توت عنخ آمون «الأسرة 18 الدولة الحديثة»

توت عنخ آمون «الأسرة 18 الدولة الحديثة»مروة محمود التوني

الرأى31-7-2022 | 17:36

الملك توت عنخ آمون أسطورة التاريخ حيث أصبح ملك لمصر وهو طفل فى التاسعة - ودام حكمه لمدة تسع أعوام - بعد وفاة الملك سمنخ كا رع الذى تولى بعد أخيه أمنحتب الرابع "اخناتون" ولكن لم يدم له الملك طويلا ، فقد حكم لفترة لم تتعدى العام تقريبا ، وقد حظى بالكثير من السبائك الذهبية من معابد آتون التى انشأها أخناتون حال حياته ، ليصنع كنزه الخاص ، والتى استخدمها بعده توت عنخ آمون بعدما تم محو اسمه من على بعضها.

لقد كان توت عنخ آمون بعمر التاسعة عندما أصبح ملكا لمصر وتم في عهده العودة إلى عبادة الأرباب القديمة المتعددة.
وقد تزوج من عنخ إسن آمون. والتى عاش معها حياة سعيدة ونرجح ذلك من خلال المناظر المفعمة بالحيوية التى نقشت على ما ترك من آثار ، فها هى فى مشهد تتحسس بيدها صدر زوجها الشاب تعطر ما أحاط به من ثياب، وتعدل ما شذ عن الهندمة والتنسيق من ملابسه، في رفق وحنان وإعجاب ، وفى مشهد آخر على محرابه الذهبى يحمل فيه قوسه ونشابه، ويهم بصيد الوز البري وزوجته تجلس أمامه على الأرض تناوله بإحدى يديها سهمًا وتشير بالأخرى إلى وزة سمينة تقف على سيقان البردي ، والكثير من مشاهد التنزة والصيد التى تدل على الرضاء والسعادة.


كان الملك توت عنخ آمون عاشق للصيد بارعا فيه فائق الشجاعة رغم صغر عمره الا انه قد نقش له نقشا وهو يصطاد اسد ويطعنه بحربته كما كثرت على آثاره مشاهد الصيد وادوات القتال الخاصة به والتى كانت تدل من صناعتها على ان حاملها شاب صغير .

وفى أثناء حكم توت عنخ آمون بدأت ثورة ضد حركة أخناتون الدينية و الذي نقل العاصمة من طيبة إلى عاصمته الجديدة آخت آتون، وفي العام الثالث لحكم توت عنخ أمون إعاد عبادة جميع الارباب ، لاسيما أن ذلك هو السبب الأول من وجهة نظرى فى حصوله على كنزه الثمين والذى عثر عليه فى مقبرته ، والذى تم إعداده في فترة زمنية وجيزة ، فقد حرر الشعب من ضغط كبير كان يتحمله ، فقد كانت سعادتهم عندما توفى أخناتون وإنتهت معه دعوته لعبادة آتون وحده ، وشدة سعادتهم فى السماح لهم بعبادة ما يريدون من الأرباب التى حرموا عبادتها فترة من الزمن ، كما أن أسراعه بتغيير اسمه من (توت عنخ آتون) الى (توت عنخ آمون) أثر كبير فى نفوس كهنة آمون وجميع من اتبعوا عبادته من الشعب، ولكنه ترك العديد من اثاره تحمل اسمه الأول ، ولم يتم تعديل اسمه عليها فكما ذكرنا من قبل أن مصر معبدا كبيرا لجميع المعتقدات الدينية وكانت تتقبل وجود اكثر من رب واكثر من صورة وأكثر من اسم لنفس الرب ، وأن عبادة الشمس لم تكن مستحدثة فسواء كانت تحت اسم رع او آتون فانهم عبدوها لذلك نجد أن ما تم تدميره من آثار تل العمارنة لم تكن تخص آتون أو عبادته وانما محو لاسم اخناتون تحديدا لاثمه الكبير فى نظر الشعب حيث يتمثل دوره فى حرمانهم عباداتهم واربابهم.
وقد ذكر ذلك كتابة عن الملك توت عنخ آمون نفسه:
"
لقد وجدت المعابد قاعًا صفصفًا، والجيوش المصرية منهزمة في فينيقيا ، والأرباب قد ولَّت ظهورها للأهلين في طول البلاد وعرضها، فلا تسمع نداءهم ولا تستجيب دعاءهم، ولكنني أصلحت الحال؛ لأن الرب نفسه قد صوَّرني، وأرواح يون مجتمعة قد سوَّتني، وإنني ملك رصين مخلد، وحاكم يعمل لسعادة آبائه الارباب ، ويسيطر على أرض حور، وتنحني أمامي البلاد الأجنبية وغيرها إجلالًا، وقد أعدت بناء ما هدمته الأزمان الغابرة، وقضيت على الكذب ودعمت الصدق".

وها هو توت عنخ آمون يعيد المظاهر الدينية إلى معبد الأقصر و يرجع اسم الرب آمون وصوره التي تم محوها من هذا المعبد ومن غيره، ثم إتم بنائه ودوَّن اسمه على الجزء الذي بناه، وزيَّن جدران قاعة الاعمدة بالمناظر والنقوش التي تصور الحفل بعيد رأس السنة الذي كان يُقام لارباب طيبة ، الرب آمون الأب، والربة موت الأم، والرب خنسو الابن ،والذى كان يسمى ثالوث طيبة .

كما نجد خيتا وقد هددت النفوذ المصرى والحدود المصرية مما اثار القلق فى نفوس الشعب المصرى ، وقد تطلعت البلاد إلى رجل قوى يحفظ البلاد ويرهب أعدائها ، ووجد الشعب غايته في القائد العظيم حور محب فتولى زمام الامور ونصب وصيًّا على عرش الملك توت عنخ آمون وقائدا للجيش حيث انتصر على خيتا واخمد ثورة اهل فلسطين على الامراء التابعين للحكم المصري ، انتصر عليهم وكان برفقته الملك توت عنخ آمون ، وكذلك العصاه من كوش الذين تم قهرهم على يده ، وها هو قد اعاد للدولة هيبتها وانجز مهامه الحربية على اتم وجه.

وكتب عن توت عنخ آمون فى لوحة له ثم نسبها حور محب لنفسه:
"عندما أشرق جلالته الآن ملكًا كانت معابد الارباب والربات من بداية إلفنتين حتى منابع الدلتا، قد أهمل شأنها؛ إذ قد أصبحت محاريبها خاوية، وصارت أراضي تغشاها أعشاب كا .ث. ومعابدهم أصبحت كأن لم تكن بالأمس، وحجراتهم كانت طرقًا معبدة، والبلاد كانت في ارتباك، وهجرت الآلهة هذه الأرض، وإذا أرسل جيش، إلى زاهي ليمد من حدود مصر لم ينل أي نجاح قط. وإذا دعا الرب إنسان ليطلب إليه حاجة، فإنه لا يأتي إليه بأية حال، وإذا تضرع إنسان للأرباب فإنها كذلك لا تجيب تضرعه بأية حال؛ لأن قلوبهم كانت ضعيفة من نفسها بالغضب، فخربوا ما كان قد عُمل ، وبعد أن مضت بضعة أيام على ذلك ظهر جلالته على عرش والده، فحكم ممالك حور، وكانت الأرض السوداء والأرض الحمراء تحت سلطانه، وكل بلد كانت تخضع لقوته".

كان الكاهن آى داعما للملك توت عنخ آمون خلال حياته ، وقد خطط له توليه العرش كما خطط لنفسه استيلائه على العرش من بعده لكنه كان يسعى جاهدا لذلك فى الخفاء ربما لخشيته القائد حور محب فقد عاش كلاهما زمن اخناتون وامتد نفوذهما وطموحهما لأبعد مدى.

قد نال نصيب كبيرا من الدهاء ، ما جعله يناصر نفرتيتى وتوت عنخ امون ويذهب معهم الى طيبة للتقرب من كهنة آمون لكى تتم الاطاحة بسمنخ كا رع وتتم تولية توت عنخ آمون محله ، ويعتقد انه من اقترح تغيير اسم الملك إرضاء لطيبة وربها وكهنتها ، كما يعتقد انه صاحب فكرة الاستيلاء على الحلى والسبائك الذهبية التى وهبها اخناتون لسمنخ كا رع ومحو اسم الاخير من عليها وتخصيصها للملك توت عنخ آمون.
وقد ذكر عن الملك توت عنخ آمون فى لوحة آى:
"كان جلالته يحكم هذه الأرض، ويدير حركة شاطئ النهر يوميًّا، وبعد ذلك استشار الملك قلبه منقبًا عن كل فرصة ممتازة، باحثًا وراء ما يفيد والده آمون، فيصنع تمثاله الفاخر من الذهب الخالص الجميل، وأضاف إلى ما كان قد عُمل له فيما سلف من الأزمان؛ إذ نحت تمثال والده آمون ليُحمل على ثلاثة عشر قضيبًا، أما تمثاله المقدس فصُنع من الذهب الخالص الجميل، واللازورد، والفيروز، ومن كل ما ندر وغلا ثمنه من الأحجار، في حين أنه في الأزمان السالفة كان تمثال جلالة إلهه الفاخر يُحمل على أحد عشر قضيبًا، وكذلك صنع تمثالًا الرب بتاح القاطن جنوبي جداره، رب حياة الارضين، وكان تمثاله الفخم من الذهب الجميل يُحمل على أحد عشر قضيبًا وتمثاله المقدس صيغ من الذهب الخالص واللازورد والفيروز، في حين أن جلالة هذا الرب الفخم كان يُحمل على ستة قضبان، وكذلك صنع جلالته آثارًا للأرباب، فصاغ تماثيله من الذهب الخالص من أحسن ما في الأراضي الأجنبية. وأعاد بناء معابدهم لتكون آثارًا خالدة على الدهر، ومنحها أملاكًا إلى الأبد. وأسس لهم عطايا مقدسة لتكون قربانًا يوميًّا دائمًا، وأمدهم بقرابين من الطعام على الأرض. وأضاف إلى ما كان لهم في سالف الزمن. ففاق في ذلك ما كان قد عُمل منذ عهد أجداده. وعين كهانًا وسدنة وخدام الرب من أبناء أشراف البلاد، وكان كل ابن رجل مشهور واسمه معروفًا، وقد ضاعف ثروتهم بالذهب والفضة، والشبة، والنحاس، ومقادير لا حصر لها من كل الأشياء، وملأ مخازنهم بالعبيد رجالًا ونساء، وذلك من ثمرة ما سلبه جلالته، وتضاعفت كل ممتلكات المعابد فصارت ثلاث ورباع من الفضة والذهب واللازورد، والفيروز، وكل الأحجار النادرة الغالية، والكتان الملكي، والنسيج الأبيض، والكتان الرفيع، وزيت الزيتون والصمغ والشحم (…) والعطور وبخور أهمت والمر، مما لا يدخل تحت حصر من كل الأشياء الطيبة، وقد صنع جلالته (له الحياة والازدهار والعافية) سفنهم التي تجري على النهر من خشب الأرز الجديد، وهو أحسن ما ينمو على منحدرات الجبال، ونخبة بلاد نجاو وغشي بالذهب، وهو أحسن ما تنتجه البلاد الأجنبية، وهي تضيء النهر. وقد خصص جلالته (له الحياة والازدهار والعافية) لها عبيدًا وإماء، ومغنين وراقصات ممن كانوا خدمًا في بيت الفرعون، وكانت أجورهم تُدفع من … قصر رب الأرضين، وقد قمت بحمايتهم وحفظهم لآباء كل الارباب؛ وذلك رغبة مني في إرضائهم بعمل ما تحبه نفوسهم حتى يحفظوا مصر، وأصبحت الارباب والربات التي في هذه الأرض قلوبهم فرحة وأصحاب المحاريب مبهجين، والأراضي في أعياد تقيم الأفراح، والسرور منتشر في كل الأرض بعد أن أصبحت حالة البلاد مرضية".
من سوء حظ الملك توت عنخ آمون أن القدر لم يمهله حينما قارب النضوج، وأخذ يدب فيه روح الرجولة، فاختفى فجاءة دون سابق انذار ، فلم يتمكن ان يترك لنا كلمة عن حياته ونشأته، ومراميه التي كان يهدف إلى تحقيقها كملك ، ولكنه ترك لنا في الصور التي أمر بنقشها على أثاثه الجنائزي ما فيه الكفاية فعرفنا منها ميوله وأخلاقه، وكثيرًا عن حياته الخاصة .


كان هناك اعتقاد سائد أن وفاة توت عنخ آمون لم تكن لأسباب مرضية وانما قد تكون جراء عملية اغتيال قام الوزير خپرخپرو رع آي بتدبيرها و ويستند هذا الاعتقاد على زواج الوزير خپرخپرو رع آي من ارملة توت عنخ أمون حيث عثر على ختم فرعوني يحمل اسم آي وعنخ إسن أمون وأيضا يوجد رسالة بعثتها أرملة توت عنخ أمون إلى ملك الحيثيين تطلب منه إرسال أحد ابنائه لغرض الزواج بها بعد موت زوجها وقام ملك الحيثيين بارسال أحد أبناءه كي يتزوج من أرملة توت عنخ آمون ولكنه مات قبل أن يدخل البلاد ويعتقد انه تم اغتياله بتدبير من خپرخپرو رع آي الذي كان يخطط للاستيلاء على العرش ، فقام بقتل الملك توت عنخ أمون وقتل ابن ملك الحيثيين ولكن لا يوجد دليل قاطع لإثبات ذلك.
ومع وجود الوزيرين احدهما الكاهن آي والاخر قائد الجيش حور محب وهناك ادلة أثرية تؤكد انه بعد وفاة توت عنخ أمون أستلم آى مقاليد الحكم لفترة قصيرة ليحل محله حور محب الذي تم في عهده إتلاف معظم الأدلة على فترة حكم توت عنخ أمون والوزير آي ، مما يؤكد كون وفاة توت عنخ أمون كانت مدبرة كما ظن البعض.
لكن أوضحت الدراسات الحديثة أن سبب موت توت عنخ أمون هو اصابته بمرض الملاريا الذى انتشر في الجنوب ، كما وجد ايضا كسر بعظام الفخذ للساق اليسرى للملك وقد سببت مضاعفات هذا الكسر التهابا والذى قد يكون سببا لوفاته ، كما أشارت الدراسة إلى وجود مرض وراثي ناتج عن خلل جيني حيث ظهر عظم سقف التجويف الفمي لتوت عنخ أمون لم يكن مكتملًا وكان طول قامة توت عنخ أمون 170 سم وكان الطول العرضي لجمجمته أكبر من الطول الطبيعي مما اكد اقتراح البعض ان مرض متلازمة مارفان كان سببا لموته المبكر.
توفى الملك في سن الشباب ودفن فى مقبرة ٦٢ فى وادى الملوك والتي دونما شك لم تكن مخصصة له وانما وفاته المفاجئة سبب للجوء لتلك المقبرة حيث ان الاثاث الجنائزي الذى خصص للملك وتابوته الرائع كان يحتاج لمقبرة اكبر بكثير من تلك التي كانت مثواه الاخير.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2