نشر "صامويل شاراب" المحلل السياسي في مؤسسة راند تحليلا في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، يشير فيه إلى ما اعتبره "أفضل حل" لوقف الحرب وتحقيق السلام في أوكرانيا، وهو مبني على مبدأ "حياد أوكرانيا" أي (عدم انضمامها إلى الناتو)، الذي يمكن أن "يجلب الأمن، وأن يرضي كل من روسيا والغرب".
ويقول الكاتب إن "الاقتراح (حياد أوكرانيا)، الذي تم تسريبه إلى الصحافة بعد محادثات في إسطنبول بتاريخ 29 مارس، قد تلقى بالفعل دعما أوليا على الأقل من كلا الجانبين، وبموجبه تتخلى كييف عن طموحاتها في الانضمام إلى الناتو، وتتبنى الحياد الدائم، مقابل تلقي ضمانات أمنية من شركائها الغربيين ومن روسيا".
ويعود هذا "الحل الأفضل"، الذي سماه الكاتب "اقتراح إسطنبول" إلى "التقدم الحقيقي الذي أحرزه المفاوضون بالفعل" في المفاوضات السابقة، فقد تم الحديث عن مقترح "حياد أوكرانيا" في أواخر مارس، حيث "قدم الدبلوماسيون الأوكرانيون إطارا مبتكرا لصفقة يمكن أن توفر مسارا للخروج من الحرب".
ويضيف أنه "لم يتم بعد تقدير أهمية اقتراح اسطنبول في العديد من العواصم الغربية، حيث أصبحت الضمانات الأمنية مرادفة لمعاهدات التحالف. وعلى عكس التحالف، الذي يوحد شركاء مقربين في الدفاع المشترك، عادة ضد عدو محتمل، فإن الصفقة المقترحة تدعو المنافسين الجيوسياسيين إلى ضمان أمن أوكرانيا على المدى الطويل بشكل مشترك".
ويوضح أنه من الصعب تطبيق اقتراح إسطنبول "خارج هيكل التحالف"، بسبب وجود منافسين (أي الغرب وروسيا)، وبسبب "العدوان المستمر ضد أوكرانيا". ويقول إنه "إذا أصبح الاقتراح أساسا لتسوية نهائية، فسيكون من نتائجه أن تصبح روسيا أحد الضامنين لأمن أوكرانيا".
ويؤكد المحلل السياسي أن "الضمانات الأمنية الواردة في اقتراح إسطنبول تختلف اختلافا كبيرا عن المادة 5 للناتو، والاتفاقية المقترحة ستشمل روسيا كطرف".
ويلفت إلى أن هذا الاقتراح لا يمكن ربطه أو مقارنته بنية أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو، ويقول إن عدة مسؤولين ومحللين قاموا بـ"مساواة الضمانات الأمنية بالمادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي، التي تعتبر أن أي هجوم مسلح على حليف واحد هو هجوم على الجميع".
ويضيف "في الواقع، كانت أوكرانيا تتطلع للانضمام إلى حلف الناتو إلى حد كبير من أجل هذا التعهد الدفاعي الجماعي. وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو مترددين في عرض عضوية أوكرانيا بسبب المادة 5، التي قد تترتب عليها مخاطر نشوب صراع مباشر مع روسيا".
ويتابع "يتصور اقتراح إسطنبول آلية مختلفة للغاية لضمان أمن أوكرانيا (...) فالاقتراح سيؤسس ل أوكرانيا كدولة محايدة بشكل دائم، ويوفر ضمانات قانونية دولية لدولة غير نووية وغير منحازة، ويشمل الضامنون جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى كندا وألمانيا وإسرائيل وإيطاليا وبولندا وتركيا".
ووفقا للاقتراح فإنه في حالة وقوع هجوم على أوكرانيا، فإن هذه الدول الضامنة، بعد تلقي طلب رسمي من كييف وإجراء مشاورات عاجلة، ستقدم المساعدة لأوكرانيا، بما في ذلك، إذا لزم الأمر، استخدام القوة المسلحة "بهدف استعادة أمن أوكرانيا كدولة محايدة بشكل دائم".
ويشير المحلل إلى أن التطورات الميدانية، جعلت من الاقتراح صعبا للتطبيق، لأن "الضمانات لن تشمل أجزاء من أوكرانيا تحتلها روسيا"، ولأن " أوكرانيا لن تتنازل عن مطالباتها القانونية بكامل أراضيها المعترف بها دوليا".
