سنوات المحن التى أتت بالمنح

سنوات المحن التى أتت بالمنحالدكتورة سهام عزالدين جبريل

الرأى12-6-2022 | 16:35

منذ عدة أيام اتصل بى أحد الزملاء من كبار الكتاب بإحدى الصحف القومية وبعد التحية والترحاب سألنى مباشرة هل تذكرين تاريخ اليوم وبسرعة نظرت وتفحصت شاشة هاتفى الجوال وسارعنى بالرد قبل أن أرد هذا اليوم ذكرى يوم الأثنين5 يونيو 67 منذ 55 عاما.

توقفت لحظات مر شريط ذكرياتى سريعا ارتد بى إلى تلك الأيام القاسية حقيقى لقد كان ، هذا اليوم يحمل مشاهد قاسية للغاية ، عاشته مصر كافة و سيناء خاصة استيقظنا على أصوات متعددة صوت إذاعة صوت العرب واصوات انفجارات وصوت اخر يأتي من إذاعة لندن وأزيز طائرات تملا سماء المدينة ، والأهالي مرتبكين يتسـألون ماذا حدث ؟؟؟ المشاهد كلها تقول انها الحرب لامناص ،،،

عدت إلى استكمال حديثى مع كاتبنا الكبير قلت أحداث مر عليها خمسة عقود ونصف لم تعد مجال حديث عنها ولم يعد يهتم بها احد ، رحم الله الاباء والاجداد ، تغيرت الحياة بكل مكوناتها ولم تعد هذه الذكريات محط اهتمام احد للحديث عنها بل أخشى لو تحدثنا عنها قد يعتقد البعض اننا ننبش في ماض اليم لاداعي للحديث عنه.

سارعنى برد لكن مازال هناك الكثير والكثير من الحكايا ومازال داخل شريط الذكريات صور ومشاهد لم تأخذ حقها ولم يسمع عنها احد ، رددت عليه بالفعل هذه الايام برغم قسوتها والألم الذي عشناه حينها ولكنها كانت مكتظة بالاحداث والمشاهد والحكايا الكثير منها لايعلمه الا من عاش الحدث وانطلقت للحديث عن ذكرياتى الدفينة فى شريط ذكريات ممتد احتفظت به فى ثنايا الوجدان فوجئت بنفسى احكى واحكي حكايا حكايا كثيرة واستعرض مشاهد اكثر واكثر كاننى امام لوحات تتلاحق بأحداثها اقرأ عناوينها وجزء من تفاصيلها وكأني أراها للتو.

حقيقى عشنا سنوات محنة قاسية لكنها اخرجت أجمل مافينا البطولة الفداء الصمود قوة المواجهة الابتكار الغير عادى القصص والحكايا الكثيرة وإذ بالمواقف والمشاعر تتزاحم لتتحدث عن نفسها

نعم رغم صدمة النكسة على كافة ارجاء الوطن ولكنها كانت الاكثر قسوه وقربا من اهلنا فى سيناء كنا فى بؤرة الحدث ففى تمام الثامنة من ذلك الصباح ، صباح الخامس من يونية 1967 كانت مفاجأة العدوان الإسرائيلي على مصر والدول المجاورة والتي بدأت بشن هجوما على القوات المصرية في سيناء وبدأت عملياتها بقصف جوى للمطارات ، حيث قامت القوة الجوية الاسرائيلية بضرب المطارات المصرية ومدارجها ومنها مطار العريش الذى تلقى ضربة قاسمة أدى الى تحطيم معظم الطائرات المتواجدة على أرض المطار ، وبذلك تم تحطيم الغطاء الجوى للقوات المسلحة المصرية المتواجدة على الخطوط الأمامية للجبهة.

وإنطلقت حينها جموع الفرق الشعبية لتتولى أدوارها في حراسة الأماكن والمرافق ، كما إتجه أفراد الحماية المدنية إلى قسم العريش لتسلم بعض الأسلحة الخفيفة لتأمين الطرق والمنشأت ، وإرتفعت أصوات الإذاعات المصرية والعربية التي تبشر بتقدم القوات إلى العمق الإسرائيلي ، وحفلت الإذاعات المصرية والعربية ، بالبيانات العسكرية والأغانى الوطنية ، والتي تبشر بالنصر والمؤكد بتحطيم العدو الإسرائيلى !!!

