تعرضنا فى مقالاتنا السابقة للعملية العسكرية الروسية فى اوكرانيا من حيث الأهداف والنتائج وتداعياتها المباشرة والغير مباشرة على العالم وعلى المنطقة العربية نظرا لما سببته تلك العملية من نتائج وتحولات إستراتيجية كبرى حيث أنها تسببت وكما أشرنا سابقا فى جعل العالم بعدها ليس هو العالم من قبلها .. إلا أنه اليوم وفى ذكرى حلول ثورة الثلاثين من يونيو وذكرى صدور بيان 3 / 7 كان لابد لنا من التوقف مؤقتا عن متابعة الحالة الروسية الأوكرانية .. والإشارة إلى ذكرى ذلك اليوم الذى يعد أحد أهم الأحداث الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية ليس فى مصر فقط ولا فى المنطقة بل على المستوى الدولى والعالمى.. حيث تكمن أهميته فى كونه أفشل مخطط حال نجاحه لأصبح العالم العربى والإسلامى خاصه فى منطقة الشرق الأوسط ( الكبير) فى وضع مأساوى لا يمكن بأى حال من الأحوال تداركه والنجاه من تداعياته الكارثية على شعوب تلك المنطقة ونحن فى القلب منها بالطبع .. وحتى تضح الصورةأكثر دعونا نتسائل .. هل كانت مصادفة فى تلك الآونة و أثناء ما يسمى بثورات الربيع العربى أن تنتهى كل هذه الثورات بسيطرة شبه مطلقة ل تنظيم الإخوان ( بصورة المتعددة و أذرعه المختلفة من حركات وتنظيمات جهادية و سياسية وشبه عسكرية ) على مقاليد الحكم فى كلا من تونس ..وليبيا .. ومصر .. و أجزاء من سوريا ..وأجزاء من اليمن .. وأخرى فى العراق .. ؟؟
أعتقد نكون من السذاجه بمكان أن نعتقد أن هذه السيطرة المطلقة ل تنظيم الإخوان فى تلك البقع تحديدا فى منطقتنا العربية فى هذا التوقيت المتزامن قد تمت مصادفة ودن علم ومباركة بل ودعم العالم الغربى ( أوروبا الغربية – والولايات المتحدة الأمريكية)...!! نعم لقد بارك كلا من الاتحاد الأوربى والولايات المتحدة تلك التحولات وإراد بما لا يقبل الشك وصول تيار بعينه إلى سدة الحكم فى معظم البلاد العربية والإسلامية ..أن لم يكن كلها .. وحتى تضح الصورة الذهنية للقارئ أكثر لابد من الاشارة إلى نقطتتين فى غاية الأهمية - الأولى: أن هذا التنظيم وأعنى به تنظيم الإخوان متواجد بقوة فى الأساس وله تأثيره الواضح على أنظمة الحكم بصورة غير مباشرة وقبل ما يسمى بالربيع العربى فى كلا من المغرب والجزائر .. غربا وفى قطاع غزة واليمن والكويت شرقا و وبعض المناطق فى سوريا والعراق - أما النقطة الثانية التى يجدر الاشارة إليها .. هو هذا الدعم السياسى الغير مسبوق الذى تلقاه التنظيم من الإتحاد الأوربى برئاسة كاترين آشتن مفوضة الشئون الخارجية للاتحاد الأوربى فى ذلك الوقت ومن الولايات المتحدة الأمريكية متمثلة فى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون بل والرئيس الأمريكى أوباما نفسه فى الكثير من الأحيان .. وكيف لنا لا نتذكر حجم الضغوط التى تعرض لها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية فور اتخاذه تدابير 3 / 7 والتى تمثلت فى تحييد الرئيس الإخوانى محمد مرسى ونظامه كاملا بتأييد شعبى جارف وتعيين رئيس المحكمة الدستورية حين ذاك بدلا منه رئيسا مؤقتا للجمهورية عدلى منصور من قبل هاتين الجهتين (الاتحاد الأوربى- الولايات المتحدة) فى تدخل سافر وعجيب وغير مسبوق أن تحاول دول خارجية فرض حاكم معين ونظام حكم معين على دولة أخرى ذات سيادة رغما عن إرادة شعبها المدعوم بقواته المسلحة ..!!! وفى هذا المجال لا تسطيع ذاكرتى أن تنسى إصرار آشتن ممثلة الاتحاد الأوربى على زيارة محمد مرسى الذى أصبح رئيسا سابقا والتحدث مباشرة معه فى تحد غريب ومريب لكافة الأعراف الدولية فى محاولات مستميته لاعادته إلى سدة الحكم .. !! وحسنا فعلت قواتنا المسلحة فى ذلك الوقت بأن سمحت لها باللقاء الغامض اثباتا لحسن النوايا ولإثبات عدم تعرضه لمكروه كما أشاع أنصاره ومن بينهم الأبواق الإعلامية الغير مهنية التابعة للاتحاد الأوربى والولايات المتحدة ..!! وكان البديل أمامهم هو تشويه الثورة المصرية الخالصة فى 30/6 والتعامل معها على أنها انقلاب عسكرى ..!!! وما تلى ذلك من عقوبات وقيود عنيفة ضد مصر عقابا لها على ثورتها السلمية فى محاولة أخرى مستميتة للحفاظ على تنظيم الإخوان فى سدة الحكم فى مصر وهو موقف قد يبدوا غريبا ومتناقض .. فكيف للعالم الغربى الذى رسخ وأسس للإسلام فوبيا .. وصنف بن لادن(السنى) وتنظيماته الجهادية وحسن نصر الله(الشيعى) وحزبه الشبه عسكرى كمنظمات إرهابية ..؟ وجيشوا لهم الجيوش وأعدوا لهم العدة لغزو العالم كله لمحاربتهم .. أن يسعى فى نفس الوقت بكل قوته لجعل تنظيم راديكالي ينتهج نفس منهج بن لادن ونصر الله لتولى سده الحكم ليس فى مصر أكبر الدول العربية (السنية) فقط بل فى ليبيا وتونس لينضم الجميع إلى الجزائر والمغرب الواقعين بالفعل تحت تأثير الهوى الإخوانى .. وهو أمر من المستحيل فى شأن العلوم السياسية والعلاقات الدولية بوضعها الحالى أن يكون مصادفة أو شأن غاب عن صانع القرار فى الغرب الذى اعتدنا منه التخطيط المسبق لعشرات العقود القادمة ضمانا لمصالحة واستقراره ..فكيف تكون مصلحته فى تنصيب تنظيم راديكالى إسلامى على هذا العدد الضخم من الدول العربية ذات الكثافات السكانية المرتفعة والموارد الطبيعية المتعددة والمواقع الجغرافية الحاكمة ..!
