أشاد مصرفيون وخبراء اقتصاد بقرار البنك المركزي برفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 20 نقطة أساس ما يعادل 2% ليصل إلى 11.25% و12.25%و11.75%، على الترتيب ورفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 11.75%.
وأكدت تحليلات الخبراء أن القرار يسهم في الحفاظ على الاستثمارات غير المباشرة، ويعزز من أدوات حماية النشاط الاقتصادي من الضغوط التضخمية العالمية، المتزايدة على خلفية تصاعد وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية وما يصاحبها من تحديات اقتصادية عالمية باتت تثير مخاوف غالبية الدول وفي قلب منها الدول صاحبة الاقتصاديات الأكبر والأكثر تطورًا عالميًا.
أكدت تحليلات الخبراء أن القرار يسهم فى حماية الاقتصاد المصرى من جهة وحماية المواطن من جهة أخرى من ركود اقتصادى عالمى متوقع، فى ظل ما تشهده الأسواق العالمية من مخاطر عدم الاستقرار فى سلاسل الإمداد العالمية، انعكاسا للتداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها على أسعار الطاقة والسلع الغذائية الأساسية وما ينجم عن هذه الاضطرابات من تزايد الضغوط التضخمية، السطور التالية تلقى الضوء على قرارات لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى المصرى برفع سعر الفائدة فى ضوء رؤيتها لمؤشرات النشاط الاقتصادى والمتغيرات العالمية، وتقييمات الخبراء والمصرفيين لأهمية القرار.
حماية الاقتصاد المصرى
وأوضح البيان الصادر عن لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى أن القرار يستهدف بشكل أساسى حماية الاقتصاد المصرى من تبعات الأزمات الاقتصادية العالمية المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية.
وذكر البيان أنه على الصعيد العالمي، اتسم النشاط الاقتصادى العالمى بالتباطؤ جراء استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وما نتج عنها من اختناقات فى سلاسل الإمداد والتوريد أدت إلى ارتفاع الأسعار عالميًا على مستوى السلع الأساسية خاصة القمح، وأسعار الطاقة، ذلك بالإضافة إلى تأثر حجم المعروض العالمى من القمح بسبب الأحوال السيئة للطقس وانخفاض المحاصيل فى مناطق معينة، وفى ذات الوقت.
تشديد السياسات النقدية
وأضاف البيان أن هذه المتغيرات أدت إلى تقييد الأوضاع المالية العالمية، حيث استمرت البنوك المركزية على مستوى غالبية الدول فى تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد وخفض برامج شراء الأصول لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم فى بلادهم، وأنه علاوة على ذلك، تثير عمليات الإغلاق التى تم فرضها مؤخرًا فى الصين مخاوف بشأن إمكانية تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.
وأوضح البيان أنه قبل اندلاع الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا، كانت البيانات الأولية تشير الى استمرار النشاط الاقتصادى المحلى فى الارتفاع خلال الربع الرابع من عام 2021، حيث سجل الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى معدل نمو قدره 8.3٪، وهو ثانى أعلى معدل نمو منذ الربع الثالث من عام 2002. وجاء ذلك مدعومًا جزئيًا بتعافى النمو فى قطاعات السياحة والتشييد والبناء والصناعة بالإضافة إلى الأثر الإيجابى لفترة الأساس الناجم عن انخفاض معدلات النمو فى ذات الفترة من عام 2020 نتيجة تدابير احتواء جائحة كورونا.
وتابع أن معظم المؤشرات الرئيسية للنشاط الاقتصادى بدأت فى العودة إلى وتيرتها الطبيعية مؤخرًا، ومن المتوقع استمرار هذا الاتجاه على المدى القريب، بالتوازى مع تلاشى الأثر الإيجابى لفترة الأساس، وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادى تباطؤاً فى النمو مقارنة بالمعدلات المتوقعة سابقًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية.
وفيما يتعلق بسوق العمل، فيؤكد البيان أن معدل البطالة انخفض خلال الربع الأول من عام 2022 مسجلاً 7.2٪. ويرجع هذا الانخفاض إلى الزيادة فى معدلات التوظيف التى حدت من الزيادة فى القوى العاملة.
