الشيخ محمد رفعت «أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب والشاعر على الجارم فرسان الاذاعة»

الشيخ محمد رفعت «أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب والشاعر على الجارم فرسان الاذاعة»الشيخ محمد رفعت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب والشاعر على الجارم فرسان الاذاعة

مصر31-5-2022 | 21:03

في مساء الخميس 31 مايو 1934 كان البث الإذاعي الأول لمحطة الحكومة المصرية للإذاعة اللاسلكية " الإذاعة المصرية " الذي استمر في ذلك اليوم حوالي 6 ساعات ، كان محمد عبد الوهاب والآنسة أم كلثوم ، والشيخ محمد رفعت والشاعر "علي الجارم" وصالح عبد الحي والزجال "محمود رمزي نظيم" والمنولوجست محمد عبد القدوس والموسيقيان مدحت عاصم وسامي الشوا هم فرسان الإذاعة في هذا اليوم، ومنذ ذلك اليوم يحتفل الاعلام المصرى يوم 31 من مايو كل عام بعيد الاعلاميين وهو اليوم الذى ولدت فيه الاذاعة المصرية.

كيف بدأت الاذاعة المصرية ومتى ومن صاحب فكرة بدايتها ؟عن تاريخ الاذاعة المصرية يقول المؤرخ ابراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب بدأ البث للإذاعة المصرية في 31 مايو 1934 من خلال تعاقد الحكومة المصرية مع شركة ماركوني علي اعتبار أن الإذاعة اللاسلكية احتكار للحكومة وتصبح شركة ماركوني وكيلة عن الحكومة في إدارتها وإنشاء برامجها مدة عشر سنوات قابلة للتجديد وأن البرامج التي لا تتجاوز غايتي التعليم والتسلية تعتمدها لجنة مكونة من خمسة أعضاء ثلاثة تعينهم الحكومة المصرية واثنان تعينهما شركة ماركوني وأن المادة الإعلانية غير مسموح بها في البرامج وأن تتلقي الشركة من الحكومة مقابل الإدارة والانفاق علي البرامج حصة من حصيلة رخص استقبال الإذاعة قدرها ستون في المائة وألا تحجب الشركة بما لها من خبرة تخصصية عالية في هذا العلم السريع التطور عن الإذاعة المصرية كل ما يجد وينتج عن بحوثها من تطورات تقنية ومخترعات وأن يكون للحكومة حق إذاعة النشرات والبيانات والإرشادات الرسمية التي تهم الجمهور والصادرة من مصالحها المختلفة مثل الأرصاد والزراعة والصحة والري وغيرها وذلك دون عرضها علي لجنة البرامج وتشكلت لجنة البرامج العليا والتي عينتها الحكومة من ذوي السمعة الطيبة والثقافة المتميزة فكان رئيس اللجنة الدكتور علي إبراهيم باشا أشهر جراح في مصر وعميد كلية الطب وشخصية اجتماعية مرموقة ووصي من أوصياء المتحف الإسلامي وكان ذواقة للشعر والموسيقي وصاحب مجموعة رائعة من اللوحات الفنية والسجاد الشرقي.

والعضو الثاني هو حافظ عفيفي باشا وكان طبيباً وعالماً وكاتباً عهد إليه في أوقات مختلفة برئاسة اللجنة العليا للمسرح ورئاسة البعثة الدبلوماسية في لندن ورئاسة شركة مصر للتأمين وإدارة بنك مصر ورئاسة الديوان الملكي ، والعضو الثالث هو حسن فهمي رفعت باشا وكان إداريا مشهوراً من رجال الإدارة في وزارة الداخلية ومتصلاً اتصالاً وثيقاً بالمجتمع المصري وشرائحه وإلي جانب ذلك بالأدب والفن.