إن مصلحة الغرب الكاشفة فى هذا الأمر وهو تولى تنظيم الإخوان سدة الحكم فى كلا من مصر وتونس وليبيا مرورا بالجزائر (جبهه الانقاذ) والمملكة المغربية ..غربا ..ثم حماس فلسطين وسنة اليمن(بعد تقسيمها ) وسنة البحرين والكويت وقطر ثم سنة سوريا والعراق شمالا (بعد تقسيمهم) وأخيرا سنة لبنان المقسمة أصلا لهو دعوة صريحة لتكوين هلال سنى يتولى أمره نفرا من معدومى الخبرة والكفاءة والعلم والمتعصبون دينيا يسيطرون وهذا هو المهم على الملايين من الاتباع التى سلمت عقولها لسبب أو لآخر إلى مرشد جاهل بإمور الدين والدنيا ..!! على أن يكون مركز الهلال السنى مصر .. ؟ لمواجهة هلال آخر شيعى تمت صناعته بموافقة غربية أيضا .. فى فترة زمنية لاحقة ..(عوده آيه الله الخومينى الى إيران قادما من فرنسا عام 1979) يبدأ بشيعه اليمن (الحوثيون) جنوبا ثم شيعة البحرين والكويت وسوريا والعراق (بعد تقسيمهم) وأخيرا شيعة لبنان شمالا ..على أن يكون مركز الهلال الشيعى إيران.. ؟ وهذا الهلال الشيعى لا يقل تشددا عن نظيره السنى بل يدار بنفس النهج وله نفس سمات الهلال السنى السابق الاشارة إليه من حيث التعصب الأعمى والتشدد عن جهل والطاعة الكاملة لآيات الله الذين لا يختلفون فى الشكل والمضمون عن نظيرهم المرشد السنى .. ومن ثم يصبح من السهل جدا فى ظل هذا المناخ المصطنع ذو الايدلوجيات المتعارضه فكريا والمتوحده فى فكره القتل العشوائى للمخالف تحت مسمى فقه الجهاد والتى يكفر كل جانب منهما الآخر ولا يخفى كل جانب منهم مطامعة فى الجانب الأخر أن يتم إفتعال أزمة أو مجموعة أزمات بين الجانبين لتنطلق بعدها حرب طاحنة بين الهلالين أو تحديدا بين المعسكرين السنى والشيعى ( حرب العراق – إيران عام 1980- 1988نموذج) قد تستمر عدة سنوات تستهلك فيها موارد الدول الإسلامية كاملة .. تنتعش معها مصانع الأسلحة والذخائر فى الغرب لتوفير احتياجات المعسكرين المتصارعين من الاحتياجات العسكرية واللوجسيستية ..مع الوضع فى الاعتبار إطالة زمن الأزمة أو الحرب إلى أقصى فترة ممكنة حتى يمكن التخلص من كم كبير من الرصيد البشرى الهائل لدى المعسكرين.. والذى يمثل تهديد ديموجرافى للغرب على المدى البعيد بالإضافة إلى تحقيق أقصى مكاسب إقتصادية ممكنة للصناعات العسكرية الغربية وملحقاتها من صناعات مكملة ثم سرعان ما يتدخل الغرب فى مرحلة التسويات السياسية كوسيط محايد فى نهايات هذه المعارك الطاحنة ليحقق من خلالها مصالحة فى تامين مصادر الطاقة وبسط السيطرة عليها وربما استغلال الموقف المتأزم لجعل إدارة قناة السويس تحت رعاية دولية تحت مسمى تأمين حرية التجارة العالمية فى ظل الحرب السنية الشيعية بالمنطقة .. ثم تبدأ بعدها مرحلة إعادة الإعمار للدول التى تهدمت جراء هذا النزاع الضارى لتنتعش مرة اخرى شركات ومؤسسات الغرب الاقتصادية لعشرات السنين القادمة وحتى الانتهاء من خطط إعادة الإعمار بما يضمن للغرب تحقيق الاستقرارالاقتصادى لشعوبها لفترات طويله قادمة.. ولا عزاء للمغيبين من الجانبين .. ومن ما سبق تضح أهميه ثورة 30/ 6 التى أطاحت بهذا المخطط الشيطانى الغربى الذى كاد أن يعصف بالمنطقة وشعوبها بكاملها ويعود بها عشرات السنين للخلف حال نجاحه .. فتحية للشعب المصرى الذى فطن إلى ما يدبر له ولجيرانه من الأشقاء العرب .. وتحية من القلب للجيش المصرى الذى استطاع تجنيب البلاد و المنطقة العربية كلها شر فوضى وحروب مدمره لا يعلم مداها الا الله.