مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية: كيف نكتشف أن فى بيتنا مريض نفسى

مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية: كيف نكتشف أن فى بيتنا مريض نفسىالدكتور حاتم ناجي مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية

حالات قتل وانتحار وجرائم مروعة بين أفراد الأسرة الواحدة، ضمن موجة عنف انتشرت فى الآونة الأخيرة بمعدلات مفزعة تؤشر على انتشار الأمراض النفسية والعصبية بين أعداد ليست بالقليلة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات العنف والجريمة.

«أكتوبر - بوابة دار المعارف» توجهت إلى الأستاذ الدكتور حاتم ناجي، مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية، والذى تحدث لنا عن أحوال الصحة النفسية للمواطن المصري، وأسباب انتشار الأمراض النفسية، حتى وصل عدد المترددين على مستشفى العباسية إلى 105 آلاف مريض شهريا.

فما وسائل اكتشاف المريض النفسي، ولماذا تزايدت معدلات الأمراض النفسية، وكيف نحاصر ارتكاب الجرائم الناتجة عن الأمراض النفسية بمختلف أنواعها سواء بحق النفس أو بحق الآخرين.. الإجابات في ثنايا الحوار التالي:

نبدأ من الانتحار، وهو الظاهرة التي انتشرت فى العالم هذه الفترة، ما أسباب الانتحار؟

يوجد عدة أسباب للانتحار قد تؤدي إلى هذه النهاية المأساوية. يجب أولاً التفرقة بين الإنسان المتزن وغير المتزن أو «المريض النفسي». إذا كان الشخص مريضا نفسيا قد ينتحر أو يقتل تحت أي مبرر.

من هم المرضى النفسيون المعرضون للانتحار؟

هناك ٣ أمراض نفسية تؤدي للانتحار. أولها مريض «الفُصام»، نحن كأطباء نسميه «شيزوفرينيا». مريض الفُصام ينقسم إلى عدة أنواع، أحدهم يعاني من هلاوس سمعية وبصرية، ونوع آخر يعاني من مرض التحكم فى الأفكار فيصبح المريض غير قادر على التحكم فى أفكاره، ونوع مصاب بالوسواس كأن يوجد شخص يوسوس له، أو الإيمان بـ أن أحدا زرع داخل مخه شريحة للتحكم فيه. كل هذه أنواع الفصام.

سبب الفُصام هو ظهور الأفكار والأصوات التي تُسيطر على المريض، فإذا كان المريض فصاميًا فالصوت المسيطر عليه يقول له أي شيء كإلقاء نفسه من البلكونة، وبالتالي سيفعل أي شيء يسمعه!

هل من الممكن تشخيص مرض الفصام فى سن مبكرة؟

مريض الفصام لا يمكن تشخيصه قبل بلوغ سن الثامنة عشرة، وبالتالي لا نستطيع تشخيص الأطفال.

وما هو النوع الثاني من الأمراض النفسية التي تؤدي إلى الانتحار؟

النوع الثاني المسؤول عن حالات الانتحار هو الاكتئاب ويتم تقسيمه إلى ٣ مراحل، بسيط ومتوسط وشديد، والاكتئاب الشديد له أعراض ذهنية يجعل المريض يشعر بدرجة من درجات اليأس والإحباط فيقدم على «الانتحار» أو القتل لعدم القدرة على تحمل الواقع أو الإحساس المؤلم فيرتكب هذه الواقعة.

وماذا عن النوع الثالث؟

النوع الثالث من الأمراض النفسية المسؤولة عن حالات الانتحار هو حالات الاضطراب الوجداني حيث يصاب مريضه بنوبة هوس واكتئاب بالإضافة إلى النوم المختلط، وأثناء نوبة الهوس تكون أفعال المريض غريبة وغير متوازنة فيقوم بإنفاق مبلغ مالي كبير فى وقت صغير، أو أن يتكلم بكثرة، أو لا ينام، أو يقود السيارة بسرعة كبيرة جدًا.

