مدح الإسلام الذين يحافظون على جمال البيئة ونظافتها، وجعل ذلك دليلًا على تقواهم وحسن إسلامهم، ووعدهم ب الثواب الجزيل.
ورد عن ثواب الحفاظ على البيئة، قول سيدنا رسول الله ﷺ: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له». [صحيح البخاري].
كما جعل إفسادها وتلويثها ذنبًا يحاسب الله عليه، قال رسول الله ﷺ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ».[متفق عليه]
المحافظة على البيئة في الإسلام
الشَّريعة الإسلاميَّة شمولية للبشريَّة جمعاء، وهي المنهاج الوحيد الذي يصلح للحياة المستقرَّة والسَّليمة في كلِّ مكانٍ وزمان، فمن أشكال المنهاج الصَّحيح في الإسلام، هو علاقته الحميمة بالبيئة واهتمامه بها، وهذا ما نجده من الأمور الواضحة والملموسة في القرآن والسُّنَّة.
وبيَّنت لنا الأحكام الشَّرعية كيف يمكن التَّعامل الصَّحيح مع البيئة، كالمحافظة على النَّـظافة، وعدم استغلال الموارد الطبيعية بإسراف، وغيرها من النصائح الرَّبانيَّة في علاقتنا ببيئتنا.
لكن إن لم نتَّبع هذه النَّصائح فإنَّه من المؤكَّد سيكون الفساد في كلِّ مكان، فقد قال الله تعالى في سورة الروم: «ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»، فمعصية الله في منهاج الحياة تؤدي إلى انتشار الفساد وخراب الحياة المحيطة بنا، حيث إن تلويث البيئة يُعتبر فسادًا في البرِّ والبحر، وقتل الحيوانات بإسراف أيضًا يُعتبر فسادًا.
وورد الحثُّ على تنمية البيئة في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلمٍ يغرس غرسًا ، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلا كان له به صدقة»، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إن قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها»، وحتى في الحروب فقد نهى عليه الصَّلاة والسَّلام عن قطع الشجر أو قتل الحيوان إلا للأكل من غير زيادةٍ عن الحاجة.
نظرة الإسلام إلى الطبيعة
نظرة الإسلام العالمية تحدد (حياة طيبة) وهي العيش بزهد على الأرض مع الاعتناء بالناس والطبيعة على حد سواء، ويقدم الخطاب الإسلامي شعورًا بالأمل والتفاؤل بشأن إمكانية تحقيق الانسجام بين الإنسان والطبيعة، حيث تتوازن الأمور على الأرض في حالة أعاد البشر التفكير في أساليب حياتهم وعقولهم.
وعلينا إحياء النظرة الشمولية للإسلام التي تقوم على مفهوم الوئام و"الحالة الطبيعية" (الفطرة) واحترام التوازن (الميزان) والنسبة (المقدار) في أنظمة الكون، وتوفر هذه المفاهيم بُعدًا أخلاقيًّا وتفويضًا لكل البشر لاحترام الطبيعة وجميع أشكال الحياة، ومن ثم، فإن التغلب على الأزمة البيئية والتخفيف من أثر تغير المناخ، من المنظور الإسلامي، يرتكز على تحديد دور البشر كخلفاء في الأرض، وقد اختل هذا التوازن بسبب الخيارات البشرية التي تؤدي إلى الإفراط في استهلاك الموارد والشراهة في استغلالها وسوء استخدامها.
والقيم الإسلامية تدعو إلى الحفاظ على البيئة وحماية التنوع في جميع أشكال الحياة، كما تدعو النظرة الإسلامية للعالم إلى الانتقال إلى مجتمع واقتصاد مستدام من خلال تبني تنمية مسئولة واحترام مبادئ الاستدامة، ويتطلب هذا التغير إحداث نقلة في القواعد والممارسات، ويمكن أن يصبح الدين جزءًا قويًّا من الحل إذا كان البشر يجسدون رؤية روحية كلية تجاه البشرية والأرض والكون.
البيئة في الحضارة الإسلامية
مفهوم البيئة فى شريعة الإسلام السمحة لم يقتصر على المفهوم الشائع لها، والذى حددها بأنها كل ما يحيط بالإنسان من مخلوقات ومظاهر طبيعية، ولكنه ينظر للبيئة على أنها الإنسان وكل ما يحيط به، وذلك لأنه ليس ثمة سبب منطقى يُخْرِجُ الإنسانَ عن كونه جزءا من البيئة، وهو أهم جزء فيها، وصلاحها مرتبط بصلاحه، وفساده وعدم المحافظة عليه من الناحية النفسية والعقلية والجسدية بتنمية قدراته يعد أكبر فساد فى البيئة.
والخلافة والأمانة التى هى وظيفة الإنسان فى الأرض تعنى الاعتناء والرعاية بالإنسان أولاً، ثم بغيره من الكائنات، وذلك لا يكون إلا بهدايته إلى المنهج السوى فى إعمار الكون وفهم مراد الحق سبحانه وتعالى من الوجود.
ومفهوم البيئة فى الإسلام يقوم على محاور أربعة:
أولا: الخلافة والتسخير
الخلافة تعنى المسؤولية عن الكون برعايته والمحافظة عليه، والتسخير يعنى الاستفادة منه والاستمتاع به، وكلاهما يقتضى المشاركة والتعاون. والمسؤولية تقع على الناس جميعا، كما أن الانتفاع حق مكفول للجميع ومشترك بين الناس بصفتهم الإنسانية، لم يجعله الله حقاً لقوم أو فئة دون غيرها.
