وائل نجم يكتب: المناهج المصرية والمدارس الأمريكية

وائل نجم يكتب: المناهج المصرية والمدارس الأمريكيةوائل نجم يكتب: المناهج المصرية والمدارس الأمريكية

* عاجل22-1-2018 | 22:35

عندما سقطت مصر في يد الاحتلال الإنجليزي عام 1882، سألت انجلترا رجلها الأول (اللورد كرومر) عما يلزمه لإحكام السيطرة على البلاد؟ فأجاب (كرومر) بأنه سيترك لندن ويقيم في مصر لهذا الشأن، وبدأ في تحديد أهدافه وحدد طلباته وقدمها للقيادات.

 وما أثار دهشة القيادات هو أنه لم يطلب مزيدا من السلاح ولا الجنود، وإنما طلب منهم خبراء في التربية والمناهج! في هذه اللحظة أدركوا هدفه الرئيسي من هذا الطلب فزودوه بالخبير مستر دنلوب الذي ظل مسيطرا على التعليم في مصر وصاغ مناهجها وفقا لأهدافهم، ويعد دانلوب هو واضع المخطط الأساسي لتغريب التعليم والتربية وإقصاء الإسلام عن برامج التعليم في المدرسة المصرية باعتبار أن التعليم والتربية لهما أكبر الأثر في مخطط التغريب وجوهر هدف الاستعمار الأساسي

وقال العالم الكبير الأستاذ محمود شاكر -رحمه الله- الذي خاض الكثير من المعارك للحفاظ علي هويتنا العربية في مواجهه نظرية التغريب، في كتابه المعنون :

"أباطيل وأسمار" : "تخريج أجيال متعاقبة من تلاميذ المدارس الأجنبية، يرتبطون ارتباطا وثيقا بهذا التحول نحو الإعجاب المزهو ببعض مظاهر الحياة الأوروبية، ونَقد مظاهر الحياة في بلادهم، مع الإيمان بأن ما أعجبوا به عند الغرب هو سر قوتهم، وأن ما عندنا هو سر ضعفنا"

وعلى الرغم من تحمس طه حسين لضرورة ارتباط الثقافة المصرية بثقافة الغرب فى كتابه (مستقبل الثقافة في مصر)  إلا أنه شن حملة علي التعليم الأجنبي في مصر، وندد بانفصال هذا التعليم عن واقعنا المصري، وطالب بمراقبة الحكومة للمدارس الأجنبية، والتوسع في إدخال مناهج اللغة العربية والتاريخ الديني في هذه المدارس، إضافة إلى مطالبته بضرورة أن يدرس الطلاب جميع عناصر الثقافة القومية.

 ودعا طه حسين في كتابه للأخذ بالديمقراطية الغربية في السياسة، واتباع الأساليب الغربية في التعليم والاقتصاد، وربط ذلك بأن اتباع أسلوب الغرب يساعد علي الاستقلال عنه، خاصة أن الاستقلال ليس سياسياً فقط وإنما بتكوين ثقافة تنشأ علي العلم والقوة.

وذكر روبرت سالتوف مدير قسم السياسة والتخطيط الإستراتيجي فى تقرير قال فيه "إن المدارس الأمريكية في البلاد العربية والإسلامية ليست مجرد صروح تعليمية رفيعة المستوى، بل هي سلاحنا السري في معركة أمريكا الأيديولوجية لأمركة المجتمعات العربية والإسلامية".

ولكى ندرك الحقائق الخاصة بقضية التعليم الأمريكي وانتشاره في مصر لهذه الدرجة، لابد أن ندرك _ أيضا - أن انتشار تلك المدارس يعد استعمارا تربويا هذه المدارس هي السلاح السري في معركة الأمريكية الأيديولوجية لأمركة الفكر المصري، كى تنتج هذه المدارس طلابا بعيدين عن الثقافة واللغة والدين والتاريخ الوطني.

وهذه المدارس تتجاهل التاريخين العربي والإسلامي، وتدرّس كتبا تخالف تاريخ وتقاليد وعادات مجتمعناولابد أن نلقى اللوم على مدارسنا الحكومية قبل انتقاد المدارس الأجنبية واستقبال أعداد مجانية منها.

 ياسادة ألم يكن التعليم المصري القديم هو النواة التي أخرجت للعالم النماذج الفكرية والعلمية الرائعة؟!.. علماء ومفكرون وأطباء وصلوا إلى أقصى مراحل العلم من خلال التعليم الحكومي.

إن أساس وهدف التعليم هو الانتماء للوطن والأرض واللغة والدين، وهذه الأهداف غير موجودة بمناهج المدارس الدولية

هذه مدارس لتعليم لغات مختلفة، تحت ستار توطيد الأواصر الثقافية أو تطوير العلاقات السياسية.

هذه المدارس تُطبّق أنظمة تعليمية أجنبية (حسب البلد الذى تتبع له) من حيث المناهج وطرق التدريس والأنشطة.

