استكمالاً لسلسه مقالاتنا بشأن العمليه العسكرية الروسيه داخل الاراضى الأوكرانية، التى دارت رحاها إعتبارا من 24 فبراير 2022 وإستمرت حتى الآن لأكثر من 70 يوم قتال والتى تعرضنا فيها الى الاهداف التى تسعى
روسيا لتحقيقها جراء هذة العملية، بالإضافه الى أهم النتائج المترتبه عليها فى المجالين السياسي والإقتصادي.. فكان لزاما علينا ان نتعرض بالدراسه والتحليل لآداء القوات الروسية داخل الاراضى الاوكرانيه لمطابقه ما حققته تلك القوات حتى الآن من الاهداف المشار اليها سابقا من جهه ومن جهة أخرى الرد على بعض الآراء للمحلليين الإستراتيجيين ومنهم عسكريين للاسف ينتقدون آداء القوات الروسيه داخل اوكرانيا ناعتين إياها بعدم المقدره على حسم الامور والبطئ فى التنفيذ وعدم الجاهزيه ..!
بل تجاوزوا فى ذلك الى حد الزعم بأن العمليه ال
روسيا لم ولن تحقق أهدافها ..؟
وهنا يجب أن نشير الى أنه من المسلمات فى العلوم العسكريه وعلم الحرب أو فن الحرب..
أولاً- ان النصر فى المعارك يقصد به قدره الطرف المنتصر على فرض إرادته السياسه (شروطه) على الطرف الآخر وإجباره على تنفيذها خلال فترة زمنيه محدده كنتيجه لضغطه العسكرى فى ميادين القتال.
ثانيا - أن الخسائر الماديه فى المعارك فى الافراد او المعدات ليست مقياساً للنصر أو الهزيمه بينما المقياس الاشمل والاكثر وضوحاً هو مدى تحقيق الجانبين المتصارعين لاهدافهما العسكريه والسياسيه وهذا ما وضح جلياً على سبيل المثال فى معركه ( ستالينجراد ) خلال الحرب العالميه الثانيه حيث كانت خسائر الروس اكثر بكثير من خسائر الجيش الالمانى بقياده هتلر الا ان حمله هتلر فشلت وتوقفت قواته ولم تحقق اهدافها العسكريه وإستسلمت فى النهايه بعد قتال ضارى ..مما ادى إلى إعلان نصر الحلفاء وهزيمه هتلر .. ويعتبرها الروس النصر الذى أنقذ اوروبا من النازى وبالتالى فالحديث عن مقارنات حجم الخسائر يبدو غير منطقى فى العديد من المعارك ..بفرض صحه ما تعلنه هيئه الاركان الاوكرانيه وبعض الاذاعات الغربيه من اخبار نراها تدخل فى مجالات الحرب النفسيه اكثر منها انباء ومعلومات صحيحه ..فليس معنى إغراق الطراد الروسى موسكوفا او تدمير عدد من الآليات العسكريه الروسيه أن القوات الروسيه فشلت فى تحقيق أهدافها أو انها تعانى على حد وصف معظم المحللين ووكالات الانباء الغربيه والتى تشتهر اغلبها بعدم المهنيه .. وما حديثها المبالغ فيه عن الخسائر الروسيه تاره.. وعن القسوه المفرطه التى يتعرض لها المدنيين الاوكرانييين من قبل القوات الروسيه تاره أخرى إلا محاولات لحشد المجتمع الدولى وتجييشه ضد الروس بصرف النظر عن مشروعيه عمليه الغزو نفسها من عدمه ...ومن ثم فيمكننا إيجاز الموقف العسكرى الروسى على الارض كالتالى ..
- حققت القوات الروسيه حتى الآن بالفعل العديد من اهدافها الرئيسيه لعمليه الغزو والمتمثله فى السيطره شبه الكامله على مقاطعه لوهانسيك وعلى اكثر من 65%من مقاطعه دونيتسك حتى الان وبذلك تكون على الطريق لإنتزاع إقليم دونباس بالكامل من السيطره الاوكرانيه كخطوه اولى ثم إجراء استفتاء شعبى لضمه الى
روسيا كخطوة تاليه .
- جارى محاصره مدينه وميناء ماريوبول اكبر ميناء اوكرانى على بحر آزوف والذى تسعى
روسيا للاستيلاء عليه وقد نجحت فى ذلك الى حد بعيد ولم يبقى سوى مصنع آزوف ايستال المحصن محاصراً ومسأله سقوطه هى مسأله وقت وبذلك تكون
روسيا فى سبيلها الى تحقيق تانى أهم أهدافها وهو السيطره على الساحل الشمالى لبحر آزوف بهدف تأمين الملاحه الروسيه خلاله والاتصال المباشر البرى والبحرى بقاعدتها العسكريه فى شبه جزيره القرم المقر الرئيسى للاسطول الروسى فى البحر الاسود .