كيف يستطيع أهل المريض النفسى اكتشاف إصابته؟

كل هؤلاء المرضى أهلهم ومن حولهم يكونون على علم بمرضهم النفسي لأن تصرفاتهم تكون غير طبيعية، والمريض أثناء نوبة الهوس يفعل أشياء قد تظهر وكأنها انتحار ولكنه لا يقصد، كالقفز من بلكونة إلى بلكونة أو أن يركب عربيته ويسوق بسرعة جنونية، أثناء النوبة فى هذه الساعة تكون تصرفاته عنيفة ومبالغًا فيها، هذه أنواع الاضطرابات النفسية التي قد تؤدي إلى الانتحار.

لكن هناك أشخاصا انتحروا دون أن يظهر عليهم أي مرض نفسي؟

البعض ينتحر وهم ليسوا مرضى نفسيين أصلاً، كشخص يمر بظروف صعبة سواء اقتصادية أو اجتماعية وذلك لأن سمته الشخصية ضعيفة.

هل هناك أمثلة على ذلك؟

مثلاً: زوج يكتشف خيانة زوجته. أو وفاة شخص مقرب كالأم أو الأب أو أحد الأبناء. إذا لم يكن هذا الشخص على قدر كبير من الثبات فى السمات الشخصية والتوازن فى الروحانيات وعلاقته بالله قوية، قد يُقدم على هذه الخطوة وتكون نابعة من يأسه وضعفه، ف الانتحار له أشكال متعددة.

هل ارتفعت معدلات الأمراض النفسية خلال الفترة الماضية؟

الأمراض النفسية لم تزد خلال الفترة الماضية ولكن الزيادة كانت فى النسب ولكنها متقاربة جدًا. يجب هنا القول إن المجتمع والأطباء أصبح لديهم ثقافة نفسية نتيجة زيادة الوعي بالأمراض النفسية.

فى السنوات الماضية كان هناك أشخاص يعانون من الاكتئاب دون أن يعلم ذووهم، لكن الآن وبعد حملات التوعية فى وسائل التواصل الاجتماعي التي أطلقتها الأمانة العامة للصحة النفسية أدت لزيادة الثقافة والوعي للشعب المصري فأصبحنا ندرك ونكتشف المريض النفسي مبكرًا.

كيف نكتشف إصابة أحد أفراد الأسرة بمرض نفسي؟

يوجد مدرستان للطب النفسي فى العالم: المدرسة الأمريكية للطب النفسي، والمدرسة الإنجليزية للطب النفسي. والاثنان اتفقا على أنه يتم تحديد الشخص بالمرض النفسي إذا حدث تدهور فى محور من ٣ محاور. إذا حدث تدهور فى حياته الاجتماعية أو التعليمية أو المهنية.

كيف نستطيع تحديد هذا التدهور؟

التدهور فى الحياة الاجتماعية يعني ميول الشخص للعزلة الاجتماعية كعدم التعامل والاحتكاك بالناس، وعدم التواجد فى أي اجتماعات حتى العائلية، فهذا يعني حدوث اضطراب فى حياته الاجتماعية.

أما التدهور فى الحياة التعليمية فيعني رفض الطالب سواء جامعي أو مدرسي من الذهاب إلى الجامعة أو المدرسة وتوقف حياته التعليمية تمامًا.

أما الحياة المهنية فتعني التوقف عن العمل ورفض الذهاب إلى العمل.

وإذا حدث اضطراب فى محور واحد من هذه المحاور الثلاثة فهذا يعني أن الشخص يحتاج لمساعدة طبية ولا بد من الذهاب إلى طبيب نفسي فى أقرب وقت.

