مى رشدى صالح تكتب: بين نتن الوحل وبرودة العنب!

مى رشدى صالح تكتب: بين نتن الوحل وبرودة العنب!مى رشدى صالح تكتب: بين نتن الوحل وبرودة العنب!

*سلايد رئيسى11-3-2017 | 23:52

بنى إليك أكتب:

«أعرف أنك شديد الظمأ وأن سعار العطش بلغ منك كل مبلغ وأن الكرمة البائعة أمامك قد تهدلت أغصائها وتدلت أعناقها وأن نفسك تتفلت منك وتتوق إلى بلوغ الكرم لينضح بشرابه كبده وأنك تقف موقف الحائر فى الحياة أتقدم أم تحجم؟

فتارة تدفعك حرارة الظمأ أن تخوض هذا المستنقع لتصل إلى الكرمة، وتارة تطير وراء برودة العنب ثم تتقاعس أمام وخامة طين المستنقع ونتانة الوحل لتعدل عن رأيك وتفرغ ولهك إلى طراءة الكرم تحاول مرارا أن توازن نفسك بين نتانة الوحل وبين برودة العنب.. والآن بنى تذكر..

ألا تكون ذلك الشهوان بالخطيئة اعتمادًا على التوبة ولا تستخف بنتانة المستنقع كما يستخف الظمأ إلى العنب بالوحل اعتمادًا على الغسل.

وتذكر أن لابد للجرح من أثر وللنتن الخبيث من زفر كثير من الناس قبلك ظنوا أن المستنقع قريب الغور سهل المعبر وجربوا أن يخوضوا التجربة ولاح لهم أنه لا يلوث إلا أقدامهم هذا الأذى فى جانب ما يبغلونه قليل فأطاعوا أهواءهم واستجرهم شيطانهم ثم وضعوا أقدامهم فى النقع فغاصت فيه الأقدام حتى الرُكب.

حنيئذ وقفوا مترددين مرتابين يداورون الأمر فى نفوسهم ويقولون:«لعل الرجوع أحمد مغبة من المزيد من الخوض» ولكن عناقيد الكرم أمامهم لا يستطيعون أن يديروا أعينهم عنها فعادوا وقالوا: أما وقد بلغنا ما بلغنا فليس من الرأى أن نرجع ويذهب ذلك العناء باطلًا.. لا ينبغى بعد ذلك أن نكترث لما نلاقى من الوحل قل أو كثر سنعود لاحقًا وننقى الجسم ونطهر الثياب إذا ما أغتسلنا فى أول نهر نجده ثم يمضون على هذه الفكرة فى عزم ويبلغ الطين صدورهم ثم أعناقهم ثم شفاههم ثم ما يلبث أن يطم فوق رؤوسهم فتضيق صدورهم وتتحشرج أنفاسهم ويكاد الخناق يصرعهم لولا أن استجمعوا قواههم ونهضوا نهضة بلغتهم جانب الكرم بأغصانه المتهدلة.

وهم عند خروجهم من المستنقع تجد الحمأ المسنون يسيل من أعضائهم ثم هاهم يأكلون من الأشجار التى اشتهوها حتى اكتظوا ونفختهم التخمة ثم انظر إليهم الآن وهم فى خجل وأسف من بشاعة منظرهم وقبح ما يرتدون -وأنظر إليهم يخلعون الثياب وعليها النتانة والوحل وهم يبحثون عن ماء رائق يطهرون به أنفسهم ويذهبون به الرجس والآثام- ولكن هيهات يا بنى أن يتم لهم ما يريدون إنهم مهما فعلوا فإن الرائحة الخبيثة باقية تسطع فى الأنوف وتدفع فى الحلوق لقد نفذت أبخرة المستنقع فى لحمهم وإلى عظامهم ثم أخذت تفوح وتنتشر فكونت من حولهم جوًا فاسدًا غضًا لا يطبق الصبر عليه إنسان ولا يستطيع الدنو منه أحد.

لقد أرادوا أن يكونوا مع زواحف المستنقع وأصروا على ما فعلوا فليكن لهم ما أرادوا.

فهم الشاب ما كتبه جده إليه وما كتبه إلى والده من قبل وتعلم الحكمة من تمثيل الرذيلة بالمستنقع وبرودة العنب بتحقيق شهوانية الإنسان ووضع نصب عينيه أنه مهما كانت شدة الظمأ فإنه لن يطفى لهيب الرغبة فى الحرام ولن يقترب من عناقيد تدلى وتنضج فى الكرمة إلا فى الحلال لأنه لا يستطيع أن يتحمل غم الإثم ولا يريد أن يستجيب للحظات ضعف آدمى تذله أمام نفسه وتكسر عزته بدينه وحبه لربه واستحبابه أنعمه وخيره ولأنه يستحى أن يمشى على الأرض بأمره وهو عاصى ويخاف أن يرفع الله ستره الجميل عنه فينفضح فى الدنيا والآخرة وأن يتعرى أمام الخلائق بسبب ذلة انغمس فيها دقائق معدودة فباعدت بينه وبين جنات النعيم دهورًا ودهورًا وأنه أولى به أن يستقيم وينفض عن نفسه ثقل وبال الرذائل وأن يخلص فى حياته الدنيا لما جاء فيه النهى فينتهى وما حل فيه الأمل فيعمل به فالقضية منتهية منذ الأزل وشريعة الله واحدة فى الأرض منذ أن خلق آدم والحياة أجمل وأروع فى كنف الله حين يصنع أحد عباده على عينه كما صنع موسى كليمه على عينيه فما أعذب كلمة (يارب) من قلب يفرغ من هموم الدنيا وثقلها ذلك القلب الذى إذا أحب يحب فى الله وإذا كره يكرهه فى الله والذى على هدى الحبيب صلى الله عليه وسلم يشهد الكون كله وتشهد معه عناقيد الكرم كلها إنه يعمل ليوم تنقلب فيه القلوب وتشخص فيه الأبصار ولا يخاف لومة لائم فى الحق ولا فى تقوى رب العرش العظيم.

    أضف تعليق

    طحن العظام وتدمير الأوطان

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2