ثلاثة من الممثلين الموهوبين استعادوا تألقهم من خلال أدوارهم التلفزيونية في السنوات الأخيرة وهم ياسر جلال وطارق لطفي وأحمد زاهر.
يستحقون فعلا ذلك، ولكني أتمنى أن يدققوا كثيرا في ظهورهم السينمائي، وأن يكون هذا الظهور متناسبا مع مرحلة النضج التي ظهروا بها في أعمالهم التليفزيونية. مناسبة الكلام مشاهدتي لفيلم "فارس" بطولة أحمد زاهر، من تأليف حسام موسى، وإخراج وتصوير رؤوف عبد العزيز، وهو العمل الثاني لزاهر في السينما بعد التألق التليفزيوني.
كان الأول هو فيلم "زنزانة7"، وهو بطولة مشتركة مع نضال الشافعي، والعملان محاولات فى عالم سينما الأكشن، التي قطعت أشواطا واسعا فى مجال الإتقان والإضافة لهذه النوعية فى السينما المصرية.
يبدو أن نجاح فيلم "زنزانة 7"، هو الذي شجع زاهر على أن يقوم ببطولة "فارس"، ولكن فيلمه الجديد يبدو حافلا بالملاحظات الفنية، سواء من حيث فكرته، التي قدمت من قبل بشكل أفضل وأنضج، أو من حيث كليشيهات رجال الأعمال الأشرار المكررة، التي استهلكتها السينما المصرية، لدرجة تجعلك تتوقع جمل الحوار، وطريقة الإلقاء، أو من حيث عدم صمود أكشن زاهر للمقارنة أمام ما قطعته سينما الأكشن فى طريق الحركة والإبهار، فكلها مشاهد للاشتباك البدني، مع مشهد وحيد لتسلق أحد المباني، ومشاهد إطلاق رصاص ساذجة، وزاهر نفسه لا يبدو مناسبا عمريا أو جسديا لأداء ما شاهدناه من حركات، رغم أنها عادية، مما يجعلنا نعتبر "فارس" محاولة لعمل فيلم أكشن فى الوقت الضائع.
محور الحكاية والفكرة عن هذا الرجل العادي الشهم، الذي يسير بجوار الحائط، ولكنه يجد نفسه أمام وحشية رجل أعمال، لا يتردد فى القتل، والتلفيق، ولكن الرجل العادي لا يجد مفرا من المواجهة والانتصار، وهي فكرة قدمت بشكل أفضل، وبتفاصيل أعمق فى فيلم معروف مثل "واحد من الناس" بطولة كريم عبد العزيز، أما فيلم "فارس" فهو لا يبذل الكثير فى البحث عن تفاصيل خاصة، فرجل الأعمال رشيد السيوفى (حسين فهمي)، أقرب إلى زعيم عصابة فى فيلم قديم، وفارس (أحمد زاهر) عامل فى بنزينة، مع أن معه شهادة، لن نعرف بالضبط شهادة فى ماذا، وهو يعيش فى قرية، مع أبيه العجوز (صلاح عبد الله)، وأخته الوحيدة (الممثلة الواعدة ملك أحمد زاهر)، ولن يتردد فارس (واسمه يكشف عن فروسيته إذا لم تأخذ بالك)، فى إنقاذ المغنية وعد (إيمان العاصي)، من رجال السيوفى، لأنها صورت رجل الأعمال وهو يحاول الاعتداء على خادمة عنده، بل إنه تسبب فى قتلها، ومن هنا تبدأ معاناة فارس مع العصابة، ومعاناة وعد معه، وسيصبح السؤال هو: إلى أي مدى يمكن أن ينجح الغلابة فى صد عدوان الوحوش الجدد؟
لا بأس من الفكرة، المهم أن تتعب عليها، وأن تقدم إضافة، بينما فيلمنا يبدو كما لو كان فيلما مصنوعا من أفلام سابقة، مع مفاجآت كثيرة عجيبة، مثل اكتشاف أن وعد على قيد الحياة بعد إغراقها داخل سيارة مغلقة، وصولا إلى المزيد من الميلودراما، بقتل والدة وعد الكفيفة (نهال عنبر)، ووالد فارس، ولن تعرف أبدا من أين ينفق فارس على مغامرته فىالانتقام من رجل الأعمال، الذي يبدو شخصية كارتونية، لديه زوجة شخصيتها قوية، تلعب دورها ممثلة ضعيفة، ومساعد أقرب إلى رجال العصابات، يلعب دوره ممثل أضعف.
علينا أن نصدق أن فارس سيكسب المعركة بمجرد الذهاب إلى البحر مع وعد، لأنه وضع هناك (على رواقة) خطة الانتقام، التي نعرف نتيجتها فىالنهاية، ولكن بعد معارك ضد مصارعين أشداء، يترنحون أمام ضربات زاهر القوية، وبعد خطف شقيقة فارس، والإفراج عنها، وهكذا يتحول الرجل العادي إلى بطل، ويكسب معركة الناس الغلابة.
زاهر كممثل لديه قدرات ممتازة، ويمكنه أن يقدم مشاهد خفيفة مرحة، ولكن أفضل من الفيلم هو أحمد صفوت، وهو مشخصاتي مظلوم، وأفضل بكثير من بعض نجوم السينما والتليفزيون، دوره فىالفيلم هو المحامي الذي تلجأ إليه وعد، ولكنه يبيعها للسيوفى، مشاهده كلها جيدة، والشخصية نفسها أطالت من عمر الأحداث، ومنحت الصراع قوة وحيوية، بل وبدا أحيانا أن الصراع الحقيقي ليس بين فارس والسيوفى، ولكنه بين فارس والمحامي، وبين المحامي والسيوفى، وهذه مرة أخرى مشكلة فى الكتابة، لأن السيوفى هو أضعف شخصيات الفيلم فى الإقناع، وزاد الأمر سوءا أداء حسين فهمي للشخصية بطريقة أقرب إلى الصورة الهزلية والكاريكاتورية، مع أننا أمام شخصية دموية، ورغم أنه سبب المأساة كلها، ومن مشاهده الغريبة المتناقضة مشهد يبدو فيه مثل طفل تؤنبه زوجته على فضائحه، ثم مشهد آخر عكس المشهد السابق، يقوم فيه بتهديدها، وبتذكيرها بأنها مجرد سكرتيرة سابقة لديه.
لا يمكن مقارنة ما قدمه رؤوف عبد العزيز من مشاهد حركة بما يمكن أن تراه مثلا فى فيلم "العنكبوت"، ولا يمكن أن تصدق أن الغلابة يمكن أن ينجحوا بهذه الطريقة التي شاهدناها، والتي يصفها فارس ضاحكا بأنها "جات معاه كدة"، ولكنها الحقيقة فعلا !
أرجو أن تقارن عندما تشاهد الفيلم بين حبكة إسقاط المحامي ورجل الأعمال السيوفى، وبين قيام كريم عبد العزيز بالإعداد والتخطيط لضرب الظالمين بالظالمين فىفيلم "واحد من الناس"، وكلها عناصر هامة فى تحديد قيمة تجربة متواضعة مثل فيلم "فارس"، رغم نواياه الطيبة، وانحيازه للغلابة، ودفاعه عن الشهامة المفقودة، ورفض شعار "وأنا مالي"، سواء من خلال تصوير وعد لفيديو الخادمة، أو سواء فىوقوف فارس مع وعد حتى النهاية.
فإذا أضفنا لكل ذلك أن أداء الممثلين بشكل عام يتأرجح بين العادي والردىء، فإن مسألة سينما الأكشن لابد أن تدرس بعناية، وأن تبدأ من حيث وصلنا الآن، لا من حيث وصل عادل إمام ونادية الجندي ويوسف منصور.
هذه فجوة زمنية كبيرة لم يتجاوزها فيلم يعتمد على الحركة، والأهم من كل ذلك لابد أن نصنع دراما لها بصمتها الخاصة، وحياتنا حافلة بالقصص، وأخبار الصحف وحكايات رجال الأعمال أكثر من الهم على القلب.