هناك الكثيرون الذين يعانون من الأرق.. هل يعتبر الأرق مرضا نفسيا؟

الأرق يصيب الإنسان وهو نوع من الأمراض النفسية. من خبرتي فى عملي والتعامل مع عدد كبير من المرضى لا بد من تحديد ومعرفة سبب الأرق، بعض المرضى لم يستطيعوا النوم بسبب الضغط النفسي، أو وجود شيء يسبب الضيق. هذا شق مرضي ويحتاج لتدخل دوائي. ولكن يوجد آخرون يعانون الأرق لتغير نظام حياتهم كالنوم بالنهار والاستيقاظ ليلًا فحدث اضطراب فى النوم فتؤثر على الجهاز العصبي وتجعل الشخص غير متوازن.

لابد إذًا من تحديد سبب الأرق، هل حدث نتيجة ضغط والشخصية ضعيفة لا تستطيع التحمل، أو تغيير فى نمط الحياة وفى كل الحالات يجب على كل من يعاني الأرق زيارة الطبيب النفسي لتقييم الحالة والقدرة على مساعدته، فالعرض واحد ولكن منشأه مختلف.

كيف نتعامل عند اكتشاف مريض نفسي بالأسرة؟

أول أمر أنصح به هو الجلوس والكلام والنقاش مع الشخص المريض ومعرفة سبب الزعل والضيق ومحاولة حل المشكلة، وعند عدم القدرة على حلها يجب زيارة الطبيب، ولا نتركه حتى تزيد وتتدهور الحالة.

ما هي الأمراض النفسية المنتشرة بين الأطفال؟

يوجد عدد من الأمراض المنتشرة بين الأطفال مثل فرط الحركة وتشتت الانتباه، والتوحد، وكرب ما بعد الصدمة كتعرض طفل لموقف صعب.

ما أصعب الحالات التي تعاملت معها فى هذا السياق؟

كانت لطفل برفقة والده ووالدته فى السيارة وبسبب حادث مات الأب والأم أمام الطفل فهذا الطفل يحتاج لمساعدة نفسية كبيرة لتجاوز هذا الأمر. أيضًا يؤدي اضطراب السمات الشخصية عند الأطفال إلى مرض نفسي. فحسب النشأة قد يتعرض الطفل لاضطراب فى السمات الشخصية، ويوجد وحدة متخصصة فى الطب النفسي للأطفال، وتحقق نتائج جيدة جدًا فى علاج الأطفال نفسيا.

كم عدد المرضى داخل مستشفى العباسية؟

يوجد لدينا ١٤٠٠ سرير داخلي للمقيمين داخل المستشفى ودائمًا مشغولون ولا يوجد سرير واحد خال.

وكم عدد المترددين على العيادات؟

العيادة الخارجية بها ١٠٥ آلاف ملف لأشخاص يأتون للمستشفى للكشف، والطبيب يقيم حالة المريض، إذا كان يحتاج لأبحاث أو تحاليل كما أن الخدمة داخل المستشفى مدعومة وتتم مقابل ١جنيه فقط.

هل يتم صرف العلاج بالمجان لهؤلاء المرضى؟

نعم يتم صرف العلاج مجانًا. كان فى البداية يصرف العلاج كل أسبوعين ولكن بعد تطبيق الإجراءات الاحترازية بعد كورونا لتقليل الأعداد، طبقنا بصفة مؤقتة صرف العلاج شهريًا.

كم تبلغ ميزانية المستشفى؟

لا يوجد أرقام ثابتة للمستشفى، ووزارة المالية تتولى توفير المبالغ المالية التي تحتاجها المستشفى ونطلب الأدوية وكل احتياجاتنا ويتم توفيرها.

الأمراض النفسية.. هل يمكن الشفاء منها؟

يوجد أمراض نفسية يمكن الشفاء منها، وبعضها مستقر وبعضها مزمن ويحتاج لمتابعة مستمرة.

ما إمكانية تقديم الدعم النفسي للمواطنين عن بعد؟

يوجد بالفعل خط ساخن برقم ٠٨٠٠٨٨٨٠٧٠٠، تم إنشاؤه من قبل الأمانة العامة للصحة النفسية لاستقبال استفسارات المواطنين ومساعدتهم إذا تمت المساعدة بالتليفون، ولكن إذا احتاج الشخص للفحص يتم تحويله إلى المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2