في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر و مسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذى يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار نستكمل الحلقة الخامسة عشر بعنوان هل سمح ملك مصر بخروج بنى إسرائيل من مصر وأين غرق فرعون؟
ويشير الدكتور ريحان إلى حكاية خروج بنى إسرائيل من مصر "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ" سورة الشعراء آية 52 – 53
انطلق بنو إسرائيل فى الخروج الثانى مع نبى الله موسى، وقد كان الخروج الأول لنبى الله موسى منفردًا ولم يكن له مقصد معين، أمّا خروجه مع بنى إسرائيل فقد كان محدد المقصد وهى الأرض المقدسة، وقد تعرّف نبى الله موسى على الطريق عبر سيناء، فهل انطلاقهم كان بناءً على موافقة ملك مصر؟
لم يشر القرآن الكريم إلى ذلك، بينما ذكر فى التوراة أن الخروج كان بناءً على سماح فرعون لهم بالانطلاق ليخلص من ضروب العذاب التى حاقت بهم، فقد استدعى فرعون موسى وهارون وقال لهما ( قوموا أخرجوا من بين شعبى واذهبوا واعبدوا الرب كما تكلمتم خذوا غنمكم أيضًا وبقركم كما تكلمتم واذهبوا وباركونى أيضًا) ع 31 :32، وكان المصريون يلحون عليهم فى الخروج، ولقد طلب بنو إسرائيل من المصريين ذهبًا وفضة وثيابًا فأعطوهم، ثم عاد فندم لخروجهم دون إذن منه، ولعله قد بلغه ما فعلنه نساء بنى إسرائيل من استعارة الحلى من المصريات وعدم ردهن لهن، وانطلق وراءهم بجنوده حتى ساحل البحر الأحمر وحدثت معجزة شق البحر على مرأى من بنى إسرائيل بنص الآية الكريمة "وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" سورة البقرة آية 50.
وكان رحيل بنى إسرائيل من مصر بقيادة موسى فى ليلة الخامس عشر من شهر نيسان (أبريل) عام 1468ق.م. وقد قضوا فى مصر 430 عامًا كما ذكر فى التوراة فى أكثر من موضع فى سفر الخروج إصحاح 12- 40 (وإمّا إقامة بنى إسرائيل التى أقاموها فى مصر فكانت أربع مائة وثلاثين عامًا فى ذلك اليوم عينه أن أجناد الرب خرجت من أرض مصر)
ويشير الدكتور ريحان إلى أن أقرب نقطة مرئية تقع عند رأس خليج السويس وهى موقع نقطة الشط حاليًا، وذكر فى التوراة " أدار الله الشعب فى طريق برية سوف وصعد بنو إسرائيل متجهزين من مصر من أرض رع مسيس فارتحلوا منها إلى سكوت ثم ارتحلوا من سكوت ونزلوا فى إيتام " خروج 13: 14
" بر رعمسيس " هى المدينة التى اكتشفها العالم المصرى محمود حمزة عام 1928 والذى بناها رمسيس الثانى لتكون عاصمة لملكه فى مصر بوسط الوجه البحرى ليكون قريبًا من الحدود المصرية لتساعده على صد الأعداء، وسكوت تعنى خيمة، وعدد الذين خرجوا ستمائة ألف ماشين من الرجال عدا الأولاد طبقًا لسفر العدد 37.
وكانت عاصمة الهكسوس فى أفاريس مكان صان الحجر وهى مدينة العنابر التى بناها الإسرائيليون للملك رعمسيس الثانى وجاء فى سفر الخروج أنهم بنوا لفرعون مدينتى مخازن "بيتوم" ورعمسيس
ولقد آمن فرعون فى لحظات الغرق لينجو فكان جزاؤه نجاة الجثة ليتم تحنيطه بعد ذلك كسائر المومياوات وينظر إليه الجميع للعبرة ولكن لا يعرفه أحد "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" سورة يونس آية 90 – 91.
ويناقش الدكتور ريحان ما ذكر عن موقع غرق فرعون حيث ذكر فى التوراة فى الإصحاح الرابع عشر من سفر الخروج " فاوحى الله إليه أنهم ناجون وأن فرعون وجنده مغرقون وحال بين فرعون وبينهم وضرب موسى البحر فأجرى ريحًا شرقية قوية طول الليل حتى جعلت فى البحر طريقًا يابسة وسار فيها موسى و بنى إسرائيل على اليبس والماء كالسور على يمينهم وشمالهم".
