قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن هدف هذه الرسالة العالمية هو الحفاظ على بنية الإنسان جسمانيا وفكريا وروحيا, واتضح ذلك من خلال تكريم الله تعالى للإنسان وتسخير الكون له, وذلك بغية تحقيق سعادته في الدنيا، وفوزه بالنعيم المقيم في الآخرة.
واستدل جمعة بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70] ومن هنا جاء اهتمام الإسلام بالإنسان, فجعل مقاصد الشريعة تدور حوله وتحقق له ومنه وبه, ولذلك فرض عليها الحفاظ على النفس والعقل والدين والعرض والمال, سواء كان ذلك له أو لغيره.
وأوضح علي جمعة أنه من أجل الحفاظ على هذه المقاصد هذب وعالج الإسلام نزعة الحرب والاعتداء والانتقام في نفس إنسان المسلم, فنهى عن ترويع الآمنين وقتل المسالمين، ولم يشرع الحرب إلا بغية الدفاع والذود عن حياض الدولة الإسلامية, فجاءت الحرب في الإسلام -على خلاف ما يشاع حول الدولة الإسلامية- للحفاظ على الإنسان, والحد من إراقة الدماء وإزهاق الأرواح.
وبين جمعة أن الإسلام لم يكن يوما دينا يهتم فقط ويختص به من أسلم وآمن بالله ورسوله، ولكنه أيضًا دولة تحافظ على الناس جميعهم, وتحافظ أيضا على المقاصد الخمسة التي بها قيام حياة الإنسان, ومنها الدين الذي أباح الله سبحانه وتعالى قبول التعدد فيه تحت مظلة مقاصد الشرع وقيم العدل والمساواة والإحسان, مع مراعاة النظام العام لإقامة الدول الذي لابد فيه من المحافظة على هويتها الثقافية والفكرية والحضارية, وعدم المساس بالثوابت والقواعد الشرعية والأخلاقية.
وأكمل: امتثالا لأمر الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7] يجب علينا أن ندرس سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سنته في نسق واحد, ونحاول أن نستخرج منها مكونات الشخصية المسلمة, سواء من الناحية العقلية أو النفسية, أو من ناحية المناهج التي يلتزمها في تقويمه للمواقف, وإنشائه للعلاقات, وفهمه للأمور, ومواجهته للعالمين, عيشًا ومشاركةً وتفاهمًا وتعاونًا وعبادةً لله وعمارةً للأرض وتزكيةً للنفس, وبذلك يتخذ المسلم النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, ويتحقق بالتكليف والتشريف في مقام الشهادة على العالمين, قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة:143].
وشدد عضو كبار العلماء على أن دراسة السيرة النبوية تؤدي إلى التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وتقي من كل انحراف عن منهجه وهدية: بالاجتزاء, أو التأويل الخاطئ, أو التقصير في الفهم, أو القصور في الإدراك أو الإفراط أو التفريط أو المغالطة في السلوك والتطبيق, أو نحو ذلك من انحرافات الفكر والسلوك, ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة, مصداقا لقوله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب:21].
واختتم علي جمعة قائلاً: "الإسلام جاء للحفاظ على أمة الدعوة -وهي الإنسان في كل زمان ومكان, فردا أو جماعة أو أمة- لأنها المحل الواسع للدعوة إلى الله تعالى، ولأنها أصل أمة الإجابة, وأساس دعوة الإسلام, وبهذا الملحظ الدقيق ندرك قول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].