عاطف عبد الغنى يكتب : في السياسة والمباريات !

عاطف عبد الغنى يكتب : في السياسة والمباريات !عاطف عبد الغنى يكتب : في السياسة والمباريات !

الرأى11-2-2018 | 16:38

فى السياسة، ومباريات الكرة، مطلوب دائمًا النفس الطويل، ومطلوب أحيانًا الصبر المحسوب، والمقدر، للوصول إلى أفضل نتيجة فى مباريات «فن الممكن»، أو «فن المستحيل» كما يذهب البعض فى وصف «السياسة». وغير النفس الطويل والصبر هناك مقومات أخرى لـ «اللاعب الجيد» أو الشخصية السياسية الناجحة أو الفذة، التى تستطيع أن تقدّر، هذا الممكن والمستحيل بقياسه على ظروف الواقع، وإمكانية التدخل لتغيير هذه الظروف للوصول إلى النتائج المحتملة سواء النجاح أو الفشل. وأمامى 3 حالات محددة يمكن ترجمتها على ما سبق، مع الوضع فى الاعتبار أننا نتحدث عن قضايا سياسية تتعلق بمصير دولة، ومع الوضع فى الاعتبار أيضا آلية صناعة القرار فى عصر الدولة وغياب الحاكم الفرد، الذى كان من قبل يتحمل مسئولية القرار كاملة دون حساب، والمعنى أن القرار الآن رغم مسئولية القائد عن إصداره، فإن صناعته لا يتحكم فيه القائد بمفرده، وأرجو أن تكون فكرة زمن القائد المٌلهم، الأوحد، الفرعون، قد تجاوزت أفهام العوام، وأن يكف من يروج لهذا من أهل النفاق والرياء وبطانة السوء. ونعود إلى الحالات الثلاث الراهنة والتى مثلت قلقًا بالغًا للمصريين، ومازالت، ونحاول معًا أن نستقرئ تعامل الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى معها، لنستطلع ما يمكن أن يطرأ عليها فى المستقبل. (1) سد النهضة، والعلاقة بين مصر والسودان وإثيوبيا، هذه هى القضية الأولى والأكثر إلحاحًا، وإثارة للقلق الناتج عن إحساس المصريين بالفشل فى الوصول إلى نتائج إيجابية فى هذا الملف على المستويين السياسى والدبلوماسى، وقد روج لهذا بشدة خصوم الدولة فى الداخل والخارج لأسباب أبعد ما تكون عن المصلحة العامة، حتى ولو قالوا بغير ذلك وأقسموا على قولهم بـ «الماء يجمد». وبالطبع لم ولن يعترفوا بفشلهم الذريع فى هذا الملف حين حاولوا التدخل لحل الأزمة، وكانت مازالت فى بداياتها، وأذكر القارئ هنا فقط، بتحركين للمعارضة الحالية، الأول لوفود الدبلوماسية الشعبية التى سافرت إلى إثيوبيا وقابلت عددًا من المسئولين فى أثيوبيا وكان ذلك بعد 3 أشهر تقريبا من تاريخ 25 يناير 2011، وضمت الوفود كثيرًا من وجوه ما يسمى الآن التيار المدنى الديموقراطى. وأذكّر أيضًا باجتماع سد النهضة الشهير الذى عقدته الجماعة الإخوانية إبان حكم الرئيس المخلوع مرسى، وكيف شهد العالم «عصابة كوميدية» تتآمر على الهواء لضرب السد، ودراويش تبحث عن حلول غيبية لحل أزمة تأخر وصول ماء النيل الذى سيزيد ولن ينقص بعد بناء السد، وجاء الإخوان والأزمة فى بداياتها، وغادروا وقد تحولت إلى ورم سرطانى. ومنذ أيام قليلة وبعد لقائه فى قمة ثلاثية، الرئيس السودانى عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبى هايلى مريام ديسالين، أدلى الرئيس عبد الفتاح السيسى بتصريحات عن أزمة سد النهضة، أثلجت صدور المصريين إلى حد كبير، لأنها عالجت المخاوف الرئيسية بشأن قضايا ملء بحيرة السد، وتعويض الناقص من حصة مصر من المياه خلال مدة الملء، والحفاظ على حصة مصر الدائمة من المياه. نجحت مصر فى الوصول إلى حلول مطمئنة، وكان هذا النجاح من خلال العمل السياسى والتوصل إلى إقناع الدولتين السودان وإثيوبيا أن آفاقًا للتنمية الواعدة يمكن أن تجمعهما مع مصر، وأن يكون مجال «الطاقة» تحديدًا هو مجال كبير للمصلحة المشتركة، وألا تخضع هذه المصلحة للعواطف التى تتصف بالتقلب والتغير، وعند النقطة الأخيرة دعونا نتوقف ونسأل: هل تستطيع مصر فعلًا أن تصل من خلال الصبر والنفس الطويل إلى إقناع النظامين الحاليين فى كل من السودان وإثيوبيا بتأسيس علاقة جديدة مبنية على لغة العقل والمصالح المتبادلة والمشتركة؟! (2) القضية الثانية.. الإخوان وما يتردد - بين الحين والآخر - بشأن نزوع الدولة المصرية للتصالح معهم، وبغض النظر عن الكلام الكثير والمتضارب والمتناقض، وتوظيف عنوان (المصالحة) فى الدفاع والهجوم من الجماعة على الدولة، وما يكتنف هذا الحديث من لغط ولغو، بغض النظر عن كل ما سبق أريد ألفت النظر إلى جانب يتعلق أيضا بالمصالحة، وهذا الجانب يتعلق بمراجعات عرفنا قبل حين أنها انطلقت بين عدد من شباب الجماعة فى سجن بالفيوم، وحسبما فهمت أن المراجعة المقصودة تتعلق بسلوك الجماعة بعد ثورة 30 يونيو، وليس أفكارها.. ودعونى أوضح لكم الفرق: بطل المبادرة شاب يدعى عمرو عبد الحافظ، وقد تعرض للضرب من بعض قرنائه فى الحبس، بسبب العمل على تنفيذ مبادرته، كتب على صفحته الشخصية بموقع الفيس بوك فى الأول من ديسمبر الماضى: «الحياة العامة فى مصر تعانى من أزمة أخلاق مزمنة.. شخصنة دائمة وابتعاد عن مناقشة الأفكار.. تلاسن بين المختلفين والمتنافسين.. ردح متبادل طول الوقت.. منطق السفهاء هو الغالب على حياتنا العامة فى معظم المجالات، خاصة السياسية». مبادرة عبد الحافظ التى أقلقت الجماعة ووسائل الإعلام التى تعمل لصالحها لأنهم رأوا فيها شقًا للصفوف، لم تصلنى تفاصيلها، أما «البوست» الذى كتبه عبد الحافظ وغيره القليل مما عرفته عن مبادرته، فلم أفهم منه إلا أنه محاولة للقفز على أزمة الجماعة من خلال السلوك، وليس من خلال مراجعة جذرية تصل إلى الفقه المؤسس للتكفير والعنف، هذا الفقه، والفكر الذى انطلقت من عنده كل أفعال القتلة، بداية من «النظام الخاص» .. التنظيم السرى الذى أسسه عبدالرحمن السندى ونفذ عمليات اغتيال النقراشى والخازندار، وليس نهاية بفكر داعش وأشباهها. وما نريده ونطلبه وننتظره من الإخوان هو المراجعة الحقيقية وليس المهادنة أو الذهاب إلى سلوك «التقية». (3) القضية الثالثة والأخيرة هى قضية ما يطلقون على أنفسهم التيار المدنى الديمقراطى، ويتصورون أنهم يحتكرون الليبرالية (بمفهومها اليمينى واليسارى) والديمقراطية، ثم ينزعون فى سلوكهم العملى إلى الفاشية، والإقصاء، والحلول العنيفة ضد الخصوم، ويلقون بها على الآخرين. وحتى لو كان هذا منهج خصومكم لماذا لا تقدمون أنتم ما يقنعنا أنكم كما تدعون: ليبراليون، ومنفتحون، ومستوعبون، ومدركون لتحديات الوطن ومعاركه الحقيقية، بدلا من السلوك فى طريق هدم المعبد على طريقة شمشون؟!.. نحن نفسنا طويل.. وفى الانتظار.
أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2