أكد مسئولون دوليون فشل العقوبات الدولية التى تستهدفت حظر تصدير النفط على الدول الصادر ضدها هذه العقوبات في تحقيق أهدافها، وأن هذه الدول تمكنت بفضل التعاون مع دول حليفة ودول ذات مصالح وشركات تجارة دولية من التحايل على هذه العقوبات وتمرير النفط المحظور إلى الأسواق العالمية.
وكشفت تقارير صادرة عن وسائل إعلام عالمية مدعومة بتصريحات مسئولين ومختصين، أنه بخلاف الأساليب المتعارف عليها من جانب إيران وفنزويلا للتحايل على العقوبات بإبرام صفقات غير مشروعة وبيع النفط في المياه الدولية بعيدا عن النظام المالي العالمي، أسفرت السياسات الروسية لمواجهة العقوبات الاقتصادية بحظر تصدير مواد الطاقة عن أدوات جديدة لإبطال مفعول هذه العقوبات، لافتة إلى أن من أهم الأدوات اتخاذ إجراءات مسبقة لمواجهة العقوبات المتوقعة في إطار السياسات الاستراتيجية طويلة المدى للدولة، وتوثيق العلاقات مع الدول ذات المصالح المشتركة، علاوة على الدراسة الجيدة والدقيقة للأسواق العالمية والكشف عن نقاط الضعف، والتي تعد أوراق ضغط يمكن من خلالها الإفلات من العقوبات الاقتصادية.
لماذا تفشل العقوبات الاقتصادية فى حظر تصدير النفط؟ وكيف تتحاليل الدول الواقعة تحت الحصار الاقتصادى فى النفاذ إلى الأسواق العالمية؟، وما هى الأدوات الجديدة التى أسفرت عنها السياسات الروسية لإبطال مفعول تأثير العقوبات الاقتصادية؟ هذا ما تكشف عنه السطور التالية.
المصالح فوق العقوبات
ذكرت صحيفة «تلغراف» البريطانية، أن ثلاث دول أوروبية كبرى هى فرنسا وبلجيكا وهولندا، زادت وارداتها من الغاز والنفط الروسيين منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، والتى بموجبها فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية عقوبات اقتصادية ضد روسيا تتضمن حظر 90 % من واردات أوروبا من الغاز والنفط، مشيرة إلى أن واردات فرنسا من الغاز الروسى بلغت 900 مليون يورو فيما بلغت قيمة واردات النفط 100 مليون يورو منذ بداية الحرب.
وكشفت الصحيفة البريطانية، أن العديد من دول الاتحاد الأوروبى التى تكثف من اجتماعاتها لحظر مصادر الوقود الروسية لا تكترث بتنفيذ العقوبات ورفعت من قيمة وارداتها من مصادر الطاقة حفاظا على مصالحها الاستراتيجية.
وجاءت تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، مؤكدة لهذا التوجه، والتى شدد على أن الولايات المتحدة منخرطة فى مناقشات مكثفة مع الدول الأوروبية تستهدف الحد من العائدات التى يمكن أن تدرها روسيا من بيع النفط، على أن يأتى ذلك مصحوبًا باستمرار إمدادات النفط الروسى للأسواق.
وقالت يلين فى جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، «إن المسئولين الأمريكيين حريصون على استمرار تدفق النفط الروسى إلى السوق العالمية لاحتواء الأسعار وتجنب الارتفاع، الذى قد يتسبب فى ركود عالمى».
وأضافت: «لكن الهدف هو الحد من العائدات التى تذهب لروسيا»، لافتة إلى أن هناك طرقًا لتحقيق هذا الهدف.
الدول الوسيطة
الآلية التى اعتمدت عليها روسيا نجحت بخفض سعر برميل النفط الروسى عن السعر العالمى ردًا على العقوبات الأمريكية الأوروبية بحظر معظم واردات النفط من روسيا، كعقوبة على حربها فى أوكرانيا، فى إعادة رسم خارطة الطاقة الجديدة وجذب عدد من الدول لتستفيد من هذه المستجدات، أبرزهم الهند التى زادت مشترياتها من النفط الخام الروسى بشكل كبير نهاية مايو الماضي، وذلك ليتم إعادة بيعه فى الأسواق العالمية، والأوروبية بأسعار أعلى.
وعن دور الهند كوسيط فى شراء النفط الروسى وإعادة بيعه ذكرت صحيفة «برلينر تسيتونغ» الألمانية، أنه مع تطبيق الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا منذ بداية يونيو الجاري، ورغم أن الاتحاد الأوروبى سيواصل رفضه لشحنات النفط الروسية عن طريق البحر، إلا أن العقوبات لا تخلو من وجود ثغرات، أبرزها الاستثناء المؤقت الذى يتمثل فى خط أنابيب النفط الخام من روسيا، والذى تستطيع موسكو التحكم فيه بحرية كاملة.
