نجوم رمضان الغائبين.. نور الشريف

نجوم رمضان الغائبين.. نور الشريفمحمود عبدالشكور

الرأى13-4-2022 | 13:40

كان نور الشريف وسيظل أحد نجوم رمضان الكبار فى التليفزيون، ومثلما كان نجما سينمائيا متألقا ، فإنه كان أيضا من نجوم الشاشة الصغيرة ، بل إنه اكتشف تليفزيونيا أولا وقبل أن تكتشفه السينما .

أول ما أتذكره من مسلسلاته الرمضانية نور فى مرحلة الصبا حلقات " مارد الجبل" من إخراج نور الدمرداش، التى صاحبتها دعاية هائلة بسبب غياب نور لسنوات عن التليفزيون انشغالا بالسينما فى السبعينيات، وهو أصلا من ابناء التليفزيون، اكتشفه المخرج محمد فاضل، وقدمه فى حلقات "القاهرة والناس" الشهيرة.

كان "مارد الجبل" عن حياة الشاعر الصعيدى ابن عروس، وأتذكر مسلسلا رمضانيا آخر لنور هو " أديب" عن كتاب طه حسين الشهير، وفى رأيى أن دور نور فى هذا العمل هو الأفضل بين كل أعماله فى التليفزيون ، كما أن المسلسل الذى أخرجه يحيى العلمى من أفضل أعمال الدراما المصرية فى عصرها الذهبى . وذات رمضان ، إذا لم تخذلنى الذاكرة، عرض التليفزيون مسلسلا هاما ل نور الشريف هو "ولسة باحلم بيوم" من تأليف محسن زايد، وشاركته البطولة سميحة ايوب وصفاء أبو السعود ، ولعب فيه دور العمدة بطريقة خاصة ومميزة، وأتذكر بالطبع أعمال نور الرمضانية الأكثر شهرة مثل " لن أعيش فى جلباب أبى" و" عائلة الحاج متولى" ، و"عمر بن عبد العزيز" ، ومسلسل محدود الحلقات بعنوان "الثعلب" من ملفات المخابرات، وهناك أعماله الرمضانية الأخيرة الأقل مثل أجزاء حلقات "الدالى" ومسلسل "الرحاية" الذى قدم عبد الرحيم كمال كمؤلف تليفزوينى موهوب.
كان نور ذكيا فى اختيار أدواره التليفزيونية بشكل عام، لكن هناك أسئلة محيرة أطرحها دوما ولا أجد لها إجابة : لماذا لم ينتج نور للتليفزيون؟ ولماذا لم يتعاون مع أسامة أنور عكاشة فى التليفزيون مثلما تعاون معه فى السينما ؟ ولماذا لم يحاول إقناع مخرجى السينما مثل عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد بالإخراج للتليفزيون؟

كتبت كثيرا عن نور الشريف وتجربته الطويلة، وعن ثقافته وجهده فى تطوير نفسه، قلت إنه ليس مجرد مشخصاتى مجتهد أو عابر فى مسيرة السينما المصرية الطويلة، ولكننى اعتبرته دوما نموذجا لما نطلق عليه "فنان السينما" الذى يمارس التشخيص والإنتاج والإخراج، والذى يمتلك رأيا ورؤية عن مشكلات الصناعة وماضيها وحاضرها ومستقبلها، والذى يعرف كيف يقرأ ويحلل الأفلام القديمة والحديثة، فنان حقيقى أصقلت الدراسة والخبرة موهبته، وحافظت له على موقع متميز منذ النصف الثانى من الستينيات من القرن العشرين.