وحاول العديد من الباحثين ربط الخروج ببركان جزيرة ثيرا وقيل أن بنى إسرائيل أفلتوا من هذا البركان بعد أن صعدوا على قمة عالية، ويرى الدكتور عبد الرحمن العايدى أن مخلفات بركان ثيرا بالقرب من جزيرة كريت قد وصلت أفاريس فى شرق الدلتا طافية فوق الماء ولكنها استغرقت سنوات طويلة فى وصولها إلى مصر .
ويرى الدكتور نور الدين عبد الصمد أن ما ذكره العايدى وفريق مدرسة مانفريد بتاك فى هذا الشأن بعيد تمامًا عن المنطق إذ لا يمكن أن تطفو لافا بركانية من جزيرة كريت التى تقع شمال غرب مصر وتتخطى البحر المتوسط، والأمر الثانى أن هذه المخلفات البركانية لا يمكن أن تصل إلى تل الضبعة فى فاقوس عبر فرع النيل البيلوزى الذى يجرى من الشمال إلى الشمال الشرقى أى عكس اتجاه المياه فى البحر المتوسط، ويرى أن هذه النظرية من تأليف مجموعة مانفريد بتاك ومن يعملون معه فى تل الضبعة وهم يحاولون إثبات أى دليل من التوراة بالأدلة الأثرية حتى ولو كانت بعيدة عن المنطق
وأردف الدكتور ريحان بأن المعجزة واضحة بنص القرآن الكريم وأن انفلاق البحر لم يكن بسبب الريح القوية بل جاءت المعجزة بعد الأمر الإلهى لموسى بضرب البحر بعصاه "فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ" سورة الشعراء من آية 61 إلى 63.
ذكر فى القرآن الكريم " وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادى إنكم متبعون" وذكر فى التوراة ( أدار الله الشعب فى طريق برية سوف وصعد بنو إسرائيل متجهزين من مصر من أرض رع مسيس فارتحلوا منها إلى سكوت ثم ارتحلوا من سكوت ونزلوا فى إيتام ) خروج 13: 14.
وذكرت التوراة أن عدد بنى إسرائيل الذين خرجوا من مصر يبلغ ستمائة ألف أصبحوا بعد أربعين عامًا أربعين ألف، (وأمّا عدد الإسرائيليين الذين خرجوا من مصر بقيادة موسى فظاهر عبارة الكتاب أنهم كانوا ستمائة ألف ماش من الرجال ما عدا الأولاد) خروج 12 :37، وإذا حسبنا النساء والأولاد كان عددهم نحو ثلاثة ملايين نفس ما عدا البهائم
ولكن ليس فى مقدرة قائد من البشر قيادة مثل هذا العدد والفرار به ومن الاستحالة إعداد المؤن لهذا العدد من ماء وزاد وركائب فى صحراء كبرية سيناء كانت وما تزال قليلة الماء والنبت والزرع والسكان.
وقد أشار نعوم شقير فى موسوعته "تاريخ سيناء" إلى أن سكان سيناء من حضر وبادية وقت أن زارها عام 1906 لا يزيد عددهم على خمسين ألف نسمة ولا نعلم أن عدد سكان سيناء كان فى أى عصر من عصور التاريخ يزيد كثيرًا عن هذا العدد وبالتالى فمن المستحيل تسيير جيش بهذا العدد فى سيناء، وإذا كانوا بهذا العدد فلماذا خشوا الوقوف فى وجه أهل الأرض المقدسة فقدّر الله عليهم التيه أربعون عامًا
بينما يشير عالم الآثار البريطانى فلندرز بترى إلى أن أرض جوشن بمصر التى قيل أن بنى إسرائيل عاشوا بها لا تتحمل أكثر من إيواء اثنتى عشرة ألف نسمة واستنتج أن واقعة هجرة ستمائة ألف رجل وعائلاتهم وعتادهم واقعة لا يمكن قبولها منطقيًا، كما أن أحوال سيناء ولا يبدو أنها قد تغيرت كثيرًا لا تتحمل إيواء مثل هذا العدد ويرى إبراهيم أمين غالى أن العدد لن يتجاوز ثلاثة أو أربعة آلاف شخص