علقت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية على الحادث المأساوي لاغتيال رئيس الوزراء السابق شينزو آبي يوم الجمعة الماضي على يد مسلح، قائلة إنه من الصعوبة بمكان وصف الصدمة، التي تعرضت لها اليابان بعد اغتيال آبي، في مجتمع لا يُعرف فيه إطلاق النار من أي نوع فضلا عن أن القتيل أيضا هو شخصية سياسية بارزة.
وقالت الصحيفة، في مقال افتتاحي أوردته في موقعها الإلكتروني، اليوم الثلاثاء، إنه من الصعب كذلك التعبير، بطريقة مختلفة، عن مدى المرونة، التي أظهرت بها الديمقراطية اليابانية للتو نفسها عقب هذا الحادث، فقد توجه الناخبون، الذين لا يزالون يترنحون من صدمة المأساة بأعداد كبيرة يوم الأحد الماضي لصناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء جدد لمجلس الشيوخ في البرلمان الياباني.
وقال فوميو كيشيدا، رئيس الوزراء الياباني "لقد كان إجراء الانتخابات أمرا ذا مغزى كبير، ولا زالت مساعينا لحماية الديمقراطية مستمرة."
وأشارت الصحيفة إلى أن حماية اليابان وديمقراطيتها كانت هي المهمة، التي رسمت ملامح حياة آبي المهنية، التي تضمنت فترتين كرئيس للوزراء من 2006 إلى 2007 ومن 2012 إلى 2020، وكانت الأخيرة الأطول في تاريخ البلاد الحديث، فحتى بعد تنحيه، ظل آبي زعيما سياسيا مؤثرا في الحزب الديمقراطي الليبرالي المحافظ الحاكم، الذي كان يقوم بحملة لمرشحيه عندما تعرض للهجوم.
ومع ذلك رأى آبي أنه من أجل حماية التنمية في بلاده بعد الحرب العالمية الثانية، بات يتعين عليه تحديثها: من خلال إحداث هزة في اقتصادها، الذي وصفته الصحيفة بالخامل وذلك عبر خطة التحفيز "الشرسة"، من خلال صياغة رؤية استراتيجية جديدة لـ"المحيطين الهندي والهادئ"بالاشتراك مع الولايات المتحدة والهند وأستراليا وعن طريق تحديث الجيش الياباني، إذ رأى آبي أن كل ما سبق، كان ضروريا لمواجهة صعود الصين وكذلك القدرة النووية لكوريا الشمالية.
وأضافت الصحيفة أنه وقت وفاة آبي، لم يكن هو ولا خلفاؤه قادرين على إكمال برنامجه، وكان من شأن اتفاقية التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ أن تربط بين اقتصادات الولايات المتحدة و اليابان بشكل أكثر شمولا، إلى جانب اقتصادات تسع دول أخرى، غير أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أحبط برنامج الشراكة عبر المحيط الهادئ كرئيس، ولم يقم الرئيس الحالي جو بايدن بإحيائها.
كما تطرقت واشنطن بوست إلى نقطة مهمة أخرى قائلة إنه على الرغم من ذلك، فإن انتخابات يوم الأحد تقدم أجندة آبي لتعديل دستور اليابان الذي يبلغ عمره 75 عاما لتحديد شرعية قواتها العسكرية، ويسيطر المؤيدون لهذه الفكرة الآن على ثلثي مجلسي النواب والشيوخ الضروريين لسن القانون، الذي سيخضع لاستفتاء وطني.
وتكمن الفكرة في إنهاء حالة الغموض القانوني التي عفا عليها الزمن: فالوثيقة -التي تمت صياغتها تحت وصاية الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية- تنص على "نبذ الحرب إلى الأبد" ، وتتعهد بعدم "الإبقاء على "القوات البرية والبحرية والجوية" "أبدا"- ولكن رغم ذلك تنفق اليابان حوالي 50 مليار دولار سنويا على "قوة دفاع الذاتي" التي يبلغ قوامها 250 ألف شخص.
ومضت الصحيفة تقول إنه يتعين على الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى دعم إضفاء الصبغة شرعية على القدرة العسكرية اليابانية الديمقراطية، فمن المؤكد أن الكثيرين في اليابان -الذين يضعون في الاعتبار الإرث الفظيع للنزعة العسكرية- لا يزالون يتراجعون عن تأييد الفكرة، ولدى الكوريين الجنوبيين والصينيين كذلك ذكرياتهم المريرة عن الاحتلال الياباني، ومما لا شك فيه أن دعم التعديل يحظى بالوضع الأقوى لدى الأوساط القومية المحافظة اليابانية ، التي مثلها آبي لفترة طويلة.
واختتمت الصحيفة الأمريكية مقالها قائلة إنه مع ذلك، فإن التعديل المقترح لن يؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على أمر هو واقع بالفعل، ف اليابان لديها قوات برية وبحرية وجوية، وهو لن بلغي بند نبذ الحرب، غير أنه سيسهل مساعدة اليابان في الأمن الجماعي، إذ باتت اليابان في القرن الحادي والعشرين عضو جدير بالثقة في المجتمع الدولي، كما أن مساهمتها في الأمن العالمي هي أمر ضروري الآن أكثر مما كانت عليه قبل العمليات الروسية في أوكرانيا، لقد رحل آبي مبكرا، غير أنه لا ينبغي نسيان التأثير، الذي أحدثه على اليابان والعالم.