منظومة القيم وبناء الوعي المجتمعي

منظومة القيم وبناء الوعي المجتمعيمحسن عليوة

الرأى23-7-2022 | 19:59

من أساسيات قيام المجتمعات، بغض النظر عن دين وعرق ولون ولغة هذه المجتمعات، فإن أهم ما يحكمها هو منظومة المبادئ العُليا والقيم، فمن غير المنطقى وجود أى مجتمع إنسانى لا يتضمن فى أساسيات بنائه منظومة متكاملة من المُثل العُليا والقيم النبيلة الفاضلة.

هذه القيم هى التى تضبط وتقيّم تصرفات العوام والخواص فى هذه المجتمعات، وهذا ما يتمايز به المجتمع الإنسانى عما سواه، ومع تغير الكثير من القيم فى مجتمعاتنا نتيجة عوامل كثيرة، أهمها غياب الوعى بالقضايا الوطنية ومستقبل البلاد، وكنت قد نشرت مقالاً بعنوان الوعى وخطورة المرحلة، بدأت كتابته بتعريف لفظة الوعى لُغة واصطلاحاً.

وفى الفترة الأخيرة، غابت الكثير من قيم المجتمع المصرى، لذا فمن الواجب أن نتحدث عن منظومة القيم وبناء الوعى المجتمعى، وكان لزاماً أن يتم تعريف لفظة القيم لُغة واصطلاحاً، فهى تُعرف لغةً بأنها جمع لكلمة قيمة، وهى الشيء ذو المقدار، أو الثمن، وتُعرف اصطلاحاً بأنها مجموعة الصفات الأخلاقية الحميدة والفاضلة، التى تُميّز البشر، وتقوم على أساسها الحياة الاجتماعية، وتؤدى إلى توجيه السلوك البشرى نحو الخير والصلاح.

إن العودة إلى منظومة القيم ورفع وتنمية الوعى بمفهومها الشامل هما حجرا الزاوية فى عملية التنمية الشاملة، حيث تلعب القيم و الأخلاق دوراً مهماً فى بناء شخصية الفرد وتوجيه سلوكه، باعتبارهما من الأسس المهمة فى تكوين المجتمعات وسبيلاً من سُبل التنمية فى الحياة.
وللقيم أهمية عُظمى فى المجتمع، حيث تُحافظ على توازنه واستقراره واستمراريته، بتنظيم السلوك الإنسانى للفرد والاسرة والمجتمع، وهناك ارتباطاً وثيقاً بين الحفاظ على منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية وتقدم ونمو المجتمعات.
وإذا اعتنق الأفراد القيم والمبادئ، كان لها دوراً عظيماً فى التأثير على ترشيد قراراتهم، وحُسن اختياراتهم وتحصين وتهذيب نفوسهم وتنظيم سلوكياتهم، وإدراك قيمة المجتمع الذى يحيون فيه والايمان بذاتهم، وتحديد مواقعهم وأدوارهم فى بناء مجتمعهم وأمتهم، وعدم التفريط فى طاقاتهم الإبداعية والحفاظ والحرص على مقدرات الوطن.
والقيم والوعى يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، حيث أكد العديد من أصحاب الفكر والرؤية، أن قضيتنا الأساسية، هى بناء الوعى الحقيقى فى كل المجالات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو علمية أو تعليمية، حتى فى المجال الفنى ذلك الوعى المقترن بالقيم العظمى لأخلاق المجتمع.
فالوعى السياسى، هو إدراك ما تتعرض له البلاد من تحديات كبيرة، تقوم أجهزة الدولة ومؤسساتها بدوراً مهماً تجاه ذلك، للحفاظ على المقدرات وحفظ الأمن وتأمين الحدود وصناعة علاقات دولية متميزة مع كافة القوى وعلى جميع المستويات، من خلال قيمنا وجذورنا التاريخية وعلاقاتنا الممتدة عبر قرون الزمان.
والوعى الاقتصادى، الذى يمثل حجر الزاوية الآن، فى ظل نكبات دولية أثرت سلباً على جميع دول العالم، بل إن الأزمات الاقتصادية المترتبة على آثار وباء كورونا، تلك الكارثة التى ما زالت البشرية تعانى من آثارها، والتى أوقفت العديد من خطوط الإنتاج فى دول العالم وأدت إلى تسريح العديد من العمال، حيث أعلنت منظمة العمل الدولية فى تقرير رسمى لها، ضياع ما يقارب 25 مليون وظيفة فى العالم، نظراً لتفشى فيروس كورونا، وما أن بدأت الدول فى التعايش مع الأوضاع حتى نشبت أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، التى أعادت المجتمع الدولى إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وقد ترتب على هذه الحرب، العديد من الأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والخدمات فى دول العالم، فلا بد من التوعية بأن الأزمات الاقتصادية عالمية وليست محلية، وأن مصر - والحمد لله - استطاعت من خلال إقامة العديد من المشروعات فى مجالات الأمن الغذائى والاهتمام بالزراعات الأساسية، أن تخفف من آثار الأزمة، وهنا لا بد من ضرورة الوعى بإعلاء قيمة الحد من الإسراف والاستهلاك غير المبرر وعدم احتكار السلع وترشيد استخدام المياه والطاقة تماشياً مع قيم وتعاليم الأديان السماوية لا سيما الدين الإسلامى، الذى علمنا عدم الإسراف ونهى عن التبذير بالدعوة إلى الوسطية فى كافة شئون الحياة.
والوعى الاجتماعى فى هذه المرحلة المهمة من تاريخنا يستلزم العودة إلى منظومة القيم بمفهومها الشامل لكون الوعى والقيم حجرا الزاوية فى عملية التنمية الشاملة.
والوعى الاجتماعى يعتبر من الأهمية بمكان حيث تعمل القيم الأخلاقية بشكل دائم على تأهيل المواطن ليكون عنصراً إيجابياً وفعالاً فى الحياة.
ورفع الوعى الاجتماعى، هو أهم ما يواجهنا حالياً، حيث تغيرت واختلت الكثير من المعايير داخل مجتمعاتنا على الكثير من المستويات، فترى زيادة معدلات الجرائم الأخلاقية، واستخدام التكنولوجيا أسوأ استخدام للترويج للجرائم، التى تروع الآمنين من أبناء الوطن.
وهنا لا بد لنا أن يكون للمنابر الرسمية فى البلاد، الأزهر والكنيسة والمؤسسات التعليمية والعلمية والاعلام بكافة وسائله المرئية والمسموعة، وكافة مؤسسات المجتمع المدنى دوراً مهماً فى نشر الوعى اللازم لمواجهة تحديات المرحلة وتضافر الجهود بين كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، للتصدى للأكاذيب والشائعات وتعظيم وإلقاء الضوء على أهمية مشروعات مصر القومية التنموية ويُعد هذا من أفضل السُبل وأرقاها فى رفع الوعى المجتمعى لإفشال أى مخططات أو تهديدات تستهدف أمننا القومى.
فالوعى مسئولية الجميع، وإعادة منظومة الأخلاق والقيم مسئولية الجميع، لما لهما من أهمية لتحصين المجتمع ورفع كفاءة مواطنيه، والحفاظ على المقدرات، بنشر قيم الحب والتسامح والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه إثارة أى نوع من القلاقل فى المجتمع.
دامت مصر قيادة وشعباً.

أضف تعليق