مرت الأغنية الاجتماعية المصرية بمراحل تطور عديدة على مدار القرن العشرين، وبدايات الـ21، لكن القاسم المشترك بينها رغم اختلاف المقامات الموسيقية، وتراكيب الكلمات، هو حفاظها على طابعها الساخر الذي يلازم المصريين، فى أحزانهم قبل أفراحهم.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، التي وضعت مصر على المحك بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، عرفت أغانى فنان الشعب سيد درويش طريقها إلى الناس، ليخاطب كل فئات المجتمع بمن فيهم الشيالين (الحمالين) والمراكبية، والموظفين ويحثهم على الثبات وتحمل ظروفهم الصعبة نتيجة الحرب.
وكانت أغنية "شد الحزام على وسطك"، هي أول صرخة شعبية للتقشف، وكتب كلمات الأغنية بديع خيري عام 1918، حين عطل المستعمر الإنجليزي حركة التلغرافات وجعل المرور بين المحافظات عن طريق جوازات سفر عسكرية، مما أدى إلى الاستغناء عن شيالين الحقائب بمحطات القطار، وعرضت ضمن مسرحية " قولوله" التي أدتها فرقة نجيب الريحاني مع أغنيات أخرى للثنائي اللامع بديع خيري وسيد درويش.
ويقول الباحث والناقد الموسيقي الدكتور محمد شبانة، صاحب دراسة "تجليات شعبية فى أعمال سيد درويش"، أن درويش احتل مكانته بين الفئات الشعبية لاستخدام لغة الشارع والطبقة الشعبية والألفاظ التي تناسب كل فئة، وظهر ذلك بوضوح فى الأغاني التي خصصها للطوائف الطبقية، مثل الشيالين والصنايعية والموظفين والمراكبية (والحشاشين).
ومن الإسكندرية أيضاً، وفي الحقبة الزمنية نفسها، خرج محمود بيرم التونسي الشاعر المصري ذو الأصول التونسية، بأشعار عامية و"أوبريتات"، تساند قضية مناهضة الاحتلال البريطاني، القضية الأم للمصريين حينها، كما عبر عن أوجاع العمال المصريين المهدور حقهم فى قصيدة "العامل المصري"، التي غناها الشيخ زكريا أحمد.
ويقول "شبانة"، إن بيرم التونسي ملأ الفراغ الموسيقي، بعد انفصال الثنائي بديع خيري وسيد درويش، بعد موت الأخير عام 1932، فاقتربت أشعاره من الفئات الاجتماعية، بجانب أعماله الفنية الوطنية والعاطفية، مع كبار المغنين، مثل أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب.
ومثلما شكل الثنائي سيد درويش وبديع خيري الثورة الفنية فى بداية القرن العشرين، جدد شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، بصحبة الملحن والمغني الشيخ إمام عيسى، العهد للأغاني الاجتماعية، التي تحمل انتقادات للسلطة والرأسماليين، وتنتصر للفقراء، خصوصاً أن نجم من المحسوبين على التيار الاشتراكي القديم فى مصر.
ورصدت الدكتورة ياسمين فراج، فى كتابها "الغناء والسياسة فى تاريخ مصر"، صعود الأغنية الساخرة من الأوضاع السياسية بعد فوز مبارك فى الانتخابات الرئاسية عام 2005، لافتة إلى أن كلمات أغنية مثل، "دي لا باظت ولا خربت"، مثلت رؤية جديدة فى الأغنية الاجتماعية، التي تناقش الأوضاع الاقتصادية بلغة عشوائية.
وقالت إن الأغنية الاجتماعية انتقلت، إلى عالم "الأندرجراوند"، الذي استخدم ألفاظاً ومقامات موسيقية تناسب أحلام جيل الألفية الثالثة، ومن هذه الفرق "بلاك تيما" و"واما" و"مسار إجباري" وغيرها.