ويضيف العنانى قائلا كان اختيار الحكومة لأعضاء لجنة البرامج فكان علي شركة ماركوني اختيار كبير صناع البرامج ، المدير العام ارثر ديلاني والمدير التنفيذي روبين فيرنس رشحاً لهذه الوظيفة محمد سعيد لطفي " المستشار الأول للإذاعة " ، وكان محمد سعيد لطفي إذ ذاك مديراً " محافظاً " معزولاً من خدمة الحكومة وهو في الخمسين من عمره ولم يكن "محمد سعيد لطفي" رجلاً من رجال الإدارة بالمعني المألوف في ذلك العهد أي سليل الأسر التركية التي تلوذ بالسلطان وترقي إلي مثل هذه المناصب الإدارية العليا لكنه كان ابن فلاح عريق من كبراء الدقهلية وشقيقاً لشخصية من أبرز شخصيات العصر " أحمد لطفي السيد " أستاذ الجيل والفيلسوف مترجم أفلاطون وعضو الوفد في تنظيمه الأول وأول مدير للجامعة وصحفياً وبرلمانياً وسياسياً وأول من صك عبارة " مصر للمصريين " عندما كان يفكر بعض الوطنيين في التبعية لتركيا بدل بريطانيا، وكان مولعاً بالتاريخ ودروسه وعبره ، وخاصة التاريخ الإسلامي وكان علي حظ وافر من المعرفة بالأدب والفن ذواقة للشعر يحفظ الكثير للمتنبي وشوقي بالإضافة إلي تجربته الإدارية وخاصة كمأمور مركز في الصعيد أوقفته علي جميع المشاكل في القرية والمدينة من جهل وفقر ومرض وثقافته الواسعة ووسطه الاجتماعي أتاحا له التعرف علي رجالات الأدب من طراز طه حسين وحسين هيكل ومصطفي عبد الرازق ، وكان رب أسرة محافظاً محباً لولده حريصاً علي مراعاة التقاليد الإسلامية يسعد بالاستماع إلي تلاوة القرآن ويتذوق الموسيقي والغناء الرفيع للقصيد الشعري الجميل.

نجوم الإذاعة في اليوم الأول 31 مايو 1934 بعـد التمصير :

في مساء الخميس 31 مايو 1934 كان البث الإذاعي الأول لمحطة الحكومة المصرية للإذاعة اللاسلكية " الإذاعة المصرية " الذي استمر في ذلك اليوم حوالي 6 ساعات ، كان الأستاذ محمد عبد الوهاب والآنسة أم كلثوم ، والشيخ محمد رفعت والشاعر "علي الجارم" وصالح عبد الحي والزجال "محمود رمزي نظيم" والمنولوجست محمد عبد القدوس والموسيقيان مدحت عاصم وسامي الشوا هم فرسان الإذاعة في هذا اليوم والذين اختارتهم الإذاعة لما لهم من الشهرة والمكانة الفنية الرفيعة لتطل بهم علي جمهور المستمعين فتنال الإذاعة الثقة وتثبت جدارتها باحتكار البث الإذاعي بعد إلغاء الإذاعات الأهلية ، ففي الساعة السادسة وأربعين دقيقة مساء ذلك اليوم ، كان الشيخ محمد رفعت هو أول من تلا أي الذكر الحكيم فقد تعاقدت معه إدارة الإذاعة علي أن يكون صاحب القراءة الأولي بمناسبة الافتتاح نظير أجر قدره 3 جنيهات مصرية ، ومدة التلاوة من الخامسة حتي الخامسة والربع.

كان الشيخ رفعت في بادئ الأمر متردداً لقبول الدعوة لتلاوة القرآن في الإذاعة حتي إنه استطلع رأي عدد من العلماء والمشايخ في هذا الأمر فحصل علي فتواهم بشرعية ذلك لينطلق صوته الملائكي عبر موجات الأثير في اليوم الأول للإذاعة المصرية.

وفي تمام الساعة السادسة وأربعين دقيقة وصل لآذان المستمعين صوت المذيع الشاب أحمد سالم يقـول : " هنا القاهرة سيداتي وسادتي أولي سهرات الإذاعة المصرية في أول يوم من عمرها تحييها الآنسة " أم كلثوم " لتغني لأول مرة أمام ميكروفون الإذاعة الحكومية المصرية ، وقد تعاقدت معها الإذاعة في 21 مايو 1934 علي أن تحيي حفلتين للإذاعة الأولي يوم الافتتاح والثانية مساء السبت 2 يونيو 1934 نظير أجر قدره ( 25 جنيها ) عن كل حفلة إلا أن نجم الآنسة أم كلثوم الذي بدأ أكثر لمعاناً وانتشاراً عبر موجات الأثير أجبر الإذاعة المصرية علي أن تستجيب لطلبها بزيادة الأجر إلي ثلاثين جنيهاً في غضون أسابيع من بدايتها في الإذاعة ، وفي الساعة التاسعة والثلث كان جمهور المستمعين علي موعد مع صالح عبدالحي الذي تعاقدت معه الإذاعة في يوليو من نفس العام علي تقديم أربع حفلات شهرياً نظير 12 جنيه مصري عن الحفلة وفي ختام السهرة وقف مطرب الأمراء والملوك محمد عبد الوهاب أمام الميكروفون في الساعة العاشرة والربع لينفرد بسهرة الإذاعة المصرية في يومها الأول ، وقد تغني عبد الوهاب في تلك الليلة بأغنية " آه يا ذكري الغرام " ، ومما يلفت النظر أن أحمد شوقي بك أمير الشعراء كان أحد نجـــوم الإذاعة يوم الافتتاح فقد كان شوقي هو الحاضر الغائب فرغم أنه توفي قبل افتتاح الإذاعة.