فالمؤمن يعتقد أنه عبد مخلوق لله مثل بقية المخلوقات، سواء منهم الإنس أو الجن أو الجماد أو الحيوان، وقد جعله الله أمينا ووكيلا يحافظ على الكون ولا يستأثر به ولا يطغى بالسيطرة عليه، لأنه حق جعله الله شركا بين الأحياء جميعا، فلا يحق له أن يحرم منه حتى الحيوان.
لقد خلق اللهُ الإنسان فى هذا الكون وحيدا عاجزا عن إيجاد الأشياء التى تضمن له البقاء فى الحياة، فيسر الله له رزقه وسخر له الأرض والسماء والشمس والسحاب وغيرها حتى توفر له الماء العذب والهواء النقى والطعام الشهى، وذلك لأنه سبحانه لم يرد من الإنسان أن يأتيه قهرا تحت وطأة الحاجة والعوز للطعام أو الشراب أو غير ذلك، وإنما أراده أن يختار الإيمان طوعا ويصل إلى اليقين بوجوده وحكمته عن طريق التفكر والتأمل فى قدرته على الخلق والإبداع.
ثانيا: الحق والواجب
فالحق هو الحق المشترك بين الناس فى الاستمتاع والانتفاع بعطاء الله ورزقه الذى لم يجعل أحدا كفيلا على آخر فى الوصول إليه، والواجب هو واجب الرعاية والمحافظة على الكون والوجود، لأن هذا هو مقتضى الخلافة والأمانة التى تحملها الإنسان.
وقد أحاطت الشريعة أمر المحافظة على البيئة بتشريعات كثيرة ضمنت ارتباط إعمار الكون وتنميته بالإطار العام للدين، وأن مقررات الشريعة الإسلامية لتستهدف دائماً صلاح الفرد والجماعة فى غير عسر ودونما حرج، ولذلك شَرَعَتْ العقوبات المقررة على الأفراد، وفَرَضَت عليهم جهاد المعتدين المفسدين قاصدة، عمارة الأرض، هادفة المحافظة عليها ومنع الفساد فيها أو العبث بحياة المخلوقات عليها. والفساد فى الأرض له صور متعددة فهو يشمل الظلم والقتل والجحود والتخريب، ويجب على المسلم الامتناع عن كل أشكال الفساد وصوره.
ثالثا: المنهج والبناء
إن الشرع الإسلامى جعل إعمار الكون أمراً واجباً وضرورياً على الإنسان ديناً ودنيا، وهذا الإعمار عام يشمل كل الوجود والمخلوقات، ولم يفرض الشرع على الإنسان أسلوباً أو كيفية محددة يتبعها فى عملية التنمية والإعمار، بل وسع عليه فى ذلك، وطلب منه الاجتهاد فى تحصيل كل طريق يحقق له المصلحة والسعادة فى حياته، ورسم له منهاجاً عاماً وضع فيه منارات تهديه وترشده إلى المصالح الحقيقية التى تصل به إلى السعادة، وذلك ببيانه المقاصد والأهداف من وراء إعمار البيئة من حولنا، مما جعل خطوات الإنسان فى بنائه إيجابية فى جوهرها لا هدَّامة أو مُطَفِّفَةً، وجعلها لا تُخِلُّ بالعلاقات المُقَدَّرَةِ المحكمةِ بين عناصر الوجود.
وإعمار الأرض الذى كُلِّفَ الإنسانُ به يقوم على شقين: المنهج، والبناء. والإهمال لأى من الشقين يعتبر إفسادا، فإهمال البناء والتنمية يعد خللاً فى القيام بوظيفة الخلافة، وكذلك إهمال تحصيل المنهج السوى القائم على الالتزام الخلقى والفضيلة يُفَوِّتُ الفرصةَ فى جَعْلِ البناءَ حضارياً يُحَقِّقُ للإنسان السعادة.
رابعا: المحافظة والمحبة
إن الإسلام تعامل مع الطبيعة والكون من منطلق الحب والاحترام، وهو مستوى رفيع يزيد على مستوى المحافظة والتنمية، فالإسلام وَجَّهَ الإنسان إلى إنشاء علاقة بينه وبين الجماد فيها مشاركة وحنين وشوق، فالكون فى المنظور الإسلامى طائع لله يسبح ويسجد، يحب المطيعين ويبكى رحيلهم عن الدنيا ويبغض العاصين الكافرين ولا يبالى بزوالهم وهلاكهم، وذلك لأن المطيعين متناغمون متشاركون معه فى أداء السجود والتسبيح، أما الآخرون فهم معاندون متنافرون مع كل ما يحيط بهم.
ونحن نرى الرسول، صلى الله عليه وسلم، حينما خرج من مكة للهجرة عَبَّرَ عن حبه وتعلقه بالأرض التى نشأ فيها وتربى، حيث وقف عَلَى الْحَزْوَرَةِ- موضع بمكة- وقال: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلاَ أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». «أخرجه الترمذى».
فالنبى، صلى الله عليه وسلم، أحب الأرض «الجماد» لفضلها وكرامتها عند الله وعنده، حيث شَرُفَتْ بأن كان فيها أول بيت وضع للناس، ولكن الرسول فى ذات الحين أبغض الإنسان لفعله الجحود والكفر والجهل والفساد والإعراض. وتلك المحاور الأربعة تكوِّن رؤية حضارية شاملة تميز بها الإسلام فى بيانه لمفهوم البيئة، فقدم رؤية متكاملة للكون تدعو الإنسان إلى المحافظة عليه وحسن الانتفاع بما فيه من موارد.