- جارى الضغط العسكرى الروسى على الجانب الاوكرانى من خلال تدمير البنيه التحتيه الاوكرانيه ومحاصره المدن الكبرى وعلى رأسها العاصمه
كييف مع تدمير كافه المواقع العسكريه والاداريه للجيش الاوكرانى وتحطيم قواته المسلحه والعمل على تهجير ملايين السكان المحليين بهدف إجبار القياده الاوكرانيه على التفاوض من موقع ضعف للوصول لاتفاق سلام يقر فبه الجانب الاوكرانى بكونه دوله تلتزم مبدأ الحياد وانها لن تسعى للانضمام لأى حلف يهدد امن وسلامه
روسيا وهو الهدف الاسمى لهذه العمليه .
- بإطلاق
روسيا لهذه العمليه تكون قد وجهت إنذاراً شديد اللهجه لجميع الدول الاوربيه ذات الحدود المشتركه مع
روسيا بأنه غير مسموح لهم بالإنضمام لحلف الاطلنطى او تقديم اى خدمات لوجيستيه له وإلا لن يكون مصيرهم افضل من اوكرنيا التى اعادتها الضربات الروسيه سنوات عديده للخلف .
أما فيما يأخذه بعض المحللين السياسيين من بطء النجاحات التى تحققها القوات الروسيه على الارض وارجعوا ذلك الى سؤ التخطيط وضعف الإعداد والتحضير للمعركه ...فهو أمر غير وارد وانما مرجعها الرئيسى هو ان تلك القوات تخوض قتالا غير نمطى فهى تخوض معركه مدمجه تجمع بين تكتيكات مواجهه قوات تقليديه اوكرانيه او جيوب من المقاومه والمرتزقه المنظمه ثم عليها استهداف مدن بعينها ومن ثم استخدام تكتيكات القتال فى المدن وبالتالى فإن تنوع اساليب القتال بين الحرب التقليديه ثم إقتحام المدن الآهله بالسكان إستلزم استخدام تكتيكات القتال الغير نمطى على الاقل اثناء اقتحام المدن دون إحداث خسائر تذكر فى قاطنيها من المدنين ودون التورط فى حرب شوارع من شأنها ان تزيد من الخسائر الروسيه الى الحد الذى يصعب إحتماله ومن ثم فقد إستخدمت القوات الروسيه تكتيكا بسيطا يعتمد على حصار المدن المستهدفه ..وقطع الامدادات العسكريه والاداريه عنها ..ثم تدمير البنيه التحتيه لها وما يتبعها من قطع جزئى او كلى للمياه والكهرباء ثم تدمير كل المخازن اللوجيستيه او العسكريه .. بهدف الضغط على السكان المحليين و اجبارهم على مغادرة مدينتهم من خلال ممرات إنسانيه يتم فتحها فى مرحله لاحقه تحت إشراف القوات الروسيه ..مما يسهل مهمه القوات الروسيه فى إقتحام المدينه دون مقاومه تذكر بعد تفريغها من معظم سكانها محققه الحفاظ على الارواح وتجنب التورط فى مذابح جماعيه تزيد من الاحتقان الدولى ضد
روسيا مع تنفيذ اهداف العمليه فى الوقت نفسه ..ولكن ماعاب هذا التكتيك هو حاجته لوقت طويل نسبيا إذا ماتم تفعيله ضد كل قريه او مدينه يتم أستهدافها اما ما يقال عن فشل القوات الروسيه فى إحتلال
كييف ... فأكاد أزعم ان
كييف لم تكن أبدا هدفاً رئيسياً للقوات الروسيه وإنما ممكن أن تكون هدف ثانوى أو خداعى أو مجرد ورقه ضغط على القياده الاوكرانيه عديمه الخبره العسكريه والسياسيه لاجبارها على التفاوض المبكر وهى فى موقف الضعف ومن ثم تنفيذ المطالب الروسيه كامله.. وهو ما يبدوا ان فطن إليه الجانب الاوكرانى مؤخراً حيث أبدى عدم الجديه فى مفاوضات السلام الجاريه برعايه تركيه تحسباً لتغيير الاوضاع على الارض مع قدوم الدعم الغربى من الاسلحه والمعدات .. وهو ما قد يجبر الروس أيضاً على الإسراع من وتيره أعمال قتالهم خلال الفتره القادمه من خلال استخدام القوات الروسيه لتكتيكات قتال أخرى تحقق لها أهدافها فى اقل وقت ممكن ..نظراً لتسارع وكثافه عمليات إمداد الكتله الغربيه لاوكرانيا بالسلاح وهو ما من شأنه أن يزيد من الخسائر الروسيه بدرجه كبيره خلال المرحله المقبله وإن كان من الصعب أن يغير نتائج أعمال القتال ليجعلها فى صالح القوات الاوكرانيه التى دمر سلاحها الجوى وسلاحها البحرى ومعظم وسائل الدفاع الجوى بها دون أن تستدعى
روسيا قوات الإحتياط أو تستخدم أى من اسلحتها الغير تقليديه او السيبرانيه حتى الآن.