بعامين إلا أن إدارة البرامج حرصت علي أن يتضمن برنامج الافتتاح قصيدة من نظم أمير الشعراء أحمد شوقي ألقاها الأستاذ حسين شوقي أفندي كما ألقي الشاعر علي بك الجارم في افتتاح الإذاعة قصيدة بصوته تحية للملك فؤاد الأول ملك مصر الذي تم افتتاح الإذاعة في عهده.

وحاولت الإذاعة الإيطالية توقيع عقد مع "أم كلثوم" لإذاعة أغان لها عبر أثيرها لضمان اتجاه مؤشر المصريين إليها وبعد الأغاني والطرب تذيع ما تريده من هجوم علي الإنجليز و الحكومة المصرية والدعوة للثورة وإطلاق الأماني والأحلام لآذان المستمعين لتخديرهم وجذبهم نحو تأييد إيطاليا وحليفتها ألمانيا ، ولكن أم كلثوم رفضت ذلك العرض والواقع أن مصر طبقاً لمعاهدة 1936 كانت ملزمة بتأييد إنجلترا في حالة خوضها الحرب وبالتالي كانت ضد إيطاليا وألمانيا حتي لو لم تعلنها رسمياً واستمر ذلك الأمر حين اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وتنوعت برامج الإذاعة بين المنوعات والطرب ومحاضرات لكبار كتابنا ومفكرينا بعضها أهتم بالحرب وبإلقاء الضوء علي حقيقة ألمانيا التي فاقت دعايتها كل الحدود حتي إن إحدي الشائعات التي بثتها تناقلها المصريون وهي الخاصة بإعلان هتلر حاكم ألمانيا إسلامه وأن اسمه الرسمي الجديد هو الحاج محمد هتلر وذلك لضمان تأييدهم للزحف الألماني علي مصر.

تبعية الإذاعة لوزارة الداخلية عام 1942 :

أجبر الاحتلال البريطاني الملك فاروق علي اختيار مصطفي النحاس باشا لتشكيل الوزارة المصرية في فبراير عام 1942 ولم يمض شهر حتي قرر النحاس باشا نقل تبعية الإذاعة المصرية لوزارة الداخلية نظراً لدقة الأمر في البلاد حيث كان تقدم القوات العسكرية الألمانية التي نزلت ليبيا واتجهت نحو مصر يجري سريعاً وبدا أن القاهرة شارفت علي الوقوع في قبضة الألمان وأن انسحاب إنجلترا من أراضيها بات وشيكاً وقامت وزارة الداخلية بزيادة جرعة الطرب والمواد الخفيفة وحجمت من الدعاية المضادة في الإذاعة ضد الألمان تحسباً لاحتمال سقوط مصر في قبضة ألمانيا فلا تتعرض للتأديب بل يتم النظر إليها بصفتها لم تعلن الحرب رسمياً علي ألمانيا ، ولكن انهزم الألمان وتراجعت قواتهم وزال الخطر عن مصر التي كانت قد تعرضت لغارات جوية ألمانية علي مدينة الإسكندرية أدت إلي هجرة الآلاف من أهالي الإسكندرية إلي أنحاء مختلفة من البلاد.

إنهاء عقـد ماركوني :

كان عقد شركة ماركوني لإدارة الإذاعة المصرية ينتهي عام 1944 حيث كانت مدته عشر سنوات ولكن بعد مفاوضات تم مد العقد مع شركة ماركوني لمدة خمس سنوات جديدة تبدأ من عام 1944 وذلك نظراً لظروف الحرب وعدم الاستقرار الدولي.

