على الرغم من جمال وروعة المؤتمر المهم، الذى نظمته مؤخراً لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة، تحت رعاية د.ايناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، ود.هشام عزمى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، بعنوان (الإعلام وتجديد العقل المصري)، إلا أنه كان سبباً فى شعور غريب تملكنى طوال فترة انعقاد المؤتمر الذى استمر لأكثر من ٥ ساعات متواصلة..
هذا الشعور، كان مزيجاً من "الرهبة" مما هو قادم، و"الخوف" على "المهنة" التى تعانى أمراضاً كثيرة معظمها وللأسف الشديد "أمراض مزمنة"..
ليس هذا وحسب بل أن ما دار من مناقشات على درجة رفيعة من الإحترافية تسبب أيضاً فى "تقليب المواجع" نتيجة الحال "المايل"، الذى صارت عليه صاحبة الجلالة التى ما زالت تقف "محلك سر" وإذا تحركت فإنها تسير كالسلحفاة، فابتعدت كثيراً عن قطار التطور السريع، وأصبح اللحاق به مسألة فى غاية الصعوبة، لأنه يجرى بسرعة فائقة ويدوس تحته كل شئ بلا هوادة وبلا رحمة.
روعة وجمال المؤتمر تكمن فى موضوعه وعنوانه، الذى اختاره بعناية فائقة، زملائى فى لجنة الإعلام، وذلك بالتنسيق والتشاور مع أمانة المجلس وأعضاء "لجنة حماية حقوق الملكية الفكرية" و"لجنة الثقافة الرقمية"..
أما التوقيت فكان أكثر من رائع، حيث جاء فى التوقيت المناسب، خاصة ونحن نستعد للدخول فى "الجمهورية الجديدة" من أوسع الأبواب، فكيف تكون هذه الجمهورية الجديدة قائمة فى الأساس على العلم والاعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة، بينما يظل الإعلام بأنواعه المختلفة، مسموع ومقروء ومرئى "نائماً فى العسل " وكأنه لا علاقة له بالجمهورية الجديدة التى يجب أن يكون الإعلام أحد أهم وأبرز أدواتها الأساسية خاصة فى القيام بمهمة نشر الوعى والترويج لتلك النقلة النوعية، التى بكل تأكيد سوف تأخذ الدولة المصرية إلى منطقة جديدة تماماً، منطقة لا يدخلها سوى الدول الكبرى قولاً وفعلاً.
الجلسة الأولى، التى أدارها الصديق د. جمال الشاعر، شارك فيها د. هشام عزمى، متحدثاً عن آفاق التعاون بين وزارة الثقافة والمؤسسات الإعلامية المختلفة، كما تحدث د. حسام بدراوى عن "دور الإعلام فى صناعة الوعى"، بينما تناول د. وسيم السيسى عن "الإعلام والهوية المصرية والاغتراب"، واختتمها د. زياد عبد التواب بحديث مستفيض عن الإعلام وتحديات الثورة الرقمية.
أما الجلسة الثانية، والتى أدارتها باحترافية شديدة أستاذتنا الفاضلة الدكتورة منى الحديدى، أستاذ الإعلام "المخضرمة"، تضمنت عدة موضوعات أخرى مهمة، حيث تناول د. سمير مرقص علاقة الإعلام بالجمهورية الجديدة، بينما أخذنا الصديق د. محمود مسلم، عضو مجلس الشيوخ ورئيس تحرير صحيفة الوطن إلى المنطقة الشائكة والتى تشبه حقل الألغام، حيث قدم لنا رؤية مختلفة لصناعة المحتوى الإعلامى، وكأنه قد فتح "دمل"!
فالأزمة الحقيقية فى الإعلام، هى افتقاد الرؤية فى صناعة محتوى إعلامى احترافى، يخاطب الناس بمفردات مختلفة وبأساليب مبتكرة، وفى نفس الوقت يعكس بصدق ما يتم تنفيذه من إنجازات غير مسبوقة فى جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة..
كما حدد الدكتور حسام لطفى، وبشكل مبسط دور التشريعات الاعلامية فى تحديث الخطاب الاعلامى.
لقد "خطفنى" الحديث عن "الرقمنة" والإعلام الجديد، بسبب شغفى الدائم بهذا المجال، الذى يأخذ من وقتى يومياً ما يقرب من ٥ ساعات فى البحث والدراسة وتعلم مهارات مختلفة حول أحدث الأساليب التكنولوجية التى يعتمد عليها الإعلام الرقمى الجديد وتقتيات الذكاء الاصطناعى، التى تشبه الى حد كبير ماء البحر الذى كلما شربت منه ازددت عطشاً.
لذا استوقفنى خلال المؤتمر تعبير رائع قاله د. زياد عبد التواب، حينما شبه الإعلام الرقمى الجديد بـ "كيس رقائق البطاطس"، الذى نمسكه بيد بينما اليد الأخرى تمسك بقطعة البطاطس وتضعها فى الفم، وقبل الانتهاء من التهام القطعة الأولى تكون القطعة الثانية على وشك الوصول إلى الفم، ويتكرر الأمر واحدة تلو الأخرى..
هكذا هو حال الاعلام الجديد الذى يتطلب صناعة محتوى قصير وسريع لأن المتلقى لا يملك رفاهية الانتظار.
لن أكون مبالغاً حينما أقول أن المؤتمر وهو على هذا النحو من القوة فى اختيار المشاركين قد يكون الافضل على الإطلاق بين أنشطة المجلس هذا العام، الأمر الذى يدفعنى للمطالبة بأن تصل توصيات هذا المؤتمر إلى الجهات المعنية ليتم وضعها فى الاعتبار..
هذا إذا كانت هناك رغبة حقيقة بالنهوض بقطاع الأعلام، أما إذا كان الأمر غير ذلك فعلينا أن نضع أيدينا على خدودنا كالعادة، ونقرأ الفاتحة على روح الإعلام التقليدي، الذى لم ولن يكون له مكاناً فى الجمهورية الجديدة، التى تأتى انطلاقا من استراتيجية بناء الإنسان المصرى٢٠٣٠.