والكارثة الخفية عند تسليط الضوء على داخل مناهج تلك المدارس، التى انشغلت عنها الجهات الرسمية وانصرفت لمشكلات التعليم الحكومى، وتقنين أوضاع مصاريف المدارس الدولية.

وبتحليل محتوى بعض مناهج المدارس الأمريكية سنفاجئ بأن بعض تلك المناهج تعمل على تحقير العرب، وأنه لا وجود لمادة الدين أو التربية القومية أو الجعرافيا والتاريخ المصرى، فى حين تدرس مواد الحرية الشخصية والجنسية، وقضايا الشواذ جنسيًا، والأطفال يصلون إليها صغارًا جدًا لم يستطيعوا بعدُ أن يخضعوا للهوية الثقافية لآبائهم ومجتمعهم، ويدخلون إلى منظومة المدرسة، ليتعلموا من خلالها معايير وقيم المجتمع الأمريكى الذى يختلف عن المنظومة الثقافية للأسرة والمجتمع الذى ينتمون إليه، مما يؤدى إلى صراع داخل الفرد لتشكيل الهوية، وعادة ما يرفض الأطفال فى هذه الفترة الانتقالية ثقافة آبائهم والمجتمع الذى يعيشون فيه ويعتنقون ثقافة المجتمع المضيف.

إن غياب المواطنة والقومية المصرية عن مناهج المدارس الأجنبية يرجع لضعف التعليم الحكومى مماضطر أولياء الأمور لإلحاق أطفالهم بها، وتكبدوا آلاف الجنيهات من أجل ضمان تعليم جيد، لكن للأسف ظهرت كوارث عديدة كدراسة تاريخ مخالف لتاريخ مصر وموضوعات تتعاطف مع إسرائيل، لأن منهج المدرسة تابع لمنهج الدولة التابع لها، ولا توجد رقابة من الوزارة ، لغياب الرقابة على المناهج.

 ولا يوجد - أيضا - لدى الوزارة كوادر قادرة على فهم واستعياب تلك المناهج الدولية، إذ ينصب اهتمام الوزارة على ضبط التراخيص والمصاريف الدراسية، كما أن أولياء الأمور أنفسهم لا يهتمون بفكرة المواطنة، رغم أن هذا خروجٌ عن الدستور المصرى

وعندما أصدرت وزارة العليم قرارًا بتدريس مادة الدين واللغة العربية والتربية القومية، عام 2011، لمعرفة مدى تأثر الطلاب بهذه المواد، ستفاجئ أيضا بأن الطلاب لا يحضرون تلك المواد، وليس لديهم وعى بتاريخ البلاد أو حضارتهم ولغتهم العربية، ومن الظواهر المثيرة للسخرية أيضا أن الغالبية من الطلاب لا يعرفون لون العلم المصرى أو ترتيب ألوانه.

والطلاب غير ملمين بالأعياد القومية الوطنية بقدر إلمامهم بالأعياد القومية الأمريكية، وذكرت على سبيل المثال، ما يتم لتعريف التلاميذ من خلال مواد شيقة ورسومات جرافيك بتاريخ أعياد اليهود وما لاقاه اليهود من عذاب وقهر حتى الخروج الكبير، هذا إلى جانب الاحتفال برأس السنة العبرية، وكيفية الاحتفال وصور عديدة للأسر اليهودية وأطفالهم يوقدون الشموع ويصلون.

ومن أزمات الهوية شهد العام الماضى أزمة المدرسة الأمريكية بالمعادى، حينما اكتشفت وزارة التربية والتعليم فى مصر، أن المدرسة وضعت درسًا ضمن مناهج التاريخ للصف الثالث الثانوى، مفاده أن إسرائيل هى من كسبت حرب 6 أكتوبر 1973 ضد مصر، وقد تدخلت وزارة الخارجية المصرية لدى السفارة الأمريكية بالقاهرة، لتعديل هذا المنهج.

وأيضا كشف جهاز الرقابة على المطبوعات الأجنبية بالقاهرة، عندما قام بفحص شحنة قادمة من الكتب التعليمية الخاصة بطلاب المدارس الأجنبية "الدولية" فى مصر، والقادمة من العاصمة البريطانية "لندن"، أنها تتضمن 80 ألف كتاب للتاريخ والجغرافيا تحوى فصلا كاملا عن الحدود المصرية، ليس من بينها منطقة "حلايب وشلاتين"، حيث تضمن الكتاب خرائط تصنف هذه المنطقة ضمن حدود السودان وتزعم أن المواثيق الدولية تنص على ذلك، وقام الجهاز بإخطار النيابة العامة وكافة الجهات السيادية بتفاصيل الكارثة، حيث أمرت جهة سيادية عليا بالتحفظ على جميع الكتب ومنع تداولها أو تسليمها لطلبة المدارس المصرية، وإجراء التحريات اللازمة حول دار النشر اللبنانية البريطانية التى قامت بطباعة الكتب.

    أضف تعليق