قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن حسن اليقين في الله عز وجل هو ما يعين الإنسان على تحقيق "المستحيل" في الحياة، فيما عرّفه بأنه سكون واستقرار القلب إلى الله ومع الله حتى تشعر بالثقة والأمان والطمأنينة.
وأورد خالد في سابع حلقات برنامجه الرمضاني "حياة الإحسان"، الذي يذاع عبر قناته على موقع "يوتيوب"، نماذج وأشكالاً مختلفة من اليقين التي تقود الإنسان للوصول إلى درجة اليقين الكامل في حسن تدبير الله لأموره، ومن ذلك:
- في الدعاء: "أن تدعو الله وكل الأسباب توجه باستحالة تحقق ما تطلبه، وأنت مستمر بالدعاء يقينًا بأنه لا مستحيل مع الله عندما يشاء".
- في الرزق: "أن تبذل كل جهدك وأنت موقن 100 في المائة أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً".
- في الخير: "أن تنفق مالك في أوجه الخير والمحتاجين وأنت موقن تمام اليقين أنه "وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ".
كيف نتعلم اليقين؟
حث خالد على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، "الذين فعلوا في حياتهم أشياء غير عادية، ولم يكن ذلك إلا لليقين الذي زرعه النبي فيهم ليضحوا ويعطوا بهذا السخاء دون انتظار نتيجة.. فقط يقين في عطاء الله".
واستشهد بقول الله تعالى: " وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ"، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل".
ماذا يقول علم النفس الإيجابي عن اليقين؟
أجاب خالد بأن "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على تخيل المستقبل، والعقل الباطن لا يفرق بين الحقيقة والخيال، ولو رأى صورة تكررت أمامه يصدقها كأنها حقيقة تمامًا (حق اليقين)، ويجعلك تتصرف بسهولة وقوة بناء عليها".
لكنه بين أن "التخيل لا يأتي من فراغ، إذ لا يمكن تخيل شيء ليس موجودًا في عقلك الباطن، فالمعتقد الغيبي لابد أن ترى صورة غير ملموسة، واليقين غيب، والغيب حتى يصل لحق اليقين، لابد من تحريك الخيال، حتى يملأ العقل الباطن، لذا تكرار ذكر نعيم الجنة، تكرار الصلاة 5 مرات، تكرار الذكر يعطي صورة العقل الباطن ليحولها إلى يقين، فيعطي بلا حساب".
وأشار إلى أن "أقوى الصور الذهنية هي المرتبطة بالمعتقدات الروحانية، وعلى رأس المعتقدات، أقوى القناعات، فالقناعات الروحانية هي أقوى المحركات، وكلما كانت الصورة الذهنية أقوى زاد اليقين لدرجة أن تخرج أقوى عمل متميز لديك.. عمل غير عادي "إحسان العمل".
وأضاف خالد أن "الإسلام أعطانا أقوى صورة ذهنية لدى كل البشر والتي تتجسد في الإحسان، ومعناه: "أن تعبد الله كأنك تراه"، لأنك كلما نظرت في الكون وفي نفسك وفي حياتك سترى الله، رؤية ليست بالعين المجردة، وإنما رؤية داخلية مؤيدة بملايين الصور في الكون ونفسك وأسمائه الحسنى".
ووصف الإحسان بأنه "أقوى محرك للصور الذهنية في عقلك، يحولها إلى حق يقين وهو ما يدفعك لتخرج أفضل ما لديك. قوة وكثرة التخيل الروحي تحولها إلى يقين، ثم إلى فعل رائع غير عادي".
وتابع خالد شارحًا: "الخيال مبني على معتقد هو أقوى صورة... كرر الصورة (يقين).. فعل متميز.. إحسان: البداية بالإحسان الروحي، والختام: إحسان العمل. وهذا ما زرعه النبي في الصحابة.. صورة ذهنية رائعة متكررة تحت مظلة "كأنك تراه".
القرآن وتحريك الخيال الروحي
أوضح خالد أن هناك "مئات الدعوات إلى التخيل وردت في القرآن، منها قوله تعالى: "وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا"، " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ"، وتكرر ذلك في الحديث عن الجنة: "وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا"، "وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ".
وبين أن الذكر "هدفه تكرار الصورة حتى تثبت في العقل الباطن (لذلك الذكر مع الفكر).. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي".. "أنا مع عبدي ماذكرني وتحركت به شفتاه".
وعدّ خالد العرش "أعظم وأجمل مخلوقات الله.. وهو كالقبة فوق العالم"، موضحًا أن "السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والكواكب والسماء لم يصفها ربنا بالعظمة، لكن العرش لا يُعرض إلا بالعظيم، "فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ"، وهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ* ذُو العَرْشِ المَجِيدُ"، " حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ".
وقال إن "رصيد إحسانك في خدمة الدين موصول بالعرش"، مستشهدًا بأن الصحابي سعد بن معاذ عندما توفي اهتز لموته عرش الرحمن، وأن موسى متعلق بالعرش، وهناك آيات كثيرة ربطت عطاء موسى بالإحسان "إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ".
وخلص خالد إلى أنه عندما تعيش وكأنك ترى الله "ستقول بملء فيك: أحبك يارب، ومن كرمه على عباده المؤمنين أنهم يرونه ليكتمل حق اليقين، يجعلك ترى قدره فيك، لتذوب حبًا له وخجلاً من رد فعل في الدنيا".