عاطف عبد الغنى يكتب: ملاطم التيار الصبَّاحي!

عاطف عبد الغنى يكتب: ملاطم التيار الصبَّاحي!عاطف عبد الغنى يكتب: ملاطم التيار الصبَّاحي!

*سلايد رئيسى2-2-2018 | 16:45

أخيرًا وجدت ما أتفق فيه مع عمار علي حسن، والاتفاق يتمثل فى الحُكم على العرب المحدثين أو الحاليين بفقر الخيال.. والخيال السياسى تحديدًا، الذي هو موضوع أحدث كتبه الذى يحمل نفس العنوان «الخيال السياسى».

وكيف تكون السياسة مجالا للخيال يا أستاذ عمار؟!.. يجيب: ينبع من توزعها (السياسة) بين الإيهام والإبهام، والإلهام.

ومن أين ينبع الخيال السياسى؟ .. ينبع من استقراء التاريخ، والوعى بالمستقبل وبصيرة القيادة، وروح الفريق، والتفكير الجانبى، والتباعدى، ونظرية المباريات، والمحاكاة، وقرائح مبدعى الأدب، واستطلاعات رأى الناس، واستعراض التجارب الناجحة ودراستها.

وعلى العكس ففقر الخيال السياسى، أو كما يقول عمار، المعوقات التى تحول دون شحذه أو تنميته، هى الاستسلام للواقع، وبلادة صُنّاع القرار، والتحكم البيروقراطى ونقص المعلومات، والاستهانة بها، والجهل بالتاريخ، وتقديس الموروث، والتفكير بالتمنى وسطوة الأيديولوجيا.

سؤال ثالث: فيما يتم توظيف الخيال السياسى؟ يشرح عمار أن الخيال السياسى يوظف فى عبور الأزمات وبناء الخطط والاستراتيجيات، والحرب، ومكافحة الفساد، ومواجهة الإرهاب، وتعزيز الحس الأمنى، وتقدير الموقف، وتفادى سلبيات الديموجرافيا السياسية، والبحث عن المثل العليا والفضائل الاجتماعية، والسياسية، وتكوين الجماعات المتمثلة فى اختراع الهويات القومية، وتوظيف الصناعات الإبداعية فى خلق التماسك الاجتماعى وصناعة الدور (انتهى الاقتباس من كتاب عمار) .

(1)

ويكفى ما سبق لنفهم أن ما يحدث الآن على العرب هو بالفعل - فى جزء منه - ناتج عن فقر الخيال، وخاصة عند النخب السياسية التى أوصلت بلادها إلى الحال المتردى وأزماتها من التفكك والتشرذم، والتحارب الداخلى.

أكرر وأؤكد وأقطع أى شك بيقين المعلومات أن المخطط العام لـ «الربيع العربى» تمت هندسته فى معامل الخيال السياسى الغربى، أو «الثنك تانكس»، وأنه حتى اللحظة التى أكتب فيها هذه السطور لم تفك النخب العربية شفرة هذا الـ «الثنك تانكس» التى تتحكم فى صناعة القرار فى الغرب، ولم يفهموا كيف تحرك مراكز البحوث تلك القادة، والجيوش، وتخلق الأعداء من الوهم، وتضعهم على لوحات التنشين والاستهداف، وتعبئ ماكينات الإعلام وتوجهها نحوهم، وتغسل عقول شعوبهم، فيما يسمى حروب الجيل الرابع والخامس، لتدفعهم إلى العمل والتخديم على مصالح الرأسمالية والصهيونية العالمية.

(2)

على سبيل المثال استطاع هذا الخيال السياسى عند عرّاب الثورات الملونة المدعو جورج سورس الشرير أن يمول الانقلابات فى بلدان أوروبا الشرقية ليتم اصطيادها، وإدخالها حظيرة العولمة، ثم استدار سورس وفريقه إلى العالم العربى ليمارس عليه نفس الدور، وشبح سورس موجود أيضا فى إيران، وليس بعيدا عن الصين، أو غيرها من البلدان المارقة على النموذج العولمى الغربى.

وعمل سورس مستمد من ذات الجذور الماسونية وأهدافها التى لا تخدّم إلا على الفكرة والأيديولوجية والمؤامرة الصهيونية على العالم، وليس الشرق الأوسط فقط .

