يحتفل العالم في 18 أبريل من كل عام بيوم التراث العالمي بهدف حماية التراث الإنساني والآثار القديمة والتعريف بها وهو يوم حددته منظمة اليونسكو باقتراح المجلس الدولي للمعالم والمواقع (ICOMOS) عام 1982 ووافقت عليه الجمعية العامة لليونسكو عام 1983، وأن احتفالية هذا العام جاءت تحت عنوان " التراث والتغير المناخى".
وفى ضوء ذلك يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث و الدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء ب وزارة السياحة والآثار إلى أن آثار سيناء جسّدت عبر عصورها التاريخية منذ ما قبل التاريخ ومرورًا بعصر مصر القديمة وفترة تواجد الأنباط بسيناء والفترة المسيحية والإسلامية نموذجًا حيًا للتفاعل بين الإنسان والبيئة الصحراوية والجبلية بسيناء وتطويعها لصالحه.
فمنذ ما قبل التاريخ بدأ الإنسان السيناوى الأول فى بناء مساكنه ومقابره التى تمتلأ بها مناطق جنوب سيناء مابين سانت كاترين ودهب ونويبع وهى عبارة عن مبانى عبارة عن دوائر من الأحجار الزلطية الكبيرة والمنطقة حولها مفروشة بهذه الصخور ذات البلاطات العريضة، وقطر هذه الدوائر ما بين متر إلى ثلاثة أمتار وطريقة بنائها برص الأحجار بطريقة بدائية دون استخدام مونة، ثم تطورت إلى مبانى بينها مساحة متسعة أكثر ارتفاعًا واتساعًا من الدوائر السابقة ويطلق عليها النواميس مدخلها بسيط وضيق لا يتسع إلا لشخص واحد على ارتفاع 50سم يعلوه عتب مما يدل على أن الأفراد كانوا يدخلونها زحفًا والحوائط مبنية بانحراف للداخل وسقفها من قبة ضحلة (غير عميقة) وتعتبر النواميس مرحلة بداية تكوين القبيلة حيث كانوا يعيشون فى مجموعات على هيئة دوائر ووسطهم أماكن الحيوانات.
وفى عصر مصر القديمة استغل المصريون القدماء ما تتميز به البيئة السيناوية وهو الفيروز ومنها جاءت تسميتها بأرض الفيروز لذلك أرسلوا البعثات لتعدين الفيروز والنحاس بسيناء منذ عهد الدولة القديمة ، وبعد ذلك عدّنوا الفيروز فى سرابيط الخادم، والنحاس فى وادى النصب الغربى وكانوا يستخدمون ميناء أبو زنيمة عند التوجه إلى سرابيط الخادم، وميناء أبو رديس عند التوجه إلى وادى المغارة.
ويضيف الدكتور ريحان إلى دور البيئة فى عصر الأنباط بسيناء الذى يمتد من القرن الأول قبل الميلاد إلى عام 106م نهاية دولتهم رسميًا رغم استمراهم كتجار حتى العصر الإسلامى وهناك قبيلة من أحفادهم بسيناء وهى قبيلة الحويطات، حيث استغل الأنباط البيئية السيناوية فى إبداع أعظم نظم الرى للاستفادة من مياه الأمطار والسيول وتحويلها من قوة مدمرة إلى مصدر للمياه العذبة كما استغلوا نحاس سيناء فى وادى النصب وقاموا بتعدينه، كما استغلوا نوع من الأحجار يطلق عليها الحجر المرجانى الذى ينتشر فى المواقع الساحلية فى بناء المنشئات الخاصة بميناء دهب المشرف على خليج العقبة.
وفى الفترة المسيحية بسيناء والتى ازدهرت من القرن الرابع إلى القرن السادس الميلاد لجأ الرهبان إلى سيناء هروبًا بالدين الجديد من وجه الرومان الوثنيين ثم عشقوا حياة الصحراء والبيئة السيناوية وأنشأوا الصوامع المنفصلة التى تطورت حتى وصلت إلى الأديرة المتكاملة وسكنوا الوادى المقدس "منطقة سانت كاترين حاليًا" واستفادوا من الجبال الجرانيتية والجبال من الحجر الرملى الأحمر بوادى فيران 60كم شمال غرب دير سانت كاترين وأنشاوا أول أبرشية لهم هناك منذ القرن الرابع الميلادى واستغلوا الغرين الناتج عن السيول فى عمل مونة البناء وطبقات الطلاء للحوائط كما صنعوا منه الطوب اللبن الذى استخدموه فى البناء وكان قويًا لدرجة بقائه فى البناء حتى الآن.
كما استفادوا من الجبال الجرانيتية فى بناء أشهر أديرة العالم وهو دير طور سيناء فى القرن السادس الميلادى والذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى بعد العثور على رفات القديسة كاترين على أحد الجبال الذى حمل اسمها وهو أعلى جبال سيناء 2246م فوق مستوى سطح البحر، واستخدموا جذوع شجر السرو فى الأسقف المنتشر بالمنطقة والذى يرمز إلى الخلود كما جعلوا سقف الكنيسة الرئيسية على هيئة جمالون لشدة البرودة بسانت كاترين وتغطيها بالثلوج فى الشتاء، كما بنى الدير باتجاه شمال شرق وجنوب غرب موازى لمجرى السيل حتى لا يجرفه السيل مع عمل أماكن لتصريف السيول التى تتسرب إلى الدير، كما استفادوا من الأحجار الرملية والجيرية بطور سيناء فى بناء دير الوادى هناك واستغلوا مصادر المياه العذبة هناك من عيون وآبار فى إنشاء مجتمعات رهبانية.
وينوه الدكتور ريحان إلى تفاعل الإنسان مع البيئة السيناوية فى العصر الإسلامى من استغلال مواد البناء المتوفرة لصالحه حيث أدخلت فى المبانى الساحلية نوع من الأحجار المرجانية التى تقاوم الأملاح بشكل كبير وهى أقوى من الجرانيت واتضح ذلك فى مبانى حصن رأس راية بطور سيناء ومبانى كاملة بتل الكيلانى من الأحجار المرجانية وفى النقطة العسكرية المتقدمة بنويبع أقدم مركز بوليس فى سيناء خاصة ومصر عامة والذى يعود إلى عام 1893م، كما أنشأ السدود لحجز مياه الأمطار وتحويلها من قوة تدميرية لمصدر للمياه العذبة واتضح ذلك قرب قلعة الجندى برأس سدر الذى بناها صلاح الدين الأيوبى فى الفترة من 1183 إلى 1187م، وفى جزيرة فرعون بطابا استغل صلاح الدين تلين مرتفعين بالجزيرة وبنى عليهما قلعته الشهيرة بجزيرة فرعون بطابا التى تعود إلى عام 1171م واستغل التل نفسه كمحجر للحصول على أحجار بناء القلعة كما استغل مستويات التل نفسه فى البناء طبقًا لمنحدراته واستغل مقومات الموقع الدفاعية من وجوده فى جزيرة وفوق تل مرتفع لتكون محصّنة ضد أى هجوم.