وبحسب البيان ارتفع المعدل السنوى للتضخم العام إلى 13.1٪ فى أبريل 2022، من 10.5٪ فى مارس 2022، مسجلاً أعلى معدل له منذ مايو 2019. كما استمر المعدل السنوى للتضخم الأساسى (وهو ما يستبعد الخضراوات والفاكهة الطازجة والسلع والخدمات المحدد أسعارها إداريًا) فى الارتفاع ليسجل 11.9٪ فى أبريل 2022، من 10.1٪ فى مارس 2022، وهو أعلى معدل مسجل له منذ أبريل 2018، وقد جاءت تلك الزيادة مدفوعة بارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل أساسي، والتى دعمها أيضًا ارتفاع أسعار السلع غير الغذائية.
وأضاف البيان أنه على الرغم من تأثر كل من السلع الغذائية والسلع غير الغذائية بانخفاض قيمة الجنيه المصرى اعتبارا من 21 مارس 2022 والنمط الموسمى لهما، إلا أن هناك العديد من العوامل الأخرى التى ساهمت فى ارتفاع أسعار السلع الغذائية، مثل أحوال الطقس غير المواتية، وارتفاع أسعار الأسمدة، والتى أدت لحدوث صدمة عرض فى الطماطم، وبالإضافة إلى أثر الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار القمح، وأسعار السلع الغذائية الأخرى، وهو ما ساهم فى استمرار الأثر الموسمى لشهر رمضان، وأثر موسم الأعياد خلال أبريل 2022 فى زيادة أسعار السلع الغذائية الأساسية الأخرى.
وأوضح البيان أنه فى ضوء هذه المؤشرات، وكذا المخاطر المحيطة بالتضخم، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزى بواقع 200 نقطة أساس، ويعد ذلك إجراءً ضروريًا للسيطرة على الضغوط التضخمية، كما يتسق مع تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، جدير بالذكر حسب البيان أنه يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم، والحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض لما لها من تأثير على توقعات التضخم وتخطى المعدلات المستهدفة والمعلن عنها مسبقًا، وبالنظر إلى الآثار الأولية لصدمات العرض حاليًا، فمن المتوقع وبشكل مؤقت ارتفاع معدلات التضخم نسبيًا عن معدل التضخم المستهدف للبنك المركزى والبالغ 7٪ (± 2 نقطة مئوية) فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، وذلك على أن تعاود معدلات التضخم الانخفاض تدريجيًا.
وتؤكد لجنة السياسة النقدية أن تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدى المتوسط هو شرط أساسى لدعم القوة الشرائية للمواطن المصرى وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة، كما تؤكد اللجنة أن أسعار العائد الحالية تعتمد بشكل أساسى على معدلات التضخم المتوقعة وليس المعدلات السائدة، مؤكدة أنها تتابع عن كثب كل التطورات الاقتصادية ولن تتردد فى استخدام كل أدواتها النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
الحفاظ على الاستثمارات
أكدت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، أن رفع البنك المركزى للفائدة للمرة الثانية على التوالى قرار صائب ويسهم فى الحفاظ على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة فى الجنيه المصرى «أذون الخزانة»، كما أنه يسهم فى مواجهة الضغوط التضخمية الحالية والمتوقعة المترتبة على قرار البنك الفيدرالى الأمريكى «المركزى الأمريكي» برفع سعر الفائدة للمرة الثانية فى اجتماعه بداية الشهر الجاري.
وأضافت أن القرار يسهم فى السيطرة على التحديات التى يواجهها الاقتصاد المصرى نتيجة لخروج ما يقرب من 20 مليار دولار من الاستثمارات غير المباشرة فى مصر منذ بداية العام نتيجة لمستجدات الأوضاع العالمية، خاصة ما يتعلق بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وإعلان بنك الاحتياطى الفيدرالى بدء سياسة رفع أسعار الفائدة، عدة مرات على مدار العام الجارى بالتزامن مع تطبيق برامج للتشديد النقدى عبر وقف الحزم التمويلية الداعمة للنشاط الاقتصادي.