ورغم ذلك فقد إستمر القصف العنيف لمطار العريش وإزدادات حدة الضربات الأتيه من المواقع الأمامية حيث إرتابت الأهالى خيفة مما يحدث وبدأ الشك يصارع اليقين ، الذى أصاب الجميع بالتوجس ، ومع إقتراب مساء ذلك اليوم ترددت أنباء عن إقتراب قوات العدو نحو مدينة العريش كما ترددت أنباء عبر بعض الإذاعات الأجنبية ، عن إختراق القوات الإسرئيلية للطريق الأوسط لسيناء متجه إلى قناة السويس وفور سماع هذه الأخبار انطلق الأهالى بعمل ترتيبات سريعة حيث تم توزيع الأدوار على الجميع فتم تنظيم مجموعات فدائية لملاقاة قوات العدو ومواجهة أي أختراق لمداخل مدينة العريش.

كما تم تنظيم مجموعة لتجميع جنود وضباط القوات المسلحة المتراجعين من الخطوط الأمامية ، وتأمين الآماكن العسكرية ، وكما تم تشكيل مجموعة إنضمت الى الفرقة العسكرية المكلفة بحماية المدينة واستمرت عمليات المواجهة حتى حل الظلام ، وكون الأهالى حصن منيع لحماية المدينة خلال أيام الخامس والسادس والسابع من يونية ، واستمرت المقاومة لمنع سيطرة العدو على مداخل مدينة العريش التي ظل أهلها يقاومون ببسالة ، وفى مساء يوم الأربعاء السابع من يونية وبعد مقاومة عنيفة وتساقط الشهداء من الاهالى استطاع العدو التمركز في مداخل مدينة العريش وتواردت الأنباء عن وصول قوات العدو وإحتلالها للضفة الشرقية لقناة السويس ، ورغم ذلك فلم تهن عزيمة أهالى المدينة بل إستمروا في المقاومة وإنضموا إلى المقاومة مع مجموعة من ضباط الجيش ، الذين أصروا على عدم ترك سيناء والاستمرار فى مواجهة العدو ومنعة من الوصول للعريش عاصمة عموم سيناء وحركوا أماكنهم الى المناطق والربوات والتلال العالية حول مدينة العريش بالتنسيق مع مجموعات المقاومة المتواجدين لحماية مدينة العريش ، ووضع الأهالى العراقيل والدشم لإعاقة تقدم قوات العدو وإختراقة للمدينة واشتبكت القوات الشعبية مع قوات العدو المتمركزة بالقرب من جامع المحطة على مشارف مدينة العريش والتلال الرملية المحيطة بها كما شهد يوم الخميس معارك دامية انتقلت مشارف المدينة واخترقت الدبابات الإسرائيلية المدينة ووجدت مقاومة شديدة فيها فشهدت معركة ميدان التحرير بالمدينة مقاومة شديدة ، كما شهدت منطقة تبت بحرى بالقرب من الميدان ضربات لإعاقة الدبابات الإسرائيلية المجنزرة ، دارت فيها المعركة القاسمة والتى استمرت عدة أيام.

عشنا الايام الاولى من الحرب ايام قاسية كنا محاصرين انضم الاهالى الى الضباط والجنود فى مواجهة غير عادلة لمقاومة قوات الاحتلال ومنعها من الدخول للمدينة ، معارك تمركزت فى مداخل المدينة من الجهة الشرقية عند منطقة الريسة وعند محطة الابطال ، قاومت العريش بكل مااوتيت من قوة ولكن السلاح نفذ.