ليس سهلا ما فعله نور فى مشواره الطويل، ولست محايدا بالقطع فى الحديث عنه، فهو أحد أوائل الممثلين الذين عرفناهم فى صبانا المبكر فى السبعينيات، ونحن نكتشف عالمى التليفزيون والسينما، بل إن أول فيلم سينمائى شاهدته وأنا طفل فى دار العرض بمدينتى "نجع حمادى" كان من بطولة "نور الشريف"، مجرد فيلم هامشى فى مسيرته بعنوان "من البيت الى المدرسة"، بمشاركة نجلاء فتحى ومن إخراج أحمد ضياء الدين، ومن المسلسلات الأولى التى حفرت عميقا فى ذاكرة الطفولة حلقات "القاهرة والناس" بطولة نور وفاطمة مظهر وأشرف عبد الغفور ومحمد توفيق وكريمة مختار، لم أحب فى البداية أداءه وصوته العالى ومبالغته فى تحريك يديه مع كل جملة حوار تقريبا، ولم أحب أداءه فى عمل آخر من أعمال السبعينيات بعنوان "واحترق القناع"، ما زلت أتذكر بعض مشاهده، وطريقة نور المسرحية، ولكن الطريقة التى تمكن بها هذا الممثل الذى تخرج فى معهد الفنون المسرحية من تطوير نفسه تستحق الدراسة بالفعل ، وقد ظلت عندى دوما شيئا عظيما ولافتا .

تغيّرت نظرتى لأدوار نور الشريف مع مراحل نضجه المدهشة، حتى طريقته فى الحديث كانت مختلفة، أتذكر أننى شاهدت له حوارا كان يحلل فيه طريقة أداء عبد الحليم حافظ لأغنية "أهواك" من الخمسينيات إلى السبعينيات، فى حواراته المنشورة ما يكشف عن معاناة حقيقة بحثا عن طريقة للأداء أكثر بساطة، يتحدث مثلا عن أستاذين منحاه فى البدايات بعض المفاتيح: حسن الإمام الذى قال له : "قبل ما تقول الجملة بلسانك قولها بعنيك"، وسعيد مرزوق الذى جعل الممثلين على طبيعتهم، وكأن الكاميرا قد تسللت لتصورهم فى فيلمى "زوجتى والكلب" و" الخوف"، نور فى العملين يقدم نفسه بصورة أفضل بكثير لأنه تحت إدارة مخرج سينمائى كبير، لو تابعت المسافة الكبيرة بين خطواته الأولى وأدواره الناضجة كما فى "الكرنك" و" سواق الأوتوبيس" و"ليلة ساخنة" و"قلب الليل" و"دماء على الأسفلت" و"حدوتة مصرية" و"الإخوة الأعداء" و"آخر الرجال المحترمين" و"العار" و"ناجى العلى" و"بتوقيت القاهرة" ، لاكتشفت أن نور اشتغل بجدية ودأب ليقطع هذه المسافة ، ليس سهلا أبدا أن تعمل مع مخرجين متنوعين، وأن تحافظ على هذا المستوى الذى يعتمد على التحليل الواعى للشخصيات، وعلى تبسيط الأداء، مع اختيار سيناريوهات جيدة، إذ لا معنى أن تؤدى دورا لشخصية درامية مميزة ولكن فى سيناريو ردىء، وراء الإختيار دراسة ووعى هما اللذان جعلا نور يحافظ على تألقه رغم ظهور أجيال متتالية، ورغم أنه مر شخصيا بانتكاسة فى بدايته، كان يمكن أن تقضى عليه وهو فى أول الطريق.

الفنان الواعى بداخله هو الذى جعله يعترف بأقدار الآخرين فيقول إن محمود عبد العزيز يستحق جائزة أفضل ممثل عن دوره الإستثنائى فى "الكيت كات"مقارنة باجتهاد نور فى دور الأخرس بفيلم "الصرخة"، نور هو الذى رشح محمود ياسين للتكريم بدلا منه فى دورة جمعية الفيلم الأخيرة، قال لمن اتصل به: "محمود أولى منى بالتكريم"، ونور هو الذى منح فرصة الإخراج لأسماء جديدة هامة مثل محمد خان وسمير سيف، كان خان سينتج "ضربة شمس" من تحويشة العمر، ولكن نور تحمل مخاطرة الإنتاج، فى تجارب نورالتليفزيونية دور عظيم فى مسلسل بعنوان "أديب"، لا يتحمس لهذا الدور الصعب والمركب، ولايؤديه بمثل هذه البراعة سوى فنان مثقف وواع، ظل نور دائما يترجم حماسه إلى مشروعات، لايكتفى بالأحلام، فى وقت مبكر من نجوميته قبل دور مفتش البوليس الأقل فى مشاهده فى فيلم "سونيا والمجنون"، لعبه باقتدار ورسوخ، أراد أن يقدم الدور على الشاشة الكبيرة بعد أن لعبه فى مسرحية بالمعهد.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2