تسجيلات اجتماعات مكتب إرشاد جماعة الإخوان من الداخل بالصوت والصورة، التي سجلتها وصورتها الأجهزة الأمنية المصرية، وتمت إذاعتها مؤخرًا ضمن حلقات الجزء الثالث من مسلسل «الاختيار»، كشفت عن الكثير من التفاصيل الدقيقة حول طبيعة الأنشطة السرية للجماعة وقياداتها، لا سيما فى مرحلة توليهم السلطة فى مصر.
يؤكد ذلك إدراك أجهزة الأمن المصرية ضرورة اختراق دوائر صنع القرار فى الهياكل التنظيمية للخلايا العنقودية والهرمية، لبيان حالتها الداخلية، والتعامل معها وفقًا لاستراتيجية «الضربات الاستباقية»، أو «التحرك المبكر»، والانتقال من خانة رد الفعل إلى ساحة السيطرة الكاملة.
اعتمد الأمن المصري عدة طرق فى الحصول على المعلومات، منها المداهمات تحقيقًا لاستراتيجية «المباغتة»، وجمع أكبر قدر من الوثائق والأوراق التنظيمية، أو زرع عناصر أمنية فى عمق التنظيم، أو التجنيد المباشر للقيادات الفاعلة، أو توظيف بعض العناصر الأصولية، تحت مصطلح التعاون والتفاهم، أو المصالح المشتركة، إذ نجحت الأجهزة الأمنية فى تدريب عدد من رجالها، وصبغهم سلوكيًا وفكريًا بتوجهات التنظيمات المتشددة، لدرجة وضعت أحد ضباط جهاز أمن الدولة، فى منصب النائب الأول لزعيم أحد التنظيمات التكفيرية المسلحة فى القاهرة.
كانت جماعة الإخوان تدرك أنها مخترقة تماماً من أجهزة الأمن المصري، لا سيما أن معظم الضربات التي لاقتها، كان للعنصر السري فيها دور فاعل، بخاصة القضية الرقم 1995/8 جنايات عسكرية، المعروفة بـ «مجلس شورى التنظيم»، فى يناير 1995، وكذلك القضية الرقم 99/18 جنايات عسكرية، المعروفة بقضية «النقابات المهنية»، فى ديسمبر1999.
وثائق سرية ضُبطت فى حوزة قيادات الإخوان، إبان نظام الرئيس مبارك، تضمنت رؤية شاملة لتجنب عملية اختراق التنظيم من قبل الأمن المصري، بعد تمكنه من تجنيد عناصر مؤثرة داخل الجماعة، وكشف الهيكل التنظيمي، والكيانات المالية، لدرجة دفعت الجماعة إلى تغيير مسئولي المكاتب الإدارية دوريًا، وقصر التفاصيل والمعلومات المهمة واللقاءات الخاصة على شخصيات محددة.
أخطر الوقائع التي تدركها جماعة الإخوان، اختراق الأمن المصري «مكتب الإرشاد» بالصوت والصورة، وتسجيل كل اللقاءات التي كانت تتم بين جدران مقر سلطة الجماعة، لا سيما فى منطقة منيل الروضة قبل أحداث يناير 2011، بالإضافة إلى عدد من المقار الرئيسية التي تحولت إلى غرف عمليات للجماعة ونشاطها تحت مسميات وهمية كمؤسسات تجارية، وشركات سياحية، ومدارس خاصة.
تعتبر أوراق القضية الرقم 87 لسنة 1992، نموذجًا لقدرة الأمن المصري على إسقاط النقاب عن الكهف التنظيمي للإخوان، بعد رصده احتفاظ قيادات الجماعة بوثيقة «خطة التمكين»، داخل مقر شركة «سلسبيل»، (أحد الكيانات التي أسسها خيرت الشاطر وحسن مالك)، وتضمنت بنوداً هامة حول مشروع السيطرة على مفاصل الدولة.
زادت محاولات الاختراق المعلوماتي للخلايا الإخوانية المسلحة وروافدها وفقًا لدرجات الخطورة التي تمثلها فى عمق الشارع المصري، فخلال نهاية عام 2013، تمكن قطاع الأمن الوطني، من اختراق اللجان الإخوانية، والحصول على جهاز «لاب توب» خاص بقائد الجناح المسلح، محملًا عليه التفاصيل الكاملة للخلايا النوعية التي أسسها محمد كمال، وخريطة الأماكن المستهدفة، ما أسهم فى اختراق تلك الخلايا المسلحة وتفكيكها مبكراً، فضلًا عن تجنيد عناصر فاعلة فى المؤسسات الإعلامية الإخوانية التي تبث من داخل تركيا وقطر ولندن.
نهاية عام 2016، كانت جماعة الإخوان على موعد مع مشهد جديد، أربك الحالة التنظيمية وضربها فى مقتل، عقب الاعترافات التي أدلى بها القائم بأعمال مرشد الإخوان حالياً، إبراهيم منير، أثناء استضافته فى برنامج «مراجعات»، الذي يقدمه عزام التميمي على قناة «الحوار»، من أنه ارتبط بعلاقات وثيقة بضباط جهاز أمن الدولة المصري خلال ستينيات القرن الماضي، وتم تكليفه بكتابة تقارير عن أفراد الإخوان، وأنه كان دومًا يلتقي اللواء حسن أبو باشا ( رئيس جهاز أمن الدولة حينها)، وعددًا من كبار الضباط، وأنه كان على علم بالمداهمات الأمنية منذ عام 1965، وأن الأمن المصري اضطر لاعتقاله خلال المداهمات، من باب التمويه، ثم الإفراج عنه، حتى لا تثار حوله الأقاويل والشكوك.