تساءلت مجلة «ديبلوماتيك كوريير» الأمريكية هل انتهى عالم منتدى دافوس الاقتصادي إلى الأبد عقب عودته من بعد انقطاع إزاء تفشي جائحة كورونا عالميا خلال العامين الماضيين وولوجه في فترة جديدة من الصراع الجيوسياسي والسياسات الحمائية والإقليمية.
ورأت ال مجلة الأمريكية أن المنتدى الاقتصادي العالمي، هذا العام، في جبال الألب السويسرية كان ظلًا لما كان عليه في السابق. ففي العقود الماضية، كان الحدث مليئًا بالتفاؤل تمت فيه صياغة اتفاقيات سلام جديدة، وكانت الأسواق الناشئة تدفع نفسها نحو الازدهار، وكانت الديمقراطية في طريقها إلى التقدم. وكما قال الكاتب الشهير في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، بدا العالم "مسطحًا" على نحو متزايد مع اختفاء كل العقبات القديمة أمام الترابط الدولي.
وأشارت ال مجلة إلى أن كل شيء في الماضي كان ينم عن التفاؤل إلى حد ما بل وكانت قلة تعتقد أن الحياة الوردية قاب قوسين أو أدنى.. لم يكن هناك من ينكر أن الأمور كانت تتحسن وأن دافوس كان المكان المناسب للذهاب لتكريم روح العصر.
ولكن هذا العام بدا الطقس ينم عن التشاؤم بالحديث عن الحرب والعقوبات والتضخم ونقص الإمدادات. وعلى الرغم من سعي المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إلى طمأنة الجميع بأنها لا تتوقع حدوث ركود اقتصادي لكن حالة الاكتئاب كانت المزاج السائد في معظم المناقشات الرسمية وغير الرسمية.
وأوضحت ال مجلة الأمريكية أن حالة التشاؤم أمر مبرر بالتأكيد فمع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب الروسية ضد أوكرانيا فإن أي تعامل مع الاقتصاد الروسي أو الكرملين سيظل خارج حدود معظم دول العالم - وبالتأكيد الغرب - في المستقبل المنظور، وفي نفس الوقت أصبح مسار الصين غير مؤكد بشكل متزايد.
وألمحت ال مجلة إلى أن قادة الدول يشعرون بحالة من عدم الارتياح إلى حد ما بشأن التزام الرئيس الصيني شي جين بينج الأخير بصداقة "بلا حدود" مع روسيا، ناهيك عن استراتيجيته "صفر إصابات كورونا"، والتي أغلقت شنجهاي - مركز الديناميكية في الصين- وأدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.
وقالت الصحيفة إلى أن الأمر ليس كئيبا مائة بالمائة فلقد كان النضال ضد كورونا انتصارًا للعلم وفي النهاية لفكرة الاقتصاد العالمي المفتوح. وأكدت ال مجلة أن عدم المساواة في توزيع اللقاحات والعلاجات والاختبارات ستترك وصمة عار على استجابة المجتمع الدولي؛ لكن بسبب الموجة الأولى من القيود التجارية وإيثار اللقاحات على البلاد المصنعة أدى في النهاية إلى مزيد من التعاون. وأكد العامان الماضيان على قيمة التعاون العلمي العالمي والأسواق المفتوحة وسلاسل التوريد الفعالة.
ويقدم الوباء دروسًا مهمة لإدارة التحديات المستقبلية، لا سيما تغير المناخ.. وفي حين أن التطورات الأخيرة قد أضافت بعض التشاؤم إلى الجدل حول المناخ، إلا أنه قد يكون هناك جانب إيجابي. فإن الارتفاع السريع في أسعار النفط والغاز أدى إلى خلق حوافز قوية لتسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة والبديلة. وإذا كان بإمكان العلم توفير لقاحات، فيجب أن يكون قادرًا أيضًا على مواجهة التحدي المناخي. وبالفعل، هناك وعي متزايد بأن المشكلة تتطلب اهتماما عاجلا.
كما خطت الرقمنة خطوات كبيرة خلال الوباء فلقد أعطت عمليات الإغلاق الشاملة للجميع دورة تدريبية مكثفة في الأدوات الرقمية. وستعمل التقنيات والعمليات التي تم تبنيها أثناء الوباء على تحويل العديد من القطاعات الاقتصادية لسنوات قادمة. فعلى المستوى العالمي، تزدهر تدفقات البيانات عبر الحدود وتستمر في النمو سنويًا.
وحتى عند النظر إلى المشهد السياسي القاتم، يمكننا أن نرى بصيصا من الأمل في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أدت الطلبات المقدمة من فنلندا والسويد للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى تجديد مصداقية الحلف وأهميته، وعزز العلاقات عبر الأطلسي. وأما الاتحاد الأوروبي فبعد أن تجاوز توقعاته في حشد الدعم لأوكرانيا، يبرز الآن كركيزة أساسية في النظام الأمني الأوروبي.
وعلى نطاق أوسع، استعاد الغرب الديمقراطي بعض قوته المفقودة في معارضته القوية والموحدة لروسيا.
وبالنظر إلى المستقبل، ستكون القضية الدولية الحاسمة هي كيفية الحفاظ على التعاون العالمي بشأن التحديات العالمية وستكون روسيا خارج الصورة لكن الصين ستظل لاعباً رئيسياً إلى جانب الدول ذات الصلة بشكل متزايد مثل الهند.. ويبقى أن نرى ما الذي سيخرج من أنقاض مجموعة العشرين هذا العام، إن وجد. وأن إنشاء مجموعة جديدة ذات عضوية أكثر صلة لن تكون أسوأ نتيجة.
وخلصت ال مجلة الأمريكية القول بأن أيام مجد دافوس القديمة قد ولت بالتأكيد فلقد أصبح العالم مليئا بالخنادق والحواجز الجديدة لكنها ليست كلها سيئة.. قد يكون الاكتئاب النفسي الحالي غير مبرر مثل حالة الحماسة في الأعوام الماضية.. ولذا يجب أن نركز على أن نكون واقعيين وواضحين بشأن التحديات العالمية المتزايدة التي نواجهها وإذا تمكنا من القيام بذلك، فقد نتغلب على تلك التحديات.