ولفت التقرير إلى أن الهند تعد المستفيد الأكبر من حظر النفط، وأنه بسبب الوفرة فى السوق المحلية، يتم تداول النفط الخام الروسى بسعر أرخص على المستوى الدولى من النفط الخام من البلدان الأخرى، مشيرًا إلى أن الهند حصلت على نحو 62.5 مليون برميل من النفط الروسى منذ اندلاع الحرب حتى بداية يونيو، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف ما كانت تستورده فى نفس الفترة من عام 2021.
وأضاف التقرير أن الهند استوردت نحو 819 ألف برميل يومياً من النفط الروسى خلال شهر مايو الماضي، مقارنة بـ90 ألف برميل فقط فى العام السابق، مؤكدا أن هذه المعدلات آخذة فى الارتفاع. وأنه وفقًا لشركة أبحاث السوق الأمريكية «كبلر»، فقد تفوقت آسيا على أوروبا كأكبر مشترٍ للنفط الروسى لأول مرة فى أبريل الماضي.
إعادة البيع
أوضحت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن مصافى النفط الهندية الخاصة، التى تستورد النفط بأسعار مخفضة من روسيا، تعيد بيع النفط الروسى إلى الأسواق العالمية بعد عملية التكرير، حيث تزود السوق العالمى بالبنزين والديزل، والنفط الخام دون الكشف عن مصدره وكيفية وصوله، مشيرة إلى شحنات الوقود الهندى إلى العالم زادت بنسبة 15٪ خلال الأشهر الخمسة الماضية، كما ارتفعت معدلات التسليم اليومية إلى الاتحاد الأوروبى على أساس ربع سنوي، وارتفعت أيضا شحنات الهند إلى الولايات المتحدة بنسبة 43٪، مؤكدة أن هذه الشحنات تعد ذات تكلفة مرتفعة نسبيًا.
مركز تكرير إقليمي
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن الهند بحسب خبراء تسعى لكى تصبح مركز تكرير فعلى لأوروبا، مؤكدا أن الأوضاع الاقتصادية المتأزمة فى أوروبا تساعد الهند فى تحقيق هدفها فى التحول إلى مركز تكرير إقليمى لتزويد الأسواق الأوروبية بمشتقات النفط.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال تعقيبًا على ذلك أوضح «زاكلين ناستيك»، النائب بالبرلمان الألمانى عن حزب اليسار، أن الهند لها الحق فى التجارة بحرية فى الأسواق الدولية، والسعى للاستفادة من التغيرات العالمية فى مسيرتها التنموية.
وشددت الصحيفة الأمريكية أنه على الرغم من أنه لا توجد عقوبات ثانوية على الدول التى تتعامل مع روسيا، فإنه لا يوجد ما يمنع الهند من استيراد النفط الروسى وإعادة بيعه.
تحركات مسبقة
بحسب هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي»، استعدت روسيا مسبقا لمواجهة هذه العقوبات فى إطار استراتيجية طويلة الأمد تستهدف التحرك المسبق لمواجهة العقوبات المتوقعة، ومن هذا المنطق ووفقا لاتفاقات مسبقة بين روسيا والصين تم مد خط أنابيب بين سيبيريا والصين عام 2019 تصدر روسيا خلال 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى الصين لمدة 30 عام بقيمة تصل إلى 400 مليار دولار.
ومن منطلق هذه التوجهات تم أيضا مد خط يربط بين موسكو وأنقرة، بطاقة سنوية تصل إلى 16 مليار متر مكعب، بجانب خط آخر باكستان ستريم فضلا عن مشروع لإنشاء محطة للغاز الطبيعى المسال فى باكستان.
أسواق جديدة وخفض الأسعار
واستكمالا لهذه السياسات اعتمدت روسيا على آليات جديدة لبيع النفط، بعيدا عن العقوبات ومن أهم هذه الآليات خلق أسواق جديدة، وخفض سعر النفط الخام، والبيع فى عرض البحر، وأشارت التقارير بحسب شبكة الإذاعة البريطانية أن أسيا كانت تحصل على 35% من النفط الروسى قبل العقوبات وتشير التقديرات إلى تدفقات النفط الروسى عبر البحار إلى آسيا ارتفعت إلى 50% منذ بداية العام.
وفى زيارة للرئيس بوتين إلى بكين وقع إتفاقيات لتصدير النفط الروسى للصين خلال السنوات العشر المقبلة لتصل قيمتها إلى 80 مليار دولار.
