوميا لنا..
القبول فى الجامعات
وكانت القضية الهامة الثالثة حول القبول فى الجامعات وخاصة بعد تشعيب الثانوية العامة إلى 3 شعب: الرياضة والعلوم والآداب، هل سيستمر القبول كما هو على أساس المجموع الكلى للدرجات؟..
وكانت الحقيقة التى ظهرت من النظام الجديد، كما بينها الوزير، أن الارتباط بين مجموع درجات الطالب وتخصصه وبين الكلية المتقدم إليها، أصبح ارتباطا حقيقيا، وليس ارتباطا على غير أساس سليم.. مثلا: طالب شعبة الرياضة المتقدم لكلية الهندسة سيكون مجموعه من الرياضيات والطبيعة واللغات هو المعيار الحقيقى للقبول فى كلية الهندسة.. بعكس النظام الحالى حيث إنه من الجائز أن يكون مجموع الطالب المرتفع.. والذى التحق على أساسه بكلية الهندسة، مرده فى النهاية أنه حصل على درجة عالية فى المستوى الخاص للأحياء، وهى مواد لا ارتباط بينها وبين حاجة كلية الهندسة.
كذلك فى النظام الحالى.. من الجائز أن أحد الطلبة لم يلتحق بكلية الطب، رغم حصوله على درجات عالية فى المواد المؤهلة لها، وهى الأحياء والطبيعة والكيمياء.. وبسبب حصوله على درجات منخفضة نسبيا فى الرياضيات، لم يتمكن من دخول كليات الطب..
وعلمت أنه قد صدر تعديل لقرار تشعيب الثانوية العامة فيما يتعلق بالقبول فى كليات التجارة، بالنسبة للناجحين فى شعبة العلوم، فقد أصبح لهم الحق فى ذلك، بعد أن كان مقصورا على شعبتى الرياضة والأدبى وعالج النظام الجديد الخطأ الذى كان متبعا فى التقسيمات القديمة، فأصبح طالب شعبة العلوم يدرس رياضيات بواقع 4 ساعات أسبوعيا..
فالنظام القديم فى الأربعينيات، لم يكن يدرس الرياضيات لطلاب شعبة العلوم إلا هامشيا، كانت لها 10 درجات فقط وكانت ملحقة بالطبيعة، فكان من الممكن أن يأخذ الطالب صفرا فى امتحان الرياضيات، ولكنه فى نفس الوقت ينجح ويحصل على الثانوية العامة علمى..
والنظام الجديد يدرس لطالبة شعبة العلوم مقررا مناسبا فى الرياضيات، وهذا يسمح له بالالتحاق بكلية التجارة..
قضايا أخرى
هذه بعض القضايا التى آثرناها.. وفى العدد القادم سوف نتعرض لجانب مهم من قضايانا التعليمية، ومشاكلنا الشبابية الهامة.