والخيال السياسى وعلوم النفس الاجتماعى، هى أيضًا التى جعلت شخصًا يسمى جين شارب، يستلهم نموذج الكفاح السلمى للمهاتما غاندى الذى كان يحارب به المستعمر البريطانى لبلاده، وكذا استلهام نموذج كفاح الزنوج فى أمريكا بقيادة مارتن لوثر كينج لنيل حقوقهم الأساسية والمدنية، مقابل الرجل الأبيض فى ستينيات القرن الماضى، ودرس شارب النموذجين وحولّهما إلى أساليب نمطية، وتمارين، وأشكال مدروسة لتحريك الشعوب ودفعها لحرب أوطانها، أو الأنظمة القائمة عليها ومطلوب إسقاطها.

(3)

وبالطبع ليس كل الخيال السياسى شر، على هذه الشاكلة السابقة، فهناك أيضًا بالتأكيد جانب إيجابى فى المسألة، وكمثال واقعى جدًا – ونابع من خيالى أنا الشخصي – كان يمكن للمعارضة المصرية الحالية أن تتجاوز أزمتها الحالية، وتتحرر من السجن الذى حبست نفسها فيه واسمحوا لى أن أطلق عليه، «سجن مبارك» وتبحث فى خيالها عن دور جديد غير دور إسقاط النظام والرئيس القائم لتركب كرسيه بأى تكلفة أو تضحيات (ليس من جانبها ولكن من خارجها).

والأمر المؤسف لوجوه المعارضة التى خرجت من مكامنها الآن لتعلن وتدعو إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة، وهى بالطبع وجوه معروفة ومألوفة من حمدين صباحى إلى جورج إسحاق، ومدحت الزاهد، وغيرهم ممن أطلقوا على تجمعهم «التيار المدنى الديمواقراطى»، هذه الوجوه وقد غاب بعضها عنا لشهور وسنوات، بعد حضور ثورى وتثويرى، أكثره معارك كلامية فى الصراع على السلطة، والهدم لإعادة البناء وإن لم يفصحوا عن مشاريع بنائهم إلا فى عناوين راديكالية، وخطابات شعبوية يدغدغوا بها حماس الشباب الطامح حقا إلى التغيير، والذى تصور فى وقت من الأوقات أنهم قادرون على تحويل هذه الشعارات إلى عمل، غير أنهم للأسف اختزلوا هذا العمل فى الصراع للوصول إلى كرسى الرئاسة فقط، كان ذلك قبل وخلال وبعد 25 يناير 2011، واختفت هذه الوجوه التى لا يجيد أصحابها إلا الكلام، مع عودة الدولة، وهدوء الأحوال بعد 30 يونيو  2013، ومع عودتها لم ألحظ عليها من جديد إلا فعل الزمن الذى أضاف لأعمار أصحابها علاماته.

عادت بعد سنوات الغياب تكرر هتافاتها التى كانت ترددها أيام «سجن مبارك»، من مقاطعة الانتخابات، والعصيان، وعدم التوريث، وكفاية وحرام.. وبعد؟!

ما هو الجديد لديكم، ما هو برنامجكم لبناء هذا البلد؟! من أين ستأتون بالأموال التى ستخرج هذا البلد من أزمته الاقتصادية؟! وتوفرون للجياع الوجبات الساخنة وللمشردين الدفء فى هذا الشتاء القارص..بالكلام..؟ والشتيمة.. والخصام؟! شبعنا يانخبة.

وأنا شخصيا بما أنى من عامة هذا الشعب، أرى أن جمعيات مثل بنك الطعام أو الأورمان أو مستشفى 57357 أجدى وأنفع لهذا الوطن من «الحنجورى» الذى تمطروننا به مع المناسبات الوطنية التى تتحول معكم إلى ملاطم أشبه بملاطم الشيعة الذين تسببوا فى قتل الحسين ومزقوا جثته بين القاهرة وبغداد، ومازالوا يبكونه منذ 14 قرنًا، فلا هو عاد ولا هم كفوا عن البكاء.

(4)

ونصيحتى لكم أن تلجأوا لكتاب عمار على حسن، وتطالعوه لعله ينشط عقولكم بدروس الخيال السياسى، فإذا ما شربتم الدرس واستوعبتموه تشرعون فى تحويله إلى أفكار، ونظريات، ومن ثم واقع حالم بمستقبل أجمل وأرحب وأزهى لهذا الوطن.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2