لا تؤجل رحلة روحك ونزهتها، وتتركها حبيسة لمتطلبات جسدك ونفسك، وإذ بها تخرج مضطرة فى نهاية العمر باكية حزينة، لحرمانها من السياحة فى ملكوت الكون، وظلت طول بقائها فى جسدك حبيسة بين جدرانه، وكان الشوق يلح عليها لتكتسب راحة نفسية على أوقات متفرقة، طمعا فى كسب سويعات من السكينة والهدوء، لتأخذك بعيدًا عن ضغوط وأعباء الحياة، التي تحاصرك، حتى فى منامك.
ولتكن استراحة محارب، ترتحل فيها الروح قليلا خارج الجسد المنهك، وفرصة لتتخلى عن نفس أثقلتها سلاسل الحياة المادية، وأتعبتها مطباتها وثغراتها، والروح تناشد صاحبها الراحة ولو لدقائق قليلة، تنعم فيها بنسمات طيبة فى رحاب الله، تسمو بها خارج قسوة الحياة ومن ظلم النفس وظلم الناس.
واشتياق الروح للنزهة فى رحاب آيات الله لمدة قصيرة، لا يعد هروبا من مشقة الحياة وكبدها وسعيها فى الإعمار، إنما فرصة لالتقاط الأنفاس، يشعر بعدها الإنسان أنه يستعيد نشاطه، ويملؤه أمل وطمأنينة، وتنضج بداخله رؤية وأفكار إبداعية، وتتجلى بصيرته، ويصبح وكأنه يرى بنور الحكمة.
وأنت تسبح فى رحاب المولى عز وجل وفى سنن كونه الفسيح، تنطلق الروح كالطير فى سربه آمنة، وتنظر إلى الدنيا بمنظار جديد للحياة، وتعيد تقييمها بصورة أكثر نضوجا لا يخالطها خيالا مريضا أو مشاعر كاذبة.
وتنتهي الرحلة فى دقائق معدودة، وتعود إلى الجسد الذي أنهكته الشهوات، فتطعمه وتسقيه الصبر والتفاؤل والقوة، وتتضاعف قوة الجسد كلما اعتادت الروح على السياحة والتفكر فى آلاء الله والتحلق فى السماء وحول الأرض.
ولا تجعل الروح تقتصر رحلتها على العالم الخارجي، واجعلها تسبح داخل الجسد، وترى برؤية المتأمل الإعجاز فى خلق الإنسان وتكريمه بالعقل، وقد وصفت الباحثة سوزان شيفلين الإنسان بالساحر غير المعقول، وكان بحثها تحت عنوان "المخلوق الكوني"، ويقف العلماء حائرين أمام التعقيد الهائل لهذا الكمبيوتر السوبر القابع داخل جمجمة الإنسان.
ومن يعطّل حواس روحه ويحبسها فى قفص جسده، فهو ذو أفق ضيق، ويمنع عن قلبه النور الإلهي، ويحجب عنه نورا يرافقه فى مشوار حياته، وهذا النور يمكنه من الرؤية لأبعد من مكانه الحسي، وها هو سيدنا عمر بن الخطاب يرى ويدرك سارية.
ولا يعني هذا أن الإنسان يعلم الغيب ولديه معجزات، بل إنه حين تعود الروح بعد نزهتها إلى الجسد تسعى إلى تحقيق المصالحة بين متطلباته اللانهائية وبين إمكانياته المحدودة، وذلك فى نطاق الشريعة الإلهية، وتمنحه الرشد.