الضغوط التضخمية
ومن جانبه أكد محمد بدرة، الخبير المصرفى، أن قرار البنك المركزى برفع الفائدة يعزز من قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة الضغوط التضخمية ويسهم أيضا فى الحد من خروج الاستثمارات غير المباشرة فى أدوات الدين نتيجة لقرار البنك الفيدرالى الأمريكى برفع سعر الفائدة على الدولار للمرة الثانية فى اجتماعه الأخير.
وأضاف أن القرار يسهم فى حماية الاقتصاد المصرى من انعكاسات ركود اقتصادى متوقع فى ضوء تزايد معدلات التداعيات الاقتصادية السلبية للحرب الروسية الأوكرانية .
محدودو الدخل
ومن جانبه أكد د. فخرى الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن قرار البنك المركزى شديد الأهمية ويسهم فى تعزيز جهود الدولة لكبح جماح التضخم المستورد الناجم عن الزيادة غير المسبوقة فى معدلات التضخم على المستوى العالمي، مؤكدًا أنه يحد من آثار موجات التضخم العالمية المتوقعة على الاقتصاد المصرى ويعزز من أدوات حماية محدودى الدخل.
وأضاف أن معدلات التضخم العالمية تتخذ معدلات متزايدة بالتزامن مع زيادة وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية، مما دفع البنوك المركزية فى غالبية دول العالم وفى مقدمتها الدول الأوروبية الأكثر تقدمًا إلى اتباع سياسة نقدية متشددة، من بين أهم أدواتها رفع سعر الفائدة.
وأشار الفقى إلى أن البنك الفيدرالى الأمريكى وبنك إنجلترا المركزي، رفعا سعر الفائدة لكبح جماح التضخم، لافتًا إلى أن مخاطر موجات ارتفاع التضخم العالمية تؤثر بشكل أساسى على الشرائح الاجتماعية محدودة ومتوسطة الدخل فى الدول النامية ومنها مصر، مؤكدا أن قرار البنك المركزى برفع سعر الفائدة يسهم فى حماية محدودى الدخل من مخاطر هذه الارتفاعات المتزايدة عالمية فى معدلات التضخم.
وتابع أن قرار البنك المركزى برفع سعر الفائدة، يستهدف زيادة معدل جاذبية الجنيه المصري، ومواكبة رفع أسعار الفائدة العالمية، وكبح جماح التضخم، والحد من مخاطره على محدودى الدخل.
وفى سياق متصل أكد أن زيادة أسعار الفائدة تسهم فى الحد من الانعكاسات السلبية للارتفاعات المتوقعة فى معدلات التضخم خلال الأشهر المقبلة فى ظل زيادة وتيرة الصراع بين الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، والتكتل الشرقى ممثلا فى روسيا والصين، علاوة على التوقعات بإطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية.
التضخم المستورد
ومن جانبه أوضح تامر الصادق الخبير المصرفى، أن قرار المركزى برفع سعر الفائدة يعزز من قدرة الاقتصاد المصرى على الحد من مخاطر التضخم المستورد بعد قرار الفيدرالى الأمريكى برفع الفائدة، مؤكدًا أن قرارات البنك المركزى السابقة برفع سعر الفائدة فى اجتماعه الاستثنائى فى مارس الماضى وإصدار بنكى الأهلى ومصر شهادة الـ 18% ساهمت فى تحجيم تداعيات قرارات الفيدرالى الأمريكى برفع سعر الفائدة فى المرة الأولى، على الاقتصاد المصرى وأن قراره برفع سعر الفائدة للمرة الثانية حوالى 2% يسهم فى حماية الاقتصاد المصرى من مخاطر الضغوط التضخمية المستوردة المتوقعة وتداعياتها على الاقتصاد المصرى كما يسهم أيضا فى امتصاص السيولة، مشيرًا إلى أنه يسهم فى الحد من قروض الأفراد بهدف الإنفاق على السلع الترفيهية.