التنظيمات الأصولية وجدت ضالتها في «الإرهاب الإلكتروني»

التنظيمات الأصولية وجدت ضالتها  في «الإرهاب الإلكتروني»الإرهارب الإلكترونى

وجدت الجماعات الإرهابية بتنوعاتها المتعددة ضالتها في منصات «الإعلام الرقمي»، وجعلت منها أبواقًا لنشر ضلالتها الفكرية، وغرفًا مغلقة لعمليات الاستقطاب الفكري والتجنيد التنظيمي، دون التقيد بمساحة جغرافية محددة، ما يمنح أطرافها الفاعلين المقدرة على المواجهة والبقاء والاستمرارية.

واقعيا بات الإرهاب الإلكتروني يمثلا خطرًا على أمن واستقرار الدول العربية، نظرًا لقيامه بدور وظيفي في تمرير سيناريوهات التقسيم و «خرائط الدم»، التي وضعها مفكرو وخبراء الإدارات الغربية والأمريكية، من أجل تحويل تلك الدول إلى كانتونات عرقية ومذهبية وطائفية.

الإرهاب الرقمي، يتسم بأنه عديم المركزية، وبهلامية خلاياه الكامنة فى عمق المجتمعات، وصعوبة ملاحقة أو رصد القائمين عليه، وعدم القدرة فى تحديد التوجهات التي تحملها رسائله بوضوح كامل، لا سيما التي يتم إرسالها من قبل اللجان الإلكترونية التي تستهدف نشر الشائعات أو غيرها من الأدوات التي يمكن بها التأثير فى الأوضاع الداخلية للدول على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

لم توقف الجماعات الأصولية توسيع قاعدتها التنظيمية على الوسائل التقليدية لكنها لجأت إلى استثمار «الإعلام الرقمي» فى استمالة القطاعات الشبابية إلى منهجيتها الفكرية، تهربًا من المراقبة الأمنية، ولعل الكثير من مناطق الصراع المسلح، مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن، شاهدة على انضمام مئات المراهقين من خلال شبكات الرقمنة الإلكترونية.

تخلت تيارات الإسلام السياسي، عن أدواتها التقليدية للتأثير فى الدوائــــــر المجتمعيـــــة المصرية والعربية، تطبيقًا لاستراتيجيتها الجديدة تجاه تنفيذ سيناريوهات «أسلمة المجتمعات»، إذ لم تعد فى حاجة للسيطرة على المساجد والمدارس والجامعات والنقابات المهنية، والأندية الشبابية والرياضية، لا سيما فى ظل الوعي الأمني والشعبي المتعافى تجاه مخاطر الجماعات الدينية الحركية.

يستخدم الإرهاب الرقمي، الكثير من الأشكال التي يتم من خلالها تمرير أجندة القائمين عليه، ابتداء من تأسيس المنصات الإلكترونية، فضلا عن الأكاديميات والأبواق الفكرية، التي تعتبر كبديل للمعاهد والمدارس الفكرية المباشرة، مثل معاهد «إعداد الدعاة»، التي اشتهرت بها واقعيًا التيارات السلفية.

«التجنيد الرقمي»، يتسم بنوع من السرية، سواء للقائمين عليه، أو المشاركين فى فاعلياته، نتيجة الاعتماد على الجروبات المغلقة أو البرامج المشفرة.

تستثمر غالبية التنظيمات المتطرفة شبكات «الإعلام الرقمي» فى تحقيق الكثير من أهدافها، سواء فى بناء قواعدها التنظيمية، أو استعراض قوتها من خلال ما يعرف بـ «البروجندة الإعلامية».

ومن ثم تحولت منصات «الإعلام الرقمي» إلى أبواق لنشر الكتيبات، والأناشيد الإسلامية، والخطب الدينية، والمجلات الإلكترونية، والتقارير المتلفزة التي تتبنى التوجهات الفكرية للجماعات الأصولية المسلحة، وسعيها فى تفكيك المجتمع، فضلا عن نشرها الآف الفتاوى التي تصف الحضارة المصرية القديمة بـ «الوثنية الكفرية»، ودعمها لمشروع إلغاء الحدود الجغرافية، وإعلائها من قيمة «الأممية الأصولية»، وغيرها من الأفكار التي تهدم فكرة الانتماء الوطني والحفاظ على ثوابت المجتمع وهويته الثقافية.

لم تتوقف عمليات تجنيد المراهقين على الإطار الفكري، لكنها انتقلت إلى حيز التطبيق العملى، فى إطار التوظيف «عن بعد»، والقيام بعمليات مسلحة متزامنة فى عمق المجتمعات العربية والغربية، عن طريق خلايا كامنة ومتأثرة فكريًا دون انتمائها فعليا للتنظيم، أو بظاهرة «الذئاب المنفردة»، أو «خلايا التماسيح»، وفقا لأدبيات تنظيم «داعش» التكفيرى المسلح.

وفقا لمؤشِّر الجاهزية للأمن السيبراني: تُعدُّ مصر واحدة من أكثر الدول الإفريقية عُرضةً لخطر الإرهاب الإلكتروني، وجاءت مصر فى الترتيب 23 ما بين 182 دولة بـ 95.45 درجة، الصادر عن «الاتحاد الدولي للاتصالات» لعام 2021، ويقيس المؤشر الجهود والاستعدادات التي قامت بها الدولة من خلال خمسة معايير هي: «المعيار القانوني، والمعيار التقني، والمعيار التنظيمي، ومعيار بناء القدرات، ومعيار التعاون، وقد تم تحديد هذه المعايير مسبقًا من قبل «الأجندة العالمية للأمن السيبراني» Global Security Agenda GCA. (65) ويعكس الترتيب الذي احتلته مصر فى المؤشر مدى فاعلية الجهود التي تقوم بها فى مجال الأمن السيبراني.

اتخذت الدولة المصرية مجموعة من الإجراءات القانونية والسياسية لمواجهة مخاطر الإرهاب الرقمي، والحد من تأثيره على الأمن القومي، حفاظًا على مؤسسات الدولة والمجتمع بشكل عام، أهمها: الجهود القانونية، التي نصت على أن أمن الفضاء المعلوماتي جزء أساسي من منظومة الاقتصاد والأمن القومي، وفقا لنص المادة (31)، من قانون «مكافحة تقنية المعلومات».

علاوة على انضمام مصر للاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات فى 19 أغسطس 2014، فى سبيل تعزيز التعاون بين الدول العربية لمكافحة جريمة الإرهاب الإلكتروني، وتبني سياسة جنائية مشتركة تهدف إلى حماية المجتمع العربي ضد جرائم تقنية المعلومات.

كما دشنت وزارة الاتصالات والمعلومات، المركز الوطني «للاستعداد لطوارئ الحاسبات والشبكات» CERT-EG عام 2009، من أجل مواجهة خطر الإرهاب الإلكتروني، ويختص المركز بتقديم الدعم للقطاع الحكومي والمالي، من خلال الدعم التقني والميداني وتقديم التقارير الفنية للجهات المختصة»، وتم تأسيس «المجلس الأعلى للأمن السيبراني» فى 16 ديسمبر 2014، ويهدف إلى وضع خطط استراتيجية للتصدي للهجمات الإلكترونية.

حماية الأجيال الجديدة من الوقوع فى فخ الجماعات الأصولية المتطرفة وتجنيدهم من خلال منصات «الإعلام الرقمي»، يتطلب تأسيس منصات فكرية متعددة تعمل على تفكيك الخطاب الأيديولوجي للجماعات الأصولية وتصحيح المفاهيم المتعلقة بالإشكاليات السياسية الدينية، مع ضرورة تأسيس مراكز بحثية فاعلة فى دراسة ظاهرة الإرهاب، لتقديم التحليلات العلمية حول التنظيمات وهياكلها وخلاياها وطبيعتها الديناميكية، وإبراز الجهود المحلية والدولية فى مكافحة تيارات الإسلام السياسي، مع تقديم الشرح القانوني لجرائم الإرهاب، والاستفادة منها فى توعية الجماهير.

أضف تعليق