فى أيام طفولتي.. كانت لدينا فى دمنهور أربعة دور عرض سينمائية وهي سينما النصر الشتوي وسينما النصر الصيفي و سينما ميامي وسينما النجمة.
والأولى كانت فى الأصل مقرا للأوبرا التي افتتحها الملك فؤاد الثاني وملحق بها مكتبة ضخمة لا تزال موجودة إلى الآن ثم تم إهمال دار الأوبرا وتحويل القاعة إلى سينما ثم تم إغلاق السينما وتحول المكان إلى مركز للدروس الخصوصية قبل أن تنقذه وزارة الثقافة فى عهد الوزير الأسبق فاروق حسني وتعيد افتتاح أوبرا دمنهور التي تحولت إلى منارة ثقافية وفنية فى قلب الدلتا.
أما شقيقتها سينما ومسرح النصر الصيفي فقد كانت تستغل كدار عرض سينمائي فى فترة الصيف فقط لأنها سينما ومسرح مكشوف بلا سقف فى نفس الوقت الذي كانت تقدم فرقتا البحيرة المسرحية والبحيرة للفنون الشعبية عروضهما على مسرحها المكشوف وكان ملحقا بها أيضا مكتبة جميلة. ومع الأسف فقد تم إلغاء العروض السينمائية الصيفية وإغلاق المكتبة وتوقفت عروض فرقة الفنون الشعبية وتم الاكتفاء فقط ببعض العروض المسرحية والحفلات المدرسية على فترات متباعدة ومتفرقة.
كما تم إغلاق داري عرض النجمة وميامي وتحول إحداهما إلى مطعم للفول والطعمية !
والحقيقة أن هذا هو حال معظم دور العرض السينمائية بالأقاليم وليس فى دمنهور فقط والتي تقلص عددها إلى أقل من الثلث فى ظل انصراف العائلات المحترمة عن ارتيادها ومشاهدة الأفلام بها مع تحولها إلى أوكار للمدمنين والبلطجية، خاصة وأن العدد الأكبر من تلك السينمات كان ينتمي إلى ما يسمى بسينمات الدرجة الثالثة !
والغريب أن أزمة دور العرض التي أثرت سلبيا على حجم الإنتاج السينمائي فى مصر خلال الثمانينيات والتسعينيات، وتفاقمت بشدة مع بداية عصر الفيديو وانتشار ظاهرة أفلام المقاولات التي كان يتم إنتاجها بميزانية محدودة للغاية وفي أيام قليلة ويقوم ببطولتها نجوم الصف الثاني والثالث للعرض على أشرطة الفيديو مباشرة دون عرضها جماهيريا.
هذه الأزمة انتهت إلى حد كبير مع انتشار المراكز التجارية فى مصر وحرص معظمها على افتتاح قاعات عرض سينمائية جديدة مكيفة ومجهزة بأجهزة عرض حديثة لاستقطاب جمهور تلك المولات وتقديم خدمة ترفيهية متكاملة لهم مع قاعات الطعام وسلاسل الأكلات السريعة والملاهى.. ولكن هذه الظاهرة اقتصرت فقط على القاهرة والإسكندرية ولم تمتد إلى المحافظات.
وأصبحت معظم أقاليم مصر بلا قاعات عرض سينمائية بعد تخريب وإغلاق معظم دور العرض القديمة والتوقف عن إنشاء قاعات سينما جديدة.
ولا بديل لاستعادة جمهور السينما فى الأقاليم عن تدخل الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة لتحويل بعض قاعات قصور الثقافة التي تم تجديدها فى معظم محافظات مصر إلى قاعات عرض سينمائية كحل مبدئي يمكن أن يشجع القطاع الخاص على العودة إلى الاستثمار فى هذا المجال