وفي عام 1945 نقلت الإذاعة المصرية لحظات تاريخية سلطت الضوء علي عروبة مصر وارتباطها بالكيان العربي وقيادتها له من خلال إقرار ميثاق جامعة الدول العربية وكانت الإذاعة بدورها تمنح الكتاب والمطربين العرب الفرصة للوصول إلي آذان المستمع المصري ومن أشهر هؤلاء الكاتبة " مي زيادة " والمطرب " فريد الأطرش " وفي نفس العام 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية.

إلغاء المعاهدة :

كان طبيعياً أن تنتقل معركة التمصير إلي الإذاعة التي رأي المصريون أنها لم يعد من المقبول ولا المعقول أن تستمر شركة ماركوني في إدارتها ، وكان العقد سينتهي في عام 1949 غير أن الحكومة المصرية قررت إنهاءه وتعويض شركة ماركوني مادياً وتسلمت لجنة من موظفين مصريين الإذاعة وكثفت الإذاعة اهتمامها بعرض قضية مصر علي مجلس الأمن وذلك بغرض الحصول علي قرار دولي بحق مصر في الاستقلال وخاض الجيش المصري غمار حرب 1948 في شهر مايو من نفس العام وكانت حدثاً فريداً وكانت وقتها دولة تحت الاحتلال العسكري البريطاني وكانت تلك الحرب هي إشارة لتفجر المشاعر الوطنية نحو العالم العربي ونقلت الإذاعة للشعب قرار مصر بتقدم قواتها نحو الحدود الفلسطينية واهتمت بوضع الشعب في حالة استعداد فكثفت من أخبارها العسكرية ونقل أحداث الجبهة وإذاعة الأغاني الوطنية ونقلت إلي الشعب كلمة الشيخ مأمون الشناوي شيخ الجامع الأزهر التي حث فيها الجنود علي القتال وشحنهم معنوياً وبين لهم الحكمة من القتال وأهميته.

وأصبح الناس يستمعون عبر موجات الأثير " لهدي هانم شعراوي " تتحدث عن قضايا المرأة والشيخ عبد العزيز البشري متحدثاً عن قضايا المجتمع وأخطرها آنذاك ظاهرة زيادة معدلات الطلاق بين أبناء الطبقة الراقية كما استمع عام 1935 للآنسة " سهير القلماوي" وأن ينال المستمعون قسطاً من التوجيه الإرشادي الاقتصادي خاصة وقد عاصرت افتتاح الإذاعة أزمة اقتصادية عالمية ضربت مصر والعالم باستمع الناس لوزير المالية " أحمد عبد الوهاب باشا " عام 1935 يوجه الناس نحو واجباتهم إزاء الأزمة المالية وفي مجال الفكر والثقافة ليستمع الناس لفكري أباظة والأستاذ عبد الرحمن عزام ود هيكل ود طه حسين وغيرهم كما نالت الموسيقي حظها الوافر عبر موجات الإذاعة منذ نشأتها عام 1934 فعرف الناس واستمعوا لزكريا أحمد والقصبجي والسنباطي وأم كلثوم وفتحية أحمد وعبد الوهاب ، وغيرهم وفي تلاوة القرآن احتضنت الإذاعة من مشايخ وأساطين التلاوة وظلت الإذاعة تلعب هذا الدور باقتدار لفترة طويلة فاستمع الناس للمشايخ محمد رفعت وعلي محمود والشعشاعي والشيخ الصيفي وغيرهم .

وفي عام 1951 أعلن مصطفي النحاس باشا رئيس وزراء مصر إلغاء معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا وترك آلاف العمال المصريين أعمالهم في منطقة القنال لدي الجيش البريطاني وسافر العديد من ضباط الجيش وطلاب الجامعة ومواطنين عاديين إلي القنال حيث بدأت مرحلة كفاح مسلح ضد بريطانيا عرفها التاريخ باسم حركة الفدائيين في القناة.

وهكذا أخذ الإعلام المصري في التطور والانطلاق نحو العالم ليسمع ويشاهد عظمة وحضارة مصر عبر الإذاعة والقنوات التليفزيونية والفضائيات

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2