التمويه والتحاليل
تغيير الأعلام وطلاء البواخر ونقل نفط من سفينة لأخرى بعرض البحر فى المياه الدولية، بعيدًا عن النظام المالى العالمى ووقف نظام تتبع السفن أبرز أساليب التحايل الإيرانية لبيع نفطها رغم العقوبات، هذا ما كشفت عنه تقارير صادرة عن شبكة هيئة الإذاعة الوطنية الأمريكية «إن بى سى نيوز»، وعدد من الصحف العالمية ووكالات الأنباء، وبحسب ما جاءت به هذه التقارير، رغم محاولات تمويه عديدة استطاعت واشنطن ضبط حمولة نفط إيرانية ومصادرتها رغم أساليب التحايل الإيرانية وصادرت الولايات المتحدة حمولة ناقلتى نفط يُشتبه فى أنهما كانتا تنقلان أكثر من 700 ألف برميل من النفط الإيرانى فى انتهاك للحظر الأمريكي، بحسب ما أظهرته وثائق قانونية.
شبكات التهريب
ذكر تقرير صدر مؤخرًا عن وكالة رويترز العالمية للأنباء، أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت عقوبات على شبكة تهريب النفط الإيرانى وغسيل الأموال المدعومة من روسيا بحسب تقرير رويترز وعدد من وسائل الإعلام الأمريكية أوضحت أن هذه الشبكة يقودها مسؤولون من الحرس الثورى الإيرانى وتدعمها مستويات عليا فى الحكومة الروسية.
ويفيد بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، بأن الشبكة «سهلت بيع ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط الإيراني» لفيلق القدس وجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.
وفى هذا الصدد أكد بريان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة الامريكية أن بلاده، ستواصل فرض عقوبات صارمة على تجارة النفط الإيرانية غير المشروع، وأن أى شخص يشترى النفط من إيران يواجه احتمال عقوبات أمريكية.
التعاون مع الحلفاء
وأمام الظروف الصعبة التى تواجها فنزويلا نتيجة العقوبات الأمريكية استعانت قدر المستطاع بالتعاون مع حلفائها حول العالم، وبحسب ما كشفت عنه مجلة فوربس الأمريكية استعان الحزب الاشتراكى الموحد الحاكم فى فنزويلا بالتعاون مع روسيا والصين وإندونيسيا وتجار النفط الأوروبيين فى إيجاد طرق لتسويق النفط الفنزويلى وبيعه.
وحول هذه القضايا أوضح كينيث رابوزا المتخصص فى شؤون الأسواق لدى مجلة «فوربس» الأمريكية أن الحفاظ على فاعلية الحزب الاشتراكى الموحد الحاكم فى فنزويلا، يُعَد أمرًا مهمًا للصين فى إيجاد حليف لها فى أمريكا اللاتينية، وهى منطقة تعد تابعة للولايات المتحدة إلى حد كبير.
الشركات الأوروبية تساعد فنزويلا
وبحسب ما ذكره كينيث رابوزا الشركات التجارية الأوروبية أسهمت فى حجز سفن متجهة إلى الصين العام الماضي، وأنه وفقا لمنصة الخدمة الإخبارية للسلع الأولية «إس آند بى جلوبال بلاتس»، فرضت وزارة الخزانة، فى يناير 2021، عقوبات على سلسلة من تجار النفط الأوروبيين وناقلات النفط الخام؛ بسبب مساعدة شبكة مكسيكية فنزويلا على تجنب العقوبات وشحن النفط إلى الموانئ الآسيوية، لافتًا إلى أنه تم إضافة شركتى تجارة النفط «سويس أويل تريدينغ» السويسرية « و«إليمنتو» المالطية، والمواطن الإسبانى الفنزويلى فرانسيسكو خافيير داغوستينو كاسادو، والمواطن الإيطالى أليساندرو بازونى إلى قائمة العقوبات.
المصافى الصينية الصغيرة
وفقًا لتقرير صادر عن «بلومبيرج» أن المصافى الصغيرة فى الصين تتمكن من الإفلات من العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية والفنزويلية، باستخدام أعلام مزيفة، وناقلات قديمة وإيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال، ونقل النفط فى وسط المحيط بين السفن لإخفاء مصدر النفط المُصدَّر بطريقة غير مشروعة.
ووفقًا لتقرير بلومبيرج فإن المصافى الصغيرة ذات الأصول والأسواق التى تقتصر إلى حد كبير على الصين وحلفائها قادرة على تجاهل مخاطر العقوبات الأمريكية من أجل تكرير النفط الرخيص الثمن.
وفى هذا الصدد، أكد أنديرس كور مؤسس موقع «كور أناليتكس» إنه يصعب أن تطول العقوبات هذه المصافى الصغيرة، مشددًا على ضرورة أن تمتد العقوبات لتشمل كيانات أكبر يمكن معاقبتها بشكل مباشر.