وانعكست الأحداث والتطورات الميدانية على مسار المفاوضات الروسية الأوكرانية، وقال المحلل إنه "في هذه المرحلة من الحرب في أوكرانيا، ومع تصعيد روسيا هجومها في دونباس وظهور المزيد من الفظائع التي ارتكبتها قواتها، يبدو احتمال أي نوع من التفاوض بين موسكو وكييف بعيدا".
ولفت إلى أن "المفاوضات التي عقدت مؤخرا، كان لها تأثير ضئيل على تصميم روسيا و أوكرانيا على مواصلة القتال. وفي بعض الأحيان، رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاوضات. والآن علق الجانبان فعليا جهودهما الدبلوماسية".
وبموجب اقتراح إسطنبول "تلتزم أوكرانيا بعدم الانضمام إلى أي تحالفات عسكرية أو استضافة أي قواعد أو قوات عسكرية أجنبية على أراضيها، وبعدم إجراء أي مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في أوكرانيا، إلا بموافقة جميع الدول الضامنة".
ويرى المحلل أن الجانب الروسي يعارض اقتراح إسطنبول، فهناك "انتقادات حادة في روسيا لعدم اتخاذ موقف أكثر تشددا في المحادثات"، وهناك "مطالب متطرفة، مثل الاعتراف الأوكراني بضم روسيا لشبه جزيرة القرم"، كما توجد أصوات معارضة لـ"مقترحات قبول ضمان أمني أميركي ل أوكرانيا ودعم عضوية كييف في الاتحاد الأوروبي".
وعن فرص نجاح وتطبيق اقتراح إسطنبول، يرى المحلل السياسي أنه "يجب أن توافق روسيا على ضمانات الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا، وموافقتهم بدورهم على دور روسيا الضامن المتكافئ".
ويقول "في الواقع، نظرا لأنه (اقتراح إسطنبول) سيشمل خصوما جيوسياسيين كضامنين، فإنه لن يكون معاهدة تحالف، مثل الناتو، ولكن ضمانا أمنيا متعدد الأطراف، وتلتزم بموجبه القوى المتنافسة بأمن دولة ثالثة، على أساس أن تبقى محايدة وغير منحازة لأي من تلك القوى".
ويعتبر ذلك أفضل حل لأنه "سيقدم ل أوكرانيا ضمانات قوية ضد أي عدوان محتمل في المستقبل، وستحصل كييف على وعد من موسكو بدعمها في طريقها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. من جانبها، ستحصل روسيا على الحياد الأوكراني، مما ينهي احتمالية عضويتها في الناتو (...) كما ستتلقى تأكيدات بأنه لن تكون هناك قواعد أجنبية في أوكرانيا أو جيوش أجنبية تقوم بمناورات هناك دون موافقة موسكو".
ويشير الكاتب إلى أنه "بالنسبة للغرب، فإن تخلي الكرملين عن اعتراضاته على عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي سيعني خروج أوكرانيا النهائي من دائرة النفوذ الروسي".
ويتابع المحلل قائلا إنه "على الرغم من أن روسيا ستستفيد من اقتراح إسطنبول ، فإن العديد من المراقبين يشككون في أن موسكو ستوافق عليه في النهاية (...) وفي المقابل إذا قبلت أوكرانيا الحياد الدائم، وفقا للاقتراح، فلن يكون لروسيا مصلحة في مهاجمتها".
ويشير المحلل أيضا إلى وجود عراقيل تواجه تطبيق الاقتراح، ويقول إنه "لإنجاح هذا الأمر، سيتعين على موسكو الانسحاب من الكثير، إن لم يكن كل، المناطق التي احتلتها منذ الغزو" في 24 فبراير الماضي.
ويؤكد أن هناك "تحديات كبيرة"، وأنه "لا يوجد حاليا أي مؤشر" على إمكانية تحقيق ذلك وتطبيق اقتراح إسطنبول، مستبعدا عودة موسكو وكييف إلى طاولة المفاوضات "بسبب استمرار الصراع وجرائم الحرب الروسية والقتال المستمر" في أوكرانيا.
ورغم ذلك يختم قائلا إنه بغض النظر عن "العقبات القوية أمام تحقيق ذلك. لكن حتى الآن، يعد هذا (اقتراح إسطنبول) هو المسار الأكثر منطقية الذي تم تحديده لتحقيق سلام مستدام لأوكرانيا".