حاولوا احراق المدينة والانتقام من اهلها اطلقوا عليها ثلاثة صواريخ لتفجيرها واحراقها ارضا وبشرا ، ولكن الله حمى العريش حيث ارتدت هذه الصواريخ الثلاث وتفجرت فى الصحراء وفى باطن الكثبان الرملية المحيطة بالمدينة ، كانت المعركة الاخيرة على سفح تبة بحرى ، وحينها استشهد الابطال عسكريين ومدنيين لم يستسلموا بل سلموا ارواحهم للمولى عز وجل ، دفاعا عن تراب الوطن ، وفى الحقيقة أن معركة إقتحام مدينة العريش تمثل مأساة شهدها أطفال جيلى فبرغم أنها كانت مأساء درامية وعملية إجرامية مكتملة الأركان من قبل عدو حاول بكل الطرق إسقاط مدينتي الوديعة إلأ أنه لم يستطع أحتلالها إلا بعد أن حل الظلام وبعد عده ايام وأمام مقاومة شعبية شرسة ، وشهد ميدان المالح على مشارف المدينة بطولات كثيرة مثل المعركة التى دارت رحاها بين الشباب وبين قول دبابات إسرائيلى وعدد من المصفحات كانت فى طريقها إلى دخول البلدة للأستيلاء عليها... كما أستطاع ضابط مصرى أن يزحف بمدفعة من الخطوط الأمامية إلى وسط المدينة ووقف فوق منطقة ( تبة بحرى) وخلفة مجموعة من أهالى العريش كانوا من الرجال والنساء والشباب والأطفال ... أستطاع هذا الضابط الشاب أن يعطل ويضرب قول الدبابات كلة ومن الجهة المقابلة كان شباب المقاومة بمدافع (الأر-بى- جى) يلتحمون مع العدو.

كانت المعركة عنيفة وكان الأسرائيليون يستعملون الميكرفون فى توجية نداءات ألى الضابط :(سلم نفسك أيها الضابط المصرى تسلم) لكن الضابط رفض التسليم وظل يقاوم ومعه الأهالي واخذ يضرب بعنف.

فى هذا الميدان سقط الكثير من الشهداء لكن الضابط لم يسلم والأهالى لم تسلم ولجأ العدو إلى الخدعة أرسل طائرة هليوكوبتر لتضرب الضابط من أعلى ولجأوا إلى نسف البيوت المحيطة لكشفة ووقع الضابط شهيدآ لكن بعد أن أحنت بطولتة رؤوس الأعداء… ويختنق الصوت لم يستطيعوا وقف المقاومة إلا بخدعة وساعدهم على ذلك حلول الظلام.

, إنها قصة الحرب التى دارت رحاها فى الليل ، إنتشرت المقاومة داخل أحياء المدينة واستمر القصف ل مدينة العريش وأحيائها على مدى عدة أيام متتالية ، عاش الأهالى أيام عصيبة من اصعب الأيام التي شهدتها مدينة العريش من حصار كامل وضرب بكافة انواع الذخيرة من مدافع الهاون وصواريخ وقنابل نابالم ادت إلى استشهاد العديد من الاهالي الذين تهدمت عليهم بيوتهم كان الرصاص والشظايا ودانات القنابل تتساقط حولنا كالمطر ، ولكن استمرت اعمال المقاومة ل مدينة العريش التي كانت عصية على قوات الإحتلال لانها كانت تمثل الكتلة السكانية الاقوى ، وبرغم نفاذ الذخيرة المتواجدة بين المتطوعين من أبناء المدينة إلا أن المقاومة الشرسة استمرت وإتخذت أدوات وأساليب متعددة للمواجهة بين السكان لمواجهة العدو الإسرائيلي ، والتي عبرت عن الرفض التام لتقبل فكرة السيطرة والإحتلال ل مدينة العريش الباسل حيث ترجم ذلك دور أبنائها الوطنى.

وبرغم الالم والحزن الذى اسدل ستائرة على كافة أرجاء مدينة العريش الباسلة التى قاومت بكل مااوتيت من بطولة ومواجهة فى معركة غير متكافئة فالسكان العزل الذين انضم اليهم الضباط والمجندين صنعوا ملاحم بطولية نظمت اساليب مبتكرة للتعامل مع المرحلة الجديدة التى فرضت عليهم وكان التخطيط والتحرك والصمت والسرية احد الادوات الهامة لاستكمال المعركة في مواجهة سنوات الاحتلال القاسية التى تميزت بالصمود والصبر واليقين بأن الغد القادم سيحمل بشائر للخير فمن رحم المعاناة ومن هول المحنة ولدت المنحة حتى قبل أن تندلع شرارة النصر بأكثر من ست سنوات عندما شهدت جبهة القتال معارك شرسة كانت نتائجها بمثابة صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية ، كانت قلوب اهلنا فى سيناء متعلقة بتلك الادوار التى رصدت مرحلة الصمود التي امتدت فى الشهور اللاحقة للحرب فمن الداخل كان وضع المتاريس فى الشوارع والمقاومة بكافة أشكالها وسجل اضراب العريش فى اغسطس 68 رسالة قوية للعدو الذى اعلن السكان فيها رفضهم لسلطات الاحتلال وعدم التعامل معه واستنجدو بالمنظمات الدولية لحمايتهم ، ونظموا ادوارهم الوطنية للمقاومة ورصد تحركات العدو وتجميع المعلومات عن معسكراته وتحركاته ونقلها وتوصليها الي أجهزة الاستطلاع

والمخابرات الحربية المصرية أول بأول ثم تلاحقت بشائر الامل التى وردت من جبهة القتال فكانت بواكيرها معركة رأس العش (1 يوليو 1967) ثم إشتباكات الطيران الطويلة ليلة 14-15 يوليو 1967 ثم تدمير المدمرة إيلات (21 أكتوبر 1967)

ثم بدأت مرحلة الردع التي استمرت حتى مارس 1969 استهلتها بأعمال ردعية لمنع قوات العدو من تقوية دفاعاتها على الضفة الشرقية للقناة و كانت معركة المدافع الشهيرة في سبتمبر 1968 حيث بدأت القوات بقصف قوات العدو على الضفة الشرقية للقناة مكبدة العدو خسائر.

فادحة في الأفراد والمعدات وازداد الامل وضوحا ولاحت بشائر الامل عندما بدأت المواجهة على جبهة القتال تتصاعد يوما بعد يوم وزادت وتيرة عمليات القوات الخاصة خلف خطوط العدو والتى كانت تتخذ من الظهير الشعبى لها وحائط الصد الذى تمثل فى منصات رصد عيون اهل سيناء لكافة المعلومات التى ترصد تحركات جيش العدو والتى زادت معها صرخات جنود وقادة إسرائيل و تدخل الطيران الإسرائيلي بصورة كبيرة بعد أن زادت المدفعية المصرية من قصفاتها المستمرة ضد المواقع الإسرائيلية و قبل نهاية 1968 كانت طائراتنا قد بدأت تحد من نشاط إسرائيل الجوي على امتداد جبهة القتال ، الى ان بدأت المرحلة الثالثة من حرب الاستنزاف من مارس 1969 حيث تطورت الاشتباكات وتصاعدت وتيرتها و زادت دوريات العبور إلى الضفة الشرقية للقناة بداية من عملية التمساح التي نفذتها "المجموعة 39 قتال خاص"انتقاما لاستشهاد "الفريق أول عبد المنعم رياض| وقتل 44 جنديا إسرائيليا يوم 19 مارس 1969، وفرضت قواتنا حربا طويلة الأمد على القوات الإسرائيلية لاستنزاف مواردها و قوتها البشرية بعد ارتفاع معدلات خسائرها في الأفراد و المعدات.

استمرت مشاهد البطولة حتى عام 1973 بحرب العبور المجيدة حيث تجلت أعظم ملاحم الشجاعة والفداء في حرب خاضتها مصر كلها قلبا وقالبا في مواجهة إسرائيل ومابين يونيو 1967 و 6 أكتوبر 1973 كانت هناك معركة أخرى داخل غرف عمليات القوات المسلحة وقاعات التخطيط العلمي الإستراتيجي.

لقد عاشت ارض سيناء سنوات المحن التى أتت بعدها المنح فقد كانت شاهدة على أحداث يونيو 67 ، وملحمة انتصارات اكتوبر 73 و لو أتيح لارض سيناء، أن تتكلم لقالت الكثير والكثير ، نحن نذكر فقط ماشاهدناه ورايناه بعيون اطفال سيناء ذلك الجيل الذي عاش تلك الايام القاسية الصعبة ،

واليوم، ونحن نذكر ونتذكر تلك الايام وبرغم مرارتها لأبد لنا أن ندرك أن النصر الذي تحقق فى اكتوبر 73 لم يأت من فراغ ، بل بني على قاعدة وطيدة تستند إلى عقيدة وطنية قوية محددة، قائمة على رؤية سياسية واضحة، واستراتيجية مستنيرة ونظرة مستقبلية واعية ومتفهمة‏ استطاعت ان تعبر سنوات المحنة وتصنع منها الانتصار الكبير.

تحية عاطره لأرواح شهدائنا ومصابينا وكل أهلنا وابطالنا الذين حاربوا على هذه الأرض لتكون مصرنا الغالية وتظل دوما ارض العزه والكرامه حفظ الله مصر بلادي العظيمة .

ومازال للحكاية ألف حكاية ،،

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2