«عمهم».. فريق أوشن على الطريقة المصرية !

«عمهم».. فريق أوشن على الطريقة المصرية !محمود عبد الشكور

الرأى1-8-2022 | 09:12

منذ أن ظهرت سلسلة أفلام عصابات أوشن الأمريكية بتنويعاتها، وبأجزائها المختلفة، امتلأت أفلامنا المصرية بهذه الألعاب السردية، وبتلك السرقات الجماعية الضخمة ، وبهؤلاء الأبطال الضدد، أو «الناس الشمال» بالمصطلح المصري، وبأولئك الذين يتحولون من الهامش الى قلب الصورة، وبالذين يستخدمون ذكاءهم في تحقيق الثراء، والخروج من دائرة الفقر.

امتدت مظاهر التأثر الى خطوط درامية فى بعض الأفلام، وإلى معالجات بأكملها، بعضها حقق نجاحا ضخما فى السينما، مثل فيلم «ولاد رزق» بجزءيه، من إخراج طارق العريان، بل ووصل النجاح الكبير الى مسلسل شهير هو «بـ 100 وش»، من بطولة نيللى كريم وإخراج كاملة أبو ذكرى.

سمات هذه الحالة "الأوشنية" تقديم أبطال أبعد ما يكونون عن المثالية، وتحويل التهميش الفردي، والفشل الخاص، الى فريق عمل كبير ناجح، وتحويل فوضى حياة الشخصيات المنفردة، إلى خطط منظمة وصارمة وذكية، وجعل الهدف دوما الوصول إلى كميات ضخمة من الأموال، تحقق الثراء بضربة واحدة، وتقسيم المهام، بطريقة أقرب إلى المسرحية المكتوبة بدقة.

أما أسباب النجاح الجماهيرى لتلك الأعمال الدرامية، فهى إتقان لعبة التفاصيل، وجاذبية شخصيات الأبطال الضد، فى تمردهم وحبهم للمغامرة، ووجود بعض مشاهد الحركة والمطاردات جيدة التنفيذ، والخطط الذكية غير المتوقعة، بالإضافة إلى الجانب النفسي، الذى يجعل المتفرج مؤيدا للسرقة والسطو، بالفرجة والمشاهدة، دون أن يطالبه أحد بدفع فاتورة المساءلة والعقاب، فما نراه على الشاشة سرقة ذكية، ولعبة مثيرة، ولكنها بعيدة عن أموالنا، ولن نتورط فيها بأبعد من دور تشجيع اللعبة.

فيلم عيد الأضحى "عمّهم" بطولة محمد عادل إمام، مع حشد من الممثلين، وكتابة وسام صبري، وإخراج حسين المنبّاوي، هو حلقة جديدة فى هذا التأثر، ويؤكد لنا ما شاهدناه أن صناع الفيلم قد عرفوا بالضبط عناصر اللعبة، وطبقوها بكثير من الإجادة، وإن كانت هناك بعض الملاحظات، كما أن الاهتمام باتقان اللعبة وتفاصيلها، ورسم ملامح الشخصيات، بصورة طريفة، تكثيف ومشاهد الحركة، كل ذلك لم يكن ناجحا فى أن نصدق مصرية أو محلية ما نشاهده من صراعات وعصابات، أى أنها مجرد محاولة على الطريقة المصرية لاستلهام ألعاب العصابات الأجنبية، دون تحقيق الإيهام بأن ذلك من المحتمل أن يحدث هنا، رغم واقعية الحوار، ومفرداته الشعبية.

لكن بناء السيناريو جيد بشكل عام، وأبرز ما يميزه تحديد ملامح شخصياته، ورسم معالمها، رغم أنها شخصيات كثيرة جدا، والأهم من ذلك، التفرقة بين الشخصيات المحورية، والشخصيات الثانوية، والظهور المتدرج لهذه الشخصيات، وفق مسار الدراما والأحداث، مع التركيز بالطبع على شخصية سلطان الشهير ب عمّهم (محمد إمام)، وصديقه سعيد (محمد سلام)، الأول شيف مفصول، ورياضى يرتزق من مباريات الملاكمة، والثانى عامل توصيل بيتزا، يدمن الحبوب المخدرة، ويحب النساء، ويتورط الاثنان مع عصابتين شرستين تواجهان بعضهما طوال الوقت: الأولى يرأسها الحاج سالم (سيد رجب)، وتتاجر فى الآثار، والثانية يرأسها البارون (رياض الخولي)، وتتاجر فى السلاح، وتستورد مطبعة لتزوير الدولارات، وعندما ينحاز سلطان وسعيد إلى عصابة الحاج سالم، يساهمان فى سرقة المطبعة لصالحه، وبالتالى يواجهان شراسة البارون ورجاله، وتتفرع من هذا الصراع المحوري، كل الصراعات الجانبية، وكل الشخصيات الأخرى.

الملاحظ أيضا أن البناء يحشد طرفين متكافئين تقريبا بين العصابتين، ففى فريق سلطان تظهر شخصيات جديدة تساعده، سواء فى المعارك الجسدية أو فى السرقة، مثل باسم سمرة وآيتن عامر ومحمد لطفى (مدرب الملاكمة) ومحمد ثروت خبير الكمبيوتر، بينما ينضم الى فريق البارون رجال أشداء مثل الشحات مبروك، ثم ينضم مروان (أحمد خالد صالح)، الذى يكره والده الحاج سالم، لأسباب تتعلق بعلاقة والده بأمه، دون أن نعرف الكثير عن تفاصيل ذلك، رغم أهمية هذه المعلومات، وكان يكفى تماما أن يكون طامعا فى الثروة والقيادة، بدلا من هذا الغموض.

وسط هذا الصراع الحافل بالمعارك، تنشأ حكاية حب بين سلطان ، وغالية (هدى المفتي)، ابنة الحاج سالم، وهى شخصية طريفة جدا، إذ تبدو كفتاة أرستقراطية تعلمت فى أمريكا، ولا تعلم شيئا عن نشاط والدها، والحقيقة أن الشخصيات فى معظمها فيها جوانب طريفة وعجيبة، ولك أن تتخيل عصابة فيها خبير صينى لا يعرف العربية، ومدرب ملاكمة سابق، وشخص مخدر، وشيف مطرود، وفتاة سكيرة من بيئة شعبية، وعليهم أن ينجحوا فى مهمتهم فى سرقة النقود المزورة، بعد أن نجحوا فى مهمة سرقة المطبعة نفسها.

اختيار الممثلين أيضا كان جيدا فى أدوارهم المختلفة، بل إن استعادة الشحات مبروك ومحمد لطفى مثلا ، فى أدوار الحركة والملاكمة، واشتباكهما معا جسديا، كان إيفيها مقصودا، ومحاولة للاستفادة من تاريخهما السينمائى والرياضى القديم، وربما أيضا محاولة للاستفادة من أدوار قديمة مشتركة بينهما، وهما فى سن الشباب.

وبينما رأينا المخرج حسين المنباوى يقدم عملا صعبا مثل حلقات "جزيرة غمام" بإيقاع ومود وجماليات بصرية مختلفة، فإنه هنا يقول ببساطة إنه أيضا يعرف النوع الذى يعمل عليه، ويتقن تنفيذ مشاهد الحركة، وتنفيذ المشاهد الكوميدية، واللافت أن مدير تصوير "عمهم" هو أيضا إسلام عبد السميع، مدير تصوير مسلسل "جزيرة غمام"، وهو هنا لا يقدم معادلا لعالم ضبابى فى جزيرة يتصارع فيها الشيطان مع الإنسان، كما فعل فى المسلسل، ولكنه يقدم لعبة ملونة، تتحول الى ما يشبه فيديوهات السياحة، عندما يحقق الأبطال بعض الثراء، أو كأنه شيء أقرب الى عالم الأفلام المأخوذة عن القصص المصورة الغريبة (الكوميكس)، بينما يقوم مونتاج عمرو عاكف، وتقوم موسيقى مصطفى الحلواني، بأدوار أساسية فى تحقيق التأثير المطلوب، عبر مشاهد الحركة والمطاردات الكثيرة.

يبدو أن محمد إمام لن يستطيع التخلص على الإطلاق من بصمات أداء والده النجم الكبير، ولكنه بلا شك قد أصبح الآن أكثر ثقة، وأكثر قدرة على تحقيق صورته فى أدوار تشبه الإنسان العادي، وفيها الكثير من سمات المهمشين، كما يمكنه أن يحقق الكثير فى تنويعات مختلفة، على هذه الشخصية العادية، حتى بعيدا عن إبهار الحركة، رغم أنه يؤدى هذه المشاهد بشكل جيد ومتقن.

الفيلم ليس أكثر من لعبة على عالم عصابات أوشن، ولكن يمكن أن تعتبره، من زاوية بعيدة، تعبيرا عن فقراء لم يتحققوا فى حياة شرعية، فوجدوا أنفسهم، وحصلوا على الثروة فى حياة غير شرعية، بحيث صار الشيف الشاب مثلا زعيم عصابة، كما يمكن أن تراه تعبيرا عن مجتمع تخفى فيه ثروات الأغنياء أنشطة غير شرعية، وكلها أفكار هائمة فى السيناريو لم يشغل أحد باله بتعميقها، تركيزا على تفاصيل الصراع، وعلى خطوات السرقة، والانضمام إلى نادى الأثرياء، بأسهل وأسرع طريقة.

أضف تعليق