يظل أحمد حلمي أحد أكثر ممثلي الكوميديا موهبة، وأكثرهم بحثًا واجتهادًا ، فى تقديم الجديد والمختلف من الأفلام، ويمكن القول أيضا أن هيثم دبور كاتب سيناريو واعد وذكي وفاهم، ومحاولاته فى السينما متنوعة، وتدل على طموح كبير أيضًا فى تقديم أفلام مختلفة، أو عمل أفلام جيدة الصنع، فكيف كانت محصلة تعاون حلمي مع دبور فى فيلمهما "واحد تاني"، الذي عرض فى موسم عيد الفطر، من إخراج مخرج شاب متميز أيضا هو محمد شاكر خضير؟!
الحقيقة أن هذا الفيلم لا ينقصه الطموح، وفيه الكثير من المواقف الكوميدية المبهجة، لكن مشكلة الفيلم الجوهرية فى أن اللعبة التي يقوم عليها، وهي وجود شخصيتين متناقضتين داخل شخص واحد ، قد استغرقت الكتابة تماما فى إمكانياتها وخيالها وضحكاتها، حتى أدت الى تشوش الفكرة، وإفساد معنى الدراما، ويبدو أن هذا التشوش ناتج أصلا من وجود عدة أفكار متداخلة أثناء كتابة المعالجة ، وكأن مشكلة بطل القصة مصطفى ، الذي لعب دوره أحمد حلمي بحضور وبخفة ظل، وحيرته بين عالمين مختلفين، وبين أفكار متناقضة ، قد انتقلت بدون قصد إلى السيناريو نفسه !
فكرة تنازع شخصيتين داخل رجل واحد قديمة منذ رواية "دكتور جيكل ومستر هايد"، لكن هناك فيلم شهير لجيم كاري بعنوان "نفسي وأنا وآيرين"، يستلهم هذه الازدواجية داخل شخص واحد، لكن فى سياق آخر، أما قصة تغير تركيبة الشخص من خلال اختراع جديد، فيذكرنا بالطبع بفيلم "بلا حدود" أو"limitless"، لكن هيثم لم ينقل هذه الأعمال الأدبية أو الأفلام، إنما استلهم ومزج بين حكاية التجربة العلمية العجيبة، وبين انقسام البطل إلى قسمين، فأصبحنا أمام بناء مركّب، يؤدي إلى مفارقات كوميدية صاخبة إلى ما لا نهاية، وذلك عندما يقرر مصطفى، الأخصائي الاجتماعي فى السجون، أن يأخذ لبوسة ابتكرها العالم علوان (سيد رجب)، من أجل أن يستعيد مصطفى شغفه بالحياة، ويستعيد القدرة على أن يحقق أحلاما نسيها، كأن يصبح عازف درامز جيدا.
لكن التجربة لا تحوله تماما إلى شخص آخر، بل تجعله منقسما بين شخصيتين يتبادلان الظهور والاختفاء، هما مصطفى المحافظ وغير المغامر، وإكس الذي يستمتع بالحياة، وبالنقود، ويعيش للمتعة والسعادة، وتتصاعد المفارقة بشكل جيد عندما يغازل مصطفى وإكس نفس الفتاة، وهي زميلة الماضي فيروز (روبي)، وعندما يتورط كل من مصطفى وإكس مع مسجون خطير وشقيقه التوأم (عمرو عبد الجيل)، ثم تزيد المفارقة عندما لا يتبادل مصطفى وإكس الظهور والاختفاء يوما ويوم فحسب، لكنهما يتبادلان الظهور بين دقيقة وأخرى.
استهلك الفيلم تقريبًا كل الإيفيهات الممكنة لحكاية اللبوسة، وظروفها، ثم استهلك كل مواقف لعبة الظهور والاختفاء للشخصيتين، وارتبط ذلك بتحول شكل الشعر فى كل حالة، هناك خيال جيد، وانتقالات سريعة بين الشخصيتين، إلى درجة لخبطة المتفرج، لكن بعد هذه الألعاب المتواصلة، والضحكات القائمة على كوميديا الموقف، والإيفيهات والإيحاءات أيضا، يظل السؤال هو: ما مشكلة مصطفى الذي دعته لسماع كلام صديقه جاسر (أحمد مالك) الذي أخذ اللبوسة فاستعاد شغفه وصار مبتكرا وصاحب شركة ناجحة ؟
نفهم أن مصطفى يريد أن يكون ناجحا مثل زملائه، ويريد أن يحقق أحلامه كمؤلف كوميكس، وكعازف درامز، لكن مصطفى سيقرر بشكل غريب أن يتخلص من إكس، بل نرى مصطفى وهو يؤلف قصة كوميكس أفضل من إكس، الذي أفسد حياته، فلماذا إذن كانت المغامرة منذ البداية ؟
فى مشهد عجيب، نرى مصطفى وهو ينصح زميلة له فى شركة جاسر بأن تحقق ما تريده هي، وليس ما يريده والدها، ويسقط ذلك على مشكلته هو، وكأن أزمته أنه لم يتحقق، وهو أمر مختلف عن فكرة "استعادة الشغف"، ومختلف أيضًا عن فكرة ثالثة هي "النجاح فى العمل"، هذه ثلاثة أفكار مشوشة فى الفيلم، وفى ذهن الشخصية، وهي ثلاثة أفكار مختلفة عن بعضها البعض.
المدهش أن مصطفى لن يعجبه شغف إكس، ولن يجعله ذلك يتذوق الحياة، مع أن هذه الوصفة هي سبب شغف جاسر، وشغفه سر نجاحه فى شركته الخاصة، والمسألة لا علاقة لها بانقسام مصطفى بعد التجربة إلى شخصيتين، لأن ملاحظات مصطفى عن إكس تتعلق بعدم تذوق الحياة، كما كان الأمر فى الماضي.
الخلل إذن يكمن فى عدم تحديد مطلب مصطفى بالضبط، مما أدى الى تشوش حقيقي ليس بين مصطفى وإكس، إنما بين ما نراه أمامنا من صراع، وبين حاجة مصطفى أصلا إلى وجود إكس، لأنه قادر بشخصيته على استعادة الشغف والابتكار، فإذا كانت تلك هي فكرة الفيلم الأصلية الغامضة، أي أن الشغف يكون من داخل الفرد، وبدون اللجوء إلى الخارج، أو بدون اللجوء إلى أدوية غريبة، فكيف نبرر نجاح نفس العلاج فى تغيير حياة جاسر بمؤثر خارجي؟ وكيف يمكن أن يتحول شغف إكس بالحياة إلى شر بالنسبة لمصطفى مع أنه سر نجاح جاسر؟!!
لا مفر من الاستنتاج بأن هذا التشوش ناتج عن تداخل الأفكار أثناء كتابة المعالجة، والأعجب أن مصطفى، الفاشل وفق منطق الفيلم، هو الذي سيعيد الشغف إلى فيروز بالعودة للغناء، مثلما أعاد الشغف لزميلته بهوايتها القديمة لصناعة الشنط، فإذا أضفت إلى ذلك عدم تفسير رغبة سجين، يلعب دوره محمود حافظ، بأن ينتحر بعد خروجه من السجن، وضعف حجة المجرم فى تهديد مصطفى لكتابة تقرير لعدم الإفراج عن توأمه السجين، رغم أن تقرير مصطفى ليس أساسيًا فى هذا الإفراج، وإذا توقفت مثلي عند شقة فاخرة، وأموال ضخمة، يمتلكهما موظف بسيط فى السجون، فإنه يمكن القول إن السير وراء الضحكات والإفيهات والمفارقات، قد أحدث فوضى وثغرات مزعجة جدا فى نهاية المطاف، رغم الاعتراف ببراعة المخرج، وتميز موسيقى ساري هاني، ومونتاج محسن عبد الوهاب، وتصوير بيشوي روزفلت، وديكورات أحمد شاكر خضير، ورغم إجادة أحمد حلمي للشخصيتين، ووجود الكثير من المشاهد الكوميدية الجيدة.
الدراما فى النهاية ليست مجرد مفارقات، إنما لابد من فكرة ومعنى، حتى لا يضيع الجهد، وسط رحلة يفترض أن يكون لها هدف، بدلا من أن تزيد البطل والجمهور